غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{۞وَٱعۡبُدُواْ ٱللَّهَ وَلَا تُشۡرِكُواْ بِهِۦ شَيۡـٔٗاۖ وَبِٱلۡوَٰلِدَيۡنِ إِحۡسَٰنٗا وَبِذِي ٱلۡقُرۡبَىٰ وَٱلۡيَتَٰمَىٰ وَٱلۡمَسَٰكِينِ وَٱلۡجَارِ ذِي ٱلۡقُرۡبَىٰ وَٱلۡجَارِ ٱلۡجُنُبِ وَٱلصَّاحِبِ بِٱلۡجَنۢبِ وَٱبۡنِ ٱلسَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتۡ أَيۡمَٰنُكُمۡۗ إِنَّ ٱللَّهَ لَا يُحِبُّ مَن كَانَ مُخۡتَالٗا فَخُورًا} (36)

31

ثم أرشد إلى مجامع الأخلاق الحسنة بقوله : { واعبدا الله ولا تشركوا به شيئاً } فإن من عبد الله وأشرك به شيئاً آخر فقد حبط عمله وضل سعيه { وبالوالدين إحساناً } تقديره وأحسنوا بهما إحساناً . يقال : أحسن بفلان وإلى فلان . { وبذي القربى واليتامى والمساكين } وقد مر تفاسيرها في البقرة . قال أبو بكر الرازي : إن اضطر إلى قتل أبيه بأن يخاف أن يقتله إن ترك قتله جاز له أن يقتله { والجار ذي القربى } الذي قرب جواره { والجار الجنب } الذي بعد جواره .

عن النبي صلى الله عليه وسلم : " لا يدخل الجنة من لا يأمن جاره بوائقه ، ألا وإن الجوار أربعون داراً " . وعن الزهري أنه أراد أربعين من كل جانب . وقيل : الجار ذي القربى الجار القريب النسب ، والجار الجنب الأجنبي . والتركيب يدل على البعد ، ومنه الجانبان للناحيتين ، والجنبان لبعد كل منهما عن الآخر ، ومنه الجنابة لبعده عن الطهارة وعن حضور الجماعة والمسجد ما لم يغتسل . ومن قرأ { الجنب } فمعناه المجنوب مثل " خلق " بمعنى مخلوق ، أو المراد ذي الجنب فحذف المضاف { والصاحب الجنب } وهو الذي حصل بجنبك إما رفيقاً في سفر ، وإما جاراً ملاصقاً ، وإما شريكاً في تعلم أو حرفة ، وإما قاعداً إلى جنبك في مجلس ، أو في مسجد أو غير ذلك من أدنى صحبة اتفقت بينك وبينه ، فعليك أن تراعي ذلك الحق ولا تنساه وتجعله ذريعة إلى الإحسان ، وقيل : الصاحب بالجنب المرأة فإنها تكون معك وتضطجع إلى جنبك { وابن السبيل } المسافر الذي انقطع عن بلده ، أو الضيف { وما ملكت أيمانكم } عن علي بن أبي طالب أنه كان آخر كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم { وما ملكت أيمانكم } وذكر اليمين تأكيد كما يقال : مشيت برجلي . والإحسان إليهم أن لا يكلفهم فوق طاقتهم ولا يؤذيهم بالكلام الخشن ، بل يعاشرهم معاشرة جميلة ويعطيهم من الطعام والكسوة ما يليق بحالهم في كل وقت . وكانوا في الجاهلية يسيئون إلى المملوك فيكلفون الإماء البغاء وهو الكسب بفروجهن ، ويضعون على العبيد الخراج الثقيل . وقيل : كل حيوان فهو مملوك . والإحسان إلى كل نوع بما يليق بحاله طاعة عظيمة { إنّ الله لا يحب من كان مختالاً فخوراً } تياهاً جهولاً يتكبر عن إكرام أقاربه وأصحابه ومماليكه ، وعن الالتفات إلى حالهم والتفقد لهم والتحفي بهم ، ويأنف من أقاربه إذا كانوا فقراء ومن جيرانه إذا كانوا ضعفاء . وأصله من الخيلاء الكبر ، والفخور المتطاول الذي يعد مناقبه ، وعن ابن عباس هو الذي يفخر على عباد الله تعالى بما أعطاه من أنواع نعمه ، ولعل هذا يجوز على سبيل التحدث بالنعم فقط .

/خ40