الهداية إلى بلوغ النهاية لمكي بن ابي طالب - مكي ابن أبي طالب  
{وَلَقَدۡ هَمَّتۡ بِهِۦۖ وَهَمَّ بِهَا لَوۡلَآ أَن رَّءَا بُرۡهَٰنَ رَبِّهِۦۚ كَذَٰلِكَ لِنَصۡرِفَ عَنۡهُ ٱلسُّوٓءَ وَٱلۡفَحۡشَآءَۚ إِنَّهُۥ مِنۡ عِبَادِنَا ٱلۡمُخۡلَصِينَ} (24)

ثم قال تعالى : { ولقد همت به وهم بها }[ 24 ] . قيل : في الكلام تقديم وتأخير . والتقدير {[34028]} : ولقد همت به وهم بها كذلك لولا أن رأى برهان ربه ، لنصرف عنه السوء ) .

وقيل : ( كذلك ) في موضعها لا تأخير فيها . ذكر أنها جعلت تذكر له محاسن نفسه ، وتشوقه إلى نفسها {[34029]} .

قال السدي {[34030]} : قالت له : يا يوسف ! ما أحسن شعرك قال : هو أول ما يتناثر من جسدي . قالت له : يا يوسف ! ما أحسن {[34031]} عينيك ، قال : هي أول ما يسيل إلى الأرض من جسدي . قال : فلم تزل به حتى أطمعته ( فهمت به ، وهم بها ) فدخلا البيت وغلقت {[34032]} الأبواب ، وذهب ليحل سراويله ، فإذا هو بصورة يعقوب {[34033]} ، ( قائما في البيت ) {[34034]} قد عض على إصبعه يقول : يا يوسف تواقعها ، فإنما مثلك {[34035]} ما لم تواقعها مثل الطير في جو السماء لا يطاق . ومثلك إذا واقعتها {[34036]} مثله إذا مات وقع في الأرض ، لا يستطيع أن يدفع عنه نفسه . ومثلك إذا {[34037]} لم تواقعها مثل الثور/ الصعب . لا يعمل عليه . ومثلك إذا واقعتها {[34038]} مثل الثور حين يموت ، فيدخل {[34039]} النمل {[34040]} في أصول قرونه ، لا يستطيع أن يدفع عن نفسه . فربط سراويل( ه ) {[34041]} وذهب {[34042]} ، ليخرج يشتد ، فأدركته ، فأخذت بمؤخر {[34043]} قميصه من خلفه ، فخرقته حتى أخرجته منه ، وسقط ، وطرحه يوسف {[34044]} ، واشتد نحو الباب {[34045]} .

والهم الشيء في كلام العرب : حديث النفس { به } {[34046]} ، ما لم يفعله {[34047]} .

ويروى أن يوسف ، عليه السلام {[34048]} ، لما خلا بها قامت لتستر {[34049]} ما بينهما ، وبين الصنم ، فقال لها يوسف : ما تفعلين ؟ فقالت : أستر ما بيننا وبين هذا الصنم ، لا يراني خالية معك {[34050]} . فقال لها يوسف {[34051]} : وأي شيء يسترني {[34052]} من ربي {[34053]} .

وقال الحسن : زعموا – والله أعلم – أن سقف البيت انفرج {[34054]} ، فرأى يوسف يعقوب {[34055]} عاضا على إصبعه ، فولى هاربا {[34056]} .

وقيل : رآه جبريل {[34057]} ، عليهما السلام {[34058]} ، قائلا له : يا يوسف ! جعل الرحمان اسمك في الأنبياء ، وتعمل عمل السفهاء . لئن واقعت الخطيئة ، ليمحونك {[34059]} من ديوان النبؤة {[34060]} .

( و {[34061]} ) قال ابن أبي مليكة {[34062]} عن ابن عباس : نودي أيا يوسف {[34063]} ! أتزني ؟ فتكون مثل الطير الذي نتف ريشه ، وذهب بطير فلم يستطع {[34064]} .

وقيل : ركضه {[34065]} جبريل صلى الله عليه وسلم {[34066]} ، بعد النداء ركضة {[34067]} في ظهره ، فلم تبق {[34068]} فيه شهوة إلا خرجت . فوثب واستبقا الباب ، وتطاير( ت ) {[34069]} مسامير الباب ، فلم تقدر أن تعلقه عليه . فتعلقت به ، فقدت قميصه من دبر {[34070]} .

