غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{۞أَلَمۡ يَأۡنِ لِلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ أَن تَخۡشَعَ قُلُوبُهُمۡ لِذِكۡرِ ٱللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ ٱلۡحَقِّ وَلَا يَكُونُواْ كَٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلۡكِتَٰبَ مِن قَبۡلُ فَطَالَ عَلَيۡهِمُ ٱلۡأَمَدُ فَقَسَتۡ قُلُوبُهُمۡۖ وَكَثِيرٞ مِّنۡهُمۡ فَٰسِقُونَ} (16)

1

قوله سبحانه { ألم يأن للذين آمنوا } من أنى الأمر يأني إذا جاء إناه أي وقته . قال جمع من المفسرين : نزل في المنافقين الذين أظهروا الإيمان وفي قلوبهم النفاق المباين للخشوع . وقال آخرون : نزل في المؤمنين المحقين . روى الأعمش أن الصحابة لما قدموا المدينة أصابوا ليناً في العيش ورفاهية فغيروا بعض ما كانوا عليه فعوتبوا بهذه الآية . وعن أبي بكر الصديق أن هذه الآية قرئت بين يديه وعنده قوم من اليمامة فبكوا بكاء شديداً فنظر إليهم فقال : هكذا كنا حتى قست القلوب . وعن ابن مسعود : ما كان بين إسلامنا وبين أن عوتبنا بهذه الآية إلا أربع سنين . وعن ابن عباس أنه عاتبه على رأس ثلاث عشرة . وقوله { لذكر الله } من إضافة المصدر إلى الفاعل أي ترق قلوبهم لمواعظ الله التي ذكرها في القرآن { وما نزل من الحق } وأراد أن القرآن جامع للوصفين الذكر والموعظة ولكونه حقاً نازلاً من السماء . ويجوز أن يكون من إضافة المصدر إلى المفعول أي لذكرهم الله والقرآن كقوله { إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيماناً } [ الأنفال :2 ] ويحتمل أن تكون اللام للتعليل أي يجب أن يورثهم الذكر خشوعاً ولا يكونوا كمن يذكره بالغفلة . ومن قرأ { ولا تكونوا } بالتاء الفوقانية فهي الناهية . ومن قرأ بالياء التحتانية احتمل أن يكون منصوباً عطفاً على أن تخشع والأمد الأجل والأمل أي طالت المدة بين اليهود والنصارى وبين أنبيائهم ، أو طالت أعمارهم في الغفلة والأمل البعيد فحصلت القسوة في قلوبهم بسببه فاختلفوا فيما أحدثوا من التحريف والبدع . وقال مقاتل بن سليمان : طال عليهم أمد خروج النبي صلى الله عليه وسلم ، أو طال عليهم عهدهم بسماع التوراة والإنجيل فزال وقعهما في قلوبهم قاله القرطبي ، وقرئ الأمد بالتشديد أي الوقت الأطول { وكثير منهم فاسقون } خارجون عن دينهم رافضون لما في الكتابين ، وفيه إشارة إلى أن عدم الخشوع في أول الأمر يفضي إلى الفسوق في آخر الأمر . قال الحسن : أما والله لقد استبطأ قلوب المؤمنين وهم يقرأون من القرآن أقل مما تقرأون فانظروا في طول ما قرأتم منه وما ظهر فيكم من الفسوق .

/خ29