الدر المنثور في التفسير بالمأثور للسيوطي - السيوطي  
{وَلَقَدۡ هَمَّتۡ بِهِۦۖ وَهَمَّ بِهَا لَوۡلَآ أَن رَّءَا بُرۡهَٰنَ رَبِّهِۦۚ كَذَٰلِكَ لِنَصۡرِفَ عَنۡهُ ٱلسُّوٓءَ وَٱلۡفَحۡشَآءَۚ إِنَّهُۥ مِنۡ عِبَادِنَا ٱلۡمُخۡلَصِينَ} (24)

أخرج عبد الرزاق والفريابي وسعيد بن منصور وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ والحاكم وصححه ، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : لما همت به ، تزينت ثم استلقت على فراشها ، وهم بها وجلس بين رجليها يحل تبانه ، نودي من السماء : يا بن يعقوب ، لا تكن كطائر ينتف ريشه ، فبقي لا ريش له ، فلم يتعظ على النداء شيئاً حتى رأى برهان ربه جبريل عليه السلام في صورة يعقوب عاضاً على أصبعيه ، ففزع فخرجت شهوته من أنامله ، فوثب إلى الباب فوجده مغلقاً ، فرفع يوسف رجله فضرب بها الباب الأدنى فانفرج له ، واتبعته فأدركته ، فوضعت يديها في قميصه فشقته حتى بلغت عضلة ساقه ، فألفيا سيدها لدى الباب .

وأخرج ابن جرير وأبو الشيخ وأبو نعيم في الحلية عن ابن عباس رضي الله عنهما ، أنه سئل عن هم يوسف عليه السلام ، ما بلغ ؟ قال : حل الهميان - يعني السراويل - وجلس منها مجلس الخاتن ، فصيح به يا يوسف ، لا تكن كالطير له ريش ، فإذا زنى قعد ليس له ريش .

وأخرج أبو نعيم في الحلية عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه في قوله { ولقد همت به وهم بها } قال : طمعت فيه وطمع فيها ، وكان من الطمع أن هم بحل التكة ، فقامت إلى صنم مكلل بالدر والياقوت في ناحية البيت ، فسترته بثوب أبيض بينها وبينه ، فقال : أي شيء تصنعي ؟ ! فقالت : استحي من آلهي أن يراني على هذه الصورة . فقال يوسف عليه السلام : تستحين من صنم لا يأكل ولا يشرب ، ولا استحي أنا من إلهي الذي هو قائم على كل نفس بما كسبت ؟ ! . . . ثم قال : لا تنالينها مني أبداً . وهو البرهان الذي رأى .

وأخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد رضي الله عنه في قوله { وهم بها } قال : حل سراويله حتى بلغ ثنته ، وجلس منها مجلس الرجل من امرأته ، فمثل له يعقوب عليه السلام ، فضرب بيده على صدره فخرجت شهوته من أنامله .

وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ والحاكم وصححه عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله { لولا أن رأى برهان ربه } قال : رأى صورة أبيه يعقوب في وسط البيت عاضاً على إبهامه ، فأدبر هارباً وقال : وحقك يا أبت لا أعود أبداً .

وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن عكرمة وسعيد بن جبير في قوله { لولا أن رأى برهان ربه } قال : حل السراويل وجلس منها مجلس الخاتن ، فرأى صورة فيها وجه يعقوب عاضاً على أصابعه ، فدفع صدره فخرجت الشهوة من أنامله ، فكل ولد يعقوب قد ولد له اثنا عشر ولداً ، إلا يوسف عليه السلام فإنه نقص بتلك الشهوة ولداً ولم يولد له غير أحد عشر ولداً .

وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن مجاهد رضي الله عنه في قوله { لولا أن رأى برهان ربه } قال : تمثل له يعقوب عليه السلام فضرب في صدر يوسف عليه السلام ، فطارت شهوته من أطراف أنامله ، فولد لكل ولد يعقوب اثنا عشر ذكراً ، غير يوسف لم يولد له إلا غلامان .

وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن الحسن رضي الله عنه في قوله { لولا أن رأى برهان ربه } قال : رأى يعقوب عاضاً على أصابعه يقول : يوسف يوسف .

وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة رضي الله عنه في الآية قال : رأى آية من آيات ربه ، حجزه الله بها عن معصيته . ذكر لنا أنه مثل له يعقوب عاضاً على أصبعيه وهو يقول له : يا يوسف ، أتهم بعمل السفهاء وأنت مكتوب في الأنبياء ؟ فذلك البرهان ، فانتزع الله كل شهوة كانت في مفاصله .

وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن محمد بن سيرين رضي الله عنه في قوله { لولا أن رأى برهان ربه } قال : مثل له يعقوب عليه السلام عاضاً على أصبعيه يقول : يوسف بن يعقوب بن إسحق بن إبراهيم خليل الرحمن ، اسمك في الأنبياء وتعمل عمل السفهاء ؟ ! . . .

وأخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن المنذر عن مجاهد رضي الله عنه قال : رأى صورة يعقوب عليه السلام في الجدار .

وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وأبو الشيخ عن الحسن رضي الله عنه قال : زعموا أن سقف البيت انفرج ، فرأى يعقوب عاضاً على أصبعيه .

وأخرج عبد الله بن أحمد في زوائد الزهد ، عن الحسن رضي الله عنه في قوله { ولقد همت به وهم بها لولا أن رأى برهان ربه } قال : إنه لما هم قيل له : يوسف ، ارفع رأسك . فرفع رأسه فإذا هو بصورة في سقف البيت تقول : يا يوسف ، أنت مكتوب في الأنبياء ، فعصمه الله عز وجل .

وأخرج أبو عبيد وابن جرير وابن المنذر عن أبي صالح رضي الله عنه قال : رأى صورة يعقوب في سقف البيت تقول : يوسف ، يوسف .

وأخرج ابن جرير من طريق الزهري ، أن حميد بن عبد الرحمن أخبره أن البرهان الذي رأى يوسف عليه السلام ، هو يعقوب .

وأخرج ابن جرير عن القاسم بن أبي بزة قال : نودي : يا ابن يعقوب ، لا تكونن كالطير له ريش ، فإذا زنى قعد ليس له ريش . فلم يعرض للنداء ، وقعد فرفع رأسه فرأى وجه يعقوب عاضاً على أصبعه ، فقام مرعوباً استحياء من أبيه .

وأخرج ابن جرير عن علي بن بديمة قال : كان يولد لكل رجل منهم اثنا عشر ، اثنا عشر ، إلا يوسف عليه السلام ولد له أحد عشر ، من أجل ما خرج من شهوته .

وأخرج ابن جرير عن شمر بن عطية قال : نظر يوسف إلى صورة يعقوب عاضاً على أصبعه يقول : يا يوسف ، فذاك حيث كف وقام .

وأخرج ابن جرير عن الضحاك رضي الله عنه قال : يزعمون أنه مثل له يعقوب عليه السلام ، فاستحيا منه .

وأخرج ابن أبي حاتم عن الأوزاعي قال : كان ابن عباس . رضي الله عنهما يقول : في قوله { لولا أن رأى برهان ربه } قال : رأى آية من كتاب الله فنهته ، مثلت له في جدار الحائط .

وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن محمد بن كعب القرظي رضي الله عنه قال : البرهان الذي رأى يوسف عليه السلام ، ثلاث آيات من كتاب الله { وإن عليكم لحافظين . كراماً كاتبين . يعلمون ما تفعلون } [ الانفطار ، 10-11-12 ] وقول الله { وما تكون في شأن وما تتلو منه من قرآن ولا تعملون من عمل إلا كنا عليكم شهوداً . إذ تفيضون فيه . . . } [ يونس : 61-62 ] وقول الله { أفمن هو قائم على كل نفس بما كسبت . . . } [ الرعد : 33 ] .

وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وأبو الشيخ ، عن محمد بن كعب قال : رأى في البيت في ناحية الحائط مكتوباً { ولا تقربوا الزنا إنه كان فاحشة وساء سبيلاً } [ الإسراء : 32 ] .

وأخرج ابن المنذر وأبو الشيخ عن وهب بن منبه رضي الله عنه قال : لما خلا يوسف وامرأة العزيز ، خرجت كف بلا جسد بينهما ، مكتوب عليه بالعبرانية { أفمن هو قائم على كل نفس بما كسبت . . . . } [ الرعد : 33 ] ثم انصرفت الكف وقاما مقامهما ، ثم رجعت الكف بينهما ، مكتوب عليها بالعبرانية { إن عليكم لحافظين . كراماً كاتبين . يعلمون ما تفعلون } [ الانفطار : 10-11-12 ] ثم انصرفت الكف وقاما مقامهما ، فعادت الكف الثالثة ، مكتوب عليها { ولا تقربوا الزنا إنه كان فاحشة وساء سبيلا } [ الإسراء : 32 ] وانصرفت الكف وقاما مقامهما ، فعادت الكف الرابعة ، مكتوب عليها بالعبرانية { واتقوا يوماً ترجعون فيه إلى الله ثم توفى كل نفس ما كسبت وهم لا يظلمون } [ البقرة : 281 ] فولى يوسف عليه السلام هارباً .

وأخرج ابن جرير عن ابن عباس رضي الله عنه في قوله { لولا أن رأى برهان ربه } قال : آيات ربه ، رأى تمثال الملك .

وأخرج أبو الشيخ وأبو نعيم في الحلية عن جعفر بن محمد رضي الله عنه قال : لما دخل يوسف عليه السلام معها البيت ، وفي البيت صنم من ذهب قالت : كما أنت ، حتى أغطي الصنم ، فإني أستحي منه . فقال يوسف عليه السلام : هذه تستحي من الصنم ، أنا أحق أن أستحي من الله . فكف عنها وتركها .

وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ ، عن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر رضي الله عنه في قوله { كذلك لنصرف عنه السوء والفحشاء } قال : الزنا والثناء القبيح .

وأخرج أبو الشيخ عن الضحاك رضي الله عنه { إنه من عبادنا المخلصين } قال : الذين لا يعبدون مع الله شيئاً .