وقال علي بن أبي طالب ( رضي الله عنه ) {[34071]} : ثم يوسف أن يحل التك( ة ) {[34072]} ، فقامت إلى صنم مكلل بالدرر ، والياقوت ، فسترته بثوب أبيض ، فقال لها يوسف : أي شيء تصنعين {[34073]} ؟ قالت : أستحي {[34074]} ، من إلاهي {[34075]} هذا أن يراني على هذه الصورة {[34076]} . فقال {[34077]} : أتستحين من صنم لا يعقل ، ولا يسمع ، ولا يأكل ، ولا يشرب ، ولا أستحي من إلاهي القائم على كل نفس بما كسبت ، والله لا تنالها مني أبدا . وقيل : رأى في جدار البيت مكتوبا : { ولا تقربوا الزنا } الآية {[34078]} .

وقال وهب : رأى كفا فيها {[34079]} مكتوب : { أفمن هو قائم على كل نفس بما كسبت } {[34080]} ، ورأى ( بعدها كفا ) {[34081]} فيها {[34082]} مكتوب { إن عليكم لحافظين } إلى قوله { تفعلون } {[34083]} ، ثم رأى كفا ثالثة فيها {[34084]} مكتوب { ولا تقربوا الزنا } الآية- {[34085]} ، ثم رأى رابعة فيها مكتوب { واتقوا يوما ترجعون فيه إلى الله {[34086]} } الآية {[34087]} . فولى يوسف {[34088]} هاربا {[34089]} .

وقال محمد بن كعب : رأى مكتوبا بين عينيها { ولا تقربوا الزنا } الآية {[34090]} .

قال ابن عباس {[34091]} : هم يوسف بها ، حتى حل الهميان {[34092]} ، وجلس منها مجلس الخاتن {[34093]} والروايات {[34094]} فيها كثيرة ، لأنه قد حل وجلس ، واستلقت {[34095]} هي له {[34096]} .

وقال أهل العلم : إنما ابتلى الله أنبياءه بالخطايا ، ليكونوا {[34097]} على وجل {[34098]} وإشفاق ، ولا يتكلوا {[34099]} على سعة عفو الله عز وجل {[34100]} {[34101]} .

وقيل : بل ابتلاهم بذلك ، ليعرفهم {[34102]} موضع نعمته عليهم/ ، بصفحة {[34103]} عن ذنوبهم {[34104]} .

وقال أبو عبيدة : المعنى : { ولقد همت به } : تم الكلام . { وهم بها لولا أن رأى برهان ربه } : أي : ( لولا أن رأى برهان ربه ، هم بها ) : على التقديم والتأخير ، ينفي عن يوسف {[34105]} أن يكون هم بالخطيئة {[34106]} .

وقد خالفه في ذلك جميع أهل التفسير ، ولا يجوز هذا أيضا عند أهل العربية ، لأنه لو كان كما قال ، لكان باللام . لا يجوز عندهم : ( ضربتك لولا زيد ) {[34107]} .

والمعنى عندهم : { لولا أن رأى برهان ربه } ، لأمضى ما هم به {[34108]} .

وقد قيل : إن الهم بها : هو ما يخطر على القلب من حيل الشيطان ، وذلك مما لا يؤاخذنا {[34109]} الله به {[34110]} .

وقيل : معنى { وهم بها } : أي : بضربها {[34111]} ، ودفعها ، ولم {[34112]} يفعل [ ذلك ] {[34113]} لئلا يكون [ ذلك ] {[34114]} لها حجة {[34115]} عليه . ألقى الله في نفسه ذلك فلم يفعله {[34116]} .

وقيل : إنه نودي {[34117]} ، يا يوسف ! تزني ، وأنت مكتوب في الأنبياء ، تعمل عمل السفهاء {[34118]} .

وقال الحسن : رأى صورة فيها وجه يعقوب ، {[34119]} عاضا على أنامله ، فدفع في صدره ، فخرجت شهوته من أنامله . فكل ولد يعقوب {[34120]} ولد له ، إثنا عشر ولدا ، إلا يوسف فإنه ولد له عشر ولدا ، نقص {[34121]} له بتلك الشهوة ولدا {[34122]} .

