ثم قال تعالى : { ولقد همت به وهم بها }[ 24 ] . قيل : في الكلام تقديم وتأخير . والتقدير {[34028]} : ولقد همت به وهم بها كذلك لولا أن رأى برهان ربه ، لنصرف عنه السوء ) .
وقيل : ( كذلك ) في موضعها لا تأخير فيها . ذكر أنها جعلت تذكر له محاسن نفسه ، وتشوقه إلى نفسها {[34029]} .
قال السدي {[34030]} : قالت له : يا يوسف ! ما أحسن شعرك قال : هو أول ما يتناثر من جسدي . قالت له : يا يوسف ! ما أحسن {[34031]} عينيك ، قال : هي أول ما يسيل إلى الأرض من جسدي . قال : فلم تزل به حتى أطمعته ( فهمت به ، وهم بها ) فدخلا البيت وغلقت {[34032]} الأبواب ، وذهب ليحل سراويله ، فإذا هو بصورة يعقوب {[34033]} ، ( قائما في البيت ) {[34034]} قد عض على إصبعه يقول : يا يوسف تواقعها ، فإنما مثلك {[34035]} ما لم تواقعها مثل الطير في جو السماء لا يطاق . ومثلك إذا واقعتها {[34036]} مثله إذا مات وقع في الأرض ، لا يستطيع أن يدفع عنه نفسه . ومثلك إذا {[34037]} لم تواقعها مثل الثور/ الصعب . لا يعمل عليه . ومثلك إذا واقعتها {[34038]} مثل الثور حين يموت ، فيدخل {[34039]} النمل {[34040]} في أصول قرونه ، لا يستطيع أن يدفع عن نفسه . فربط سراويل( ه ) {[34041]} وذهب {[34042]} ، ليخرج يشتد ، فأدركته ، فأخذت بمؤخر {[34043]} قميصه من خلفه ، فخرقته حتى أخرجته منه ، وسقط ، وطرحه يوسف {[34044]} ، واشتد نحو الباب {[34045]} .
والهم الشيء في كلام العرب : حديث النفس { به } {[34046]} ، ما لم يفعله {[34047]} .
ويروى أن يوسف ، عليه السلام {[34048]} ، لما خلا بها قامت لتستر {[34049]} ما بينهما ، وبين الصنم ، فقال لها يوسف : ما تفعلين ؟ فقالت : أستر ما بيننا وبين هذا الصنم ، لا يراني خالية معك {[34050]} . فقال لها يوسف {[34051]} : وأي شيء يسترني {[34052]} من ربي {[34053]} .
وقال الحسن : زعموا – والله أعلم – أن سقف البيت انفرج {[34054]} ، فرأى يوسف يعقوب {[34055]} عاضا على إصبعه ، فولى هاربا {[34056]} .
وقيل : رآه جبريل {[34057]} ، عليهما السلام {[34058]} ، قائلا له : يا يوسف ! جعل الرحمان اسمك في الأنبياء ، وتعمل عمل السفهاء . لئن واقعت الخطيئة ، ليمحونك {[34059]} من ديوان النبؤة {[34060]} .
( و {[34061]} ) قال ابن أبي مليكة {[34062]} عن ابن عباس : نودي أيا يوسف {[34063]} ! أتزني ؟ فتكون مثل الطير الذي نتف ريشه ، وذهب بطير فلم يستطع {[34064]} .
وقيل : ركضه {[34065]} جبريل صلى الله عليه وسلم {[34066]} ، بعد النداء ركضة {[34067]} في ظهره ، فلم تبق {[34068]} فيه شهوة إلا خرجت . فوثب واستبقا الباب ، وتطاير( ت ) {[34069]} مسامير الباب ، فلم تقدر أن تعلقه عليه . فتعلقت به ، فقدت قميصه من دبر {[34070]} .
وقال علي بن أبي طالب ( رضي الله عنه ) {[34071]} : ثم يوسف أن يحل التك( ة ) {[34072]} ، فقامت إلى صنم مكلل بالدرر ، والياقوت ، فسترته بثوب أبيض ، فقال لها يوسف : أي شيء تصنعين {[34073]} ؟ قالت : أستحي {[34074]} ، من إلاهي {[34075]} هذا أن يراني على هذه الصورة {[34076]} . فقال {[34077]} : أتستحين من صنم لا يعقل ، ولا يسمع ، ولا يأكل ، ولا يشرب ، ولا أستحي من إلاهي القائم على كل نفس بما كسبت ، والله لا تنالها مني أبدا . وقيل : رأى في جدار البيت مكتوبا : { ولا تقربوا الزنا } الآية {[34078]} .
وقال وهب : رأى كفا فيها {[34079]} مكتوب : { أفمن هو قائم على كل نفس بما كسبت } {[34080]} ، ورأى ( بعدها كفا ) {[34081]} فيها {[34082]} مكتوب { إن عليكم لحافظين } إلى قