غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ إِذَا طَلَّقۡتُمُ ٱلنِّسَآءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحۡصُواْ ٱلۡعِدَّةَۖ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ رَبَّكُمۡۖ لَا تُخۡرِجُوهُنَّ مِنۢ بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخۡرُجۡنَ إِلَّآ أَن يَأۡتِينَ بِفَٰحِشَةٖ مُّبَيِّنَةٖۚ وَتِلۡكَ حُدُودُ ٱللَّهِۚ وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ ٱللَّهِ فَقَدۡ ظَلَمَ نَفۡسَهُۥۚ لَا تَدۡرِي لَعَلَّ ٱللَّهَ يُحۡدِثُ بَعۡدَ ذَٰلِكَ أَمۡرٗا} (1)

مقدمة السورة:

( سورة الطلاق وهي مكية حروفها ألف وسبعون كلمها مائة وسبع وأربعون آياتها اثنتا عشرة آية ) .

1

التفسير : لما نبه في آخر السورة المتقدمة على معاداة بعض الأزواج والمعاداة كثيراً ما تفضي إلى الفراق بالطلاق أرشد في هذه السورة إلى الطلاق السني الذي لا يحرم إيقاعه وإلى أحكام أخر معتبرة في فراق الزوجين . وقبل الخوض في تقرير أقسام الطلاق نقول : إنه يورد هاهنا سؤال وهو أنه كيف نادى نبيه صلى الله عليه وسلم وحده ثم قال { إذا طلقتم } على الجمع ؟ والجواب أنه كما يقال لرئيس القوم يا فلان افعلوا كيت وكيت إظهاراً لتقدمه وأن من سواه من قومه تبع له في الخطاب . وقيل : الجمع للتعظيم والمراد بالخطاب النبيّ أيضاً . وقيل : أراد يا أيها النبي والمؤمنون فحذف للدلالة . وقيل : يا أيها النبي قل للمؤمنين . ومعنى { إذا طلقتم } إذا أردتم تطليقهن كقوله { فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله } [ النحل :98 ] واللام في قوله { لعدتهنّ } بمعنى الوقت أي للوقت الذي يمكنهنّ الشروع في العدّة وهو الطهر الذي لم يجامعها فيه . وقال جار الله : فطلقوهن مستقبلات لعدّتهن كقولك " أتيته لليلة بقيت من شهر كذا " أي مستقبلاً لها . قال الفقهاء : السنيّ طلاق المدخول بها التي ليست بحامل ولا صغيرة ولا آيسة في غير حالة البدعة ، والبدعيّ طلاق المدخول بها في حيض أو نفاس أو طهر جامعها فيه ولم يظهر حملها . فلتحريم الطلاق سببان : أحدهما وقوعه في حال الحيض إذا كانت المرأة ممسوسة وكانت ممن تعتدّ بالإقراء لقوله تعالى { فطلقوهن لعدّتهن } وطلق ابن عمر امرأته وهي حائض فسأل عمر النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقال : مرة ليراجعها ثم ليدعها حتى تحيض ثم يطلقها إن شاء . فتلك العدّة التي أمر الله أن يطلق لها النساء . والمعنى فيه أن بقية الحيضة لا تحسب من العدة فتطول عليها مدة التربص . وثانيهما إذا جامع امرأته في طهرها وهي ممن تحبل ولم يظهر حملها حرم عليه أن يطلقها في ذلك الطهر لقوله صلى الله عليه وسلم في قصة ابن عمر " ثم إن شاء طلقها قبل أن يسمها " ولأنه ربما يندم على الطلاق لظهور الحمل . هذا تقرير السنة والبدعة من جهة الوقت . أما السنة والبدعة من جهة العدد فقال مالك : لا أعرف طلاق السنة إلا واحدة وكان يكره الثلاث مجموعة أو مفرقة على الأطهار . وقال أبو حنيفة وأصحابه : يكره ما زاد على الواحدة في طهر واحد ، فأما متفرقاً في الأطهار فلا لما روي في قصة ابن عمر : إنما السنة أن يستقبل الطهر استقبالاً ، ويطلق لكل قرء تطليقة . وقال الشافعي : لا بأس بإرسال الثلاث وقال : لا أعرف في عدد الطلاق سنة ولا بدعة . وقد يستدل بما روي في حديث اللعان أن اللاعن قال : هي طالق ثلاثاً . ولم ينكر عليه النبي صلى الله عليه وسلم . وقالت الشيعة : إذا طلقها ثلاثاً يقع واحدة . ومنهم من قال : لا يقع شيء وهو قول سعيد بن المسيب وجماعة من التابعين . والأصح عند أكثر المجتهدين أن الطلاق البدعي واقع وإن كان صاحبه آثماً وعاصياً وهذا مبنيّ على أن النهي لا يوجب فساد المنهي عنه . وفي قصة ابن عمر أنه قال : يا رسول الله أرأيت لو طلقتها ثلاثاً ؟ فقال له : إذن عصيت وبانت منك امرأتك " قالت العلماء : المحرم هو الطلاق بغير عوض فأما إذا خلع الحائض أو طلقها على مال فلا لإطلاق قوله تعالى { فلا جناح عليهما فيما افتدت به } [ البقرة :229 ] ولأن المنع كان رعاية لجانبها وبدل المال دليل على شدة الحاجة إلى الخلاص بالمفارقة . قال جار الله : اللام في قوله { النساء } للجنس وقد علم بقوله { فطلقوهن لعدتهن } أنه مطلق على البعض وهنّ ذوات الأقراء المدخول بهن فلا عموم ولا خصوص . قلت : ما ضره لو جعله عاماً لأنه إذا روعي الشرط المذكور في هذا البعض لزم أن يكون طلاق كل النساء من الصغيرة والآيسة والحامل وغير المدخول بها والمدخول بها بحيث يمكنهن أن يشرعن الطلاق في العدة . قوله { وأحصوا العدة } أي اضبطوها واحفظوا عدد أيامها ثلاثة أقراء كوامل لا أزيد ولا أنقص { لا تخرجوهنّ من بيوتهنّ } يعني من مساكن الفراق وهي بيوت الأزواج أضيفت إليهن لاختصاصها بهنّ من حيث السكنى إلى انقضاء العدة ، وكما أن البعولة لا ينبغي أن يخرجوهنّ غضباً عليهنّ أو لحاجة لهم إلى المساكن كذلك لا ينبغي لهنّ أن يخرجن بأنفسهنّ . وقوله { إلا أن يأتين } استثناء من الجمة الأولى أي إلا أن يزنين فيخرجن لإقامة الحد عليهنّ ، أو إلا أن يطلقهن على النشوز فإن النشوز يسقط حقهنّ في السكنى ، أو إلا أن يبذون فيحل إخراجهنّ لبذائهن ويؤيده قراءة أبيّ { إلا أن يفحشن عليكم } وقيل : خروجها قبل انقضاء العدة فاحشة في نفسه . والمعنى إن خرجت فقد أتت بفاحشة مبينة وعلى هذا يكون الاستثناء من الجملة الثانية . قوله { لعل الله يحدث بعد ذلك أمراً } أي أحصوا العدة وألزموهن مساكنكم فلعلكم تندمون بقلب الله البغضة محبة والمقت مقة والطلاق رجعة . والخطاب في { لا تدري } للنبي صلى الله عليه وسلم على نسق أول السورة أو لكل مكلف .

/خ12