وروي أنه نظر إلى يعقوب {[34123]} عاضا على أنامله ، يقول له {[34124]} : يا يوسف أترني كما زنت {[34125]} الحمامة ، فتساقط ريشها . وكان ذلك جبريل ، عليه السلام {[34126]} .

وقيل : إنه سمع من قومه قائلا ، يقول { ولا تقربوا الزنا إنه كان فاحشة وساء سبيلا } {[34127]} .

وروي {[34128]} أنه كان لامرأة العزيز صنما تعبده في بيتها ، فلما أرادته {[34129]} أرخت على صنمها الستر لئلا يراها . فقال لها يوسف {[34130]} : أنت تستحيين {[34131]} من صنم ، لا يسمع ، [ ولا يعقل ] {[34132]} ، ولا يبصر ، وأنا لا أستحي {[34133]} من رب العالمين ، الذي لا يحجبني عنه شيء . فولى هاربا {[34134]} .

وقيل : البرهان {[34135]} أنه تفكر فيما أوعد {[34136]} الله عز وجل ، على الزنا {[34137]} .

وقيل {[34138]} : إنه تذكر في قول الله عز وجل : { وإن عليكم لحافظين {[34139]} } ، وفي قوله {[34140]} : { وما تكون في شأن } {[34141]} ، وفي قوله : { أفمن هو قائم على كل نفس كسبت } {[34142]} وفي قوله : { ولا تقربوا الزنا } .

وروي عن ابن عباس أنه رأى تمثال الملك .


