مدارك التنزيل وحقائق التأويل للنسفي - النسفي  
{وَلَقَدۡ هَمَّتۡ بِهِۦۖ وَهَمَّ بِهَا لَوۡلَآ أَن رَّءَا بُرۡهَٰنَ رَبِّهِۦۚ كَذَٰلِكَ لِنَصۡرِفَ عَنۡهُ ٱلسُّوٓءَ وَٱلۡفَحۡشَآءَۚ إِنَّهُۥ مِنۡ عِبَادِنَا ٱلۡمُخۡلَصِينَ} (24)

{ وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ } هم عزم { وَهَمَّ بِهَا } هم الطباع مع الامتناع قاله الحسن . وقال الشيخ أبو منصور رحمه الله : وهم بها هم خطرة ولا صنع للعبد فيما يخطر بالقلب ولا مؤاخذة عليه ، ولو كان همه كهمها لما مدحه الله تعالى بأنه من عباده المخلصين . وقيل : همَّ بها وشارف أن يهم بها ، يقال : هم بالأمر إذا قصده وعزم عليه . وجواب { لَوْلا أَن رَّأَى بُرْهَانَ رَبّهِ } محذوف أي لكان ما كان . وقيل : { وهمّ بها } جوابه ولا يصح ، لأن جواب « لولا » لا يتقدم عليها لأنه في حكم الشرط وله صدر الكلام والبرهان الحجة . ويجوز أن يكون { وهم بها } داخلاً في حكم القسم في قوله { ولقد همت به } ويجوز أن يكون خارجاً . ومن حق القارىء إذا قدر خروجه من حكم القسم وجعله كلاماً برأسه أن يقف على { به } ويبتدىء بقوله { وهم بها } وفيه أيضاً إشعار بالفرق بين الهمين . وفسر همَّ يوسف بأنه حل تكة سراويله وقعد بين شعبها الأربع وهي مستلقية على قفاها ، وفسر البرهان بأنه سمع صوتاً إياك وإياها مرتين فسمع ثالثاً أعرض عنها فلم ينجع فيه حتى مثل له يعقوب عاضاً على أنملته ، وهو باطل ، ويدل على بطلانه قوله { هي روادتني عن نفسي } ولو كان ذلك منه أيضاً لما برأ نفسه من ذلك ، وقوله { كذلك لنصرف عنه السوء والفحشاء } ولو كان كذلك لم يكن السوء مصروفاً عنه وقوله { ذلك ليعلم أني لم أخنه بالغيب } ولو كان كذلك لخانه بالغيب ، وقوله { مَا عَلِمْنَا عَلَيْهِ مِن سُوء } { الآن حصص الحق أنا راودته عن نفسه وإنه لمن الصادقين } ولأنه لو وجد منه ذلك لذكرت توبته واستغفاره كما كان لآدم ونوح وذي النون وداود عليهم السلام ، وقد سماه الله مخلصاً فعلم بالقطع أنه ثبت في ذلك المقام وجاهد نفسه مجاهدة أولي العزم ناظراً في دلائل التحريم حتى استحق من الله الثناء . ومحل الكاف في { كذلك } نصب أي مثل ذلك التثبيت ثبتناه ، أو رفع أي الأمر مثل ذلك { لِنَصْرِفَ عَنْهُ السوء } خيانة السيد

{ والفحشاء } الزنا { إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا المخلصين } بفتح اللام حيث كان : مدني وكوفي أي الذين أخلصهم الله لطاعته ، وبكسرها غيرهم أي الذين أخلصوا دينهم لله . ومعنى { من عبادنا } بعض عبادنا أي هومخلص من جملة المخلصين .