غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{وَٱلۡعَٰدِيَٰتِ ضَبۡحٗا} (1)

مقدمة السورة:

( سورة العاديات مدنية ، وقيل : مكية ، حروفه مائة وثلاثة وستون ، كلمها أربعون ، آياتها إحدى عشرة ) .

1

التفسير : إنه سبحانه ذكر في هذه السورة رداءة ما عليه جبلة الإنسان من قلة الشكر والصبر والحرص على المال بحيث يكاد يشغله عن تحصيل الكمال الحقيقي ، وعن المعاد الذي إليه مآل حال العباد ، فأقسم على ذلك بالأمور والتي هي مركوزة في خزانة خيالهم ، ولا تكاد تخلو في الأغلب عن الخطور ببالهم . وفي تفسيرها قولان مرويان : الأول أن العاديات هي الإبل . يروى عن ابن عباس أنه قال : بينا أنا جالس في الحجر إذ جاء رجل فسألني عن { العاديات ضبحاً } ففسرتها بالخيل ، فذهب إلى علي رضي الله عنه وهو بجنب سقاية زمزم فسأله ، وذكر له ما قلت ، فقال : ادعه لي ، فلما وقفت على رأسه قال : تفتي الناس بما لا علم لك به ، والله إن كانت لأول غزوة في الإسلام - يعني بدراً - وما كان معنا إلا فرسان : فرس للزبير وفرس للمقداد . { والعاديات ضبحاً } الإبل تعدو من عرفة إلى مزدلفة ومن المزدلفة إلى منى ، والضبح على هذا مستعار ؛ لأن أصل استعماله في الخيل ، وهو صوت أنفاسها إذا عدون ، وهذا الصوت غير الصهيل وغير الحمحمة ، وانتصابه على " يضبحن ضبحاً " أو بالعاديات ؛ لأن العدو لا يخلو عن الضبح ، أو على الحال .

وهكذا القول في { الموريات قدحاً } لأن الإبل قلما توري أخفافها . يقال : قدح فأورى وقدح فأصلد .

{ فالمغيرات } أي المسرعات ، يندفعون صبيحة يوم النحر مسرعين إلى منى .

{ فأثرن } من الإثارة ، أي هيجن ، وهو حكاية الماضي ، أو هو نحو { ونادى } [ الأعراف :48 ] { وسيق } [ الزمر :72 ] { به } أي بالعدو ، أو بذلك الوقت { نقعاً } غباراً .

{ فوسطن } أي توسطن { به } بذلك الوقت أو بالعدو ، أو متلبسة بالنقع . { جمعاً } وهو المزدلفة لاجتماع الحاج بها .

القول الثاني : عن مجاهد وقتادة والضحاك وأكثر المحققين أن العاديات الخيل ، ويروى ذلك مرفوعاً . قال الكلبي : بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم سرية إلى ناس من كنانة فمكثت ما شاء الله أن تمكث لا يأتيه منهم خبر ، فتخوف عليها فنزل جبرائيل بخبر مسيرها . وعلى هذا فاللام في { العاديات } للعهد . ويحتمل أن يكون للجنس ، ويدخل خيل السرية فيها دخولاً أولياً .

/خ11