[34028]:ق: والقديم.
[34029]:انظر: هذا التوجيه بتمامه في: جامع البيان 16/33.
[34030]:ط: مطموس.
[34031]:ق: أحسنت.
[34032]:في النسختين معا: وعلقت، وهو خطأ.
[34033]:ط: صم.
[34034]:ساقط من ط.
[34035]:في النسختين معا: بمثلك. والتصويب من الطبري.
[34036]:ق: وقعتها.
[34037]:ق: ما.
[34038]:ق: وقعتها.
[34039]:ق: فيأخذ.
[34040]:في النسختين معا: الحبل، والتصويب من الطبري.
[34041]:ساقط من ق.
[34042]:ق: ويذهب.
[34043]:ق: بمواخر.
[34044]:ط: صم.
[34045]:انظر هذا الخبر في: جامع البيان 16/33، وهو من الإسرائيليات الشنيعة.
[34046]:ساقط من ق.
[34047]:انظر هذا التوجيه في: جامع البيان 16/34. واللسان: همم.
[34048]:ط: صم.
[34049]:ق: تستر.
[34050]:ق: منك.
[34051]:ط: صم.
[34052]:ط: فبأي شيء تسترني.
[34053]:انظر: هذا الخبر في المحرر 9/180. وهو من الإسرائيليات.
[34054]:ق: اتفرق. ط: انفرق. والتصويب من الطبري.
[34055]:ط: صم.
[34056]:انظر هذا القول في: جامع البيان 16/42-43.
[34057]:ق: وجبريل.
[34058]:ط: صم.
[34059]:ق: لامحونك.
[34060]:هذا الخبر رواه الطبري ملخصا في جامع البيان 16/41: عن قتادة، ولم ينسبه الزجاج في معانيه 3/101، وهو من الإسرائيليات.
[34061]:ساقط من ق.
[34062]:هو عبد الله بن عبيد الله: إمام، قاض، وعالم بالحديث، روى عن أم سلمة، وحدث عنه جماعة (ت 117 هـ) انظر: التهذيب 5/306.
[34063]:ق: يا يوسف.
[34064]:انظر هذا الخبر في: جامع البيان 16/39، والمحرر 9/279.
[34065]:ق: ركظه.
[34066]:ط: صم.
[34067]:ق: ركظه.
[34068]:ق: تبقى.
[34069]:ساقط من ق.
[34070]:انظر هذا الخبر في: المحرر 9/280، وقد ضعفه. وهو من الإسرائيليات الشنيعة.
[34071]:ساقط من ط.
[34072]:ساقط من ق.
[34073]:ق: تصنعي.
[34074]:ق: تستحيي.
[34075]:ق: ولله.
[34076]:ق: السورة. ط: السؤة.
[34077]:ق: الله.
[34078]:الإسراء: 32 وهو قول محمد بن كعب القرظبي في جامع البيان 16/37.
[34079]:ق: فيه.
[34080]:الرعد: 34.
[34081]:ساقط من ط.
[34082]:ق: فيه.
[34083]:ق: يفعلون. وتمام الآية {وإن عليكم لحافظين كراما كاتبين يعلمون ما تفعلون}: الأنفطار 10-13.
[34084]:ط: مطموس.
[34085]:الإسراء: 32.
[34086]:في النسختين معا: يوم.
[34087]:البقرة: 280.
[34088]:ق: فلولا هاربا.
[34089]:هذا الخبر رواه الطبري في جامع البيان 16/48، عن محمد بن كعب القرظبي بلفظ آخر، وقد وقف فيه عند الكف الثالثة.
[34090]:انظر: معاني الزجاج 3/101.
[34091]:ق: ابن عامر.
[34092]:ق: الهيمان جلس.
[34093]:ق: الخايق انظر هذا القول في: جامع البيان 16/35.
[34094]:ق: والرواية.
[34095]:ط: وتقلت.
[34096]:أورد الطبري عدة أخبار في هذا المعنى، عن ابن عباس، وابن أبي مليكة، ومجاهد، والقاسم بن أبي بزة، وسعيد، وعكرمة، انظر: جامع البيان 16/35-37 وجمهور العلماء على أن العصمة للأنبياء، فهم معصومون من الوقوع في مثل هذه الأوصاف الشنيعة، التي ذكرها المؤلف، كما ذرها الطبري، والواحدي، والثعلبي، والقرطبي، وسواهم. وفي هذا المقام يقول ابن الجوزي في زاد المسير 4/205: (لا يصح لأن الأنبياء معصومون من العزم على الزنا).
[34097]:ق: ليكونا.
[34098]:ق: وجد.
[34099]:ق: يتكلمون.
[34100]:ساقط من ق.
[34101]:انظر: هذا التوجيه بتمامه في: جامع البيان 16/38.
[34102]:ق: ليفهم.
[34103]:ق: بصفحه عليهم. ط: بصفحة، والصواب ما أثبت.
[34104]:انظر هذا القول في: جامع البيان 16/38.
[34105]:ط: صم.
[34106]:انظر: قول أبي عبيدة في: معاني الزجاج 3/101 وفيما رواه عنه أبو حاتم في: القطع 400، وليس له ذكر في مجاز القرآن
[34107]:وهو قول النحاس في القطع 400-401.
[34108]:انظر هذا المعنى في: معاني الزجاج 3/101.
[34109]:ق: لا يؤخذنا.
[34110]:انظر هذا التوجيه في: جامع البيان 16/39.
[34111]:ق: ضربها.
[34112]:ق: فلم.
[34113]:ساقط من ق.
[34114]:ط: يكون ذلك.
[34115]:ق: لئلا يكون لها. وذلك حجة عليهم.
[34116]:انظر هذا المعنى في: جامع البيان 16/38.
[34117]:ق: نادى.
[34118]:هو قول قتادة في جامع البيان 16/41.
[34119]:ط: صم.
[34120]:ط: صم.
[34121]:كرر مرتين.
[34122]:انظر هذا الخبر في: جامع البيان 16/43، وهو من الإسرائيليات الشنيعة.
[34123]:ط: صم.
[34124]:ساقط من ق.
[34125]:ق: زانت.
[34126]:ط: صم.
[34127]:الإسراء: 32.
[34128]:ط: وقيل أنه.
[34129]:ق: أدرادته.
[34130]:ط: صم.
[34131]:ق: تستحيي.
[34132]:ساقط من ط.
[34133]:ق: أيتحيي.
[34134]:انظر هذا الخبر في: المحرر 9/280، وهو من الإسرائيليات الشنيعة.
[34135]:ساقط من ق.
[34136]:ط: وعد الله.
[34137]:انظر هذا القول في: جامع البيان 16/47.
[34138]:ط: قيل.
[34139]:الانقطار: 10.
[34140]:ساقط من ق.
[34141]:يونس: 61.
[34142]:الإسراء: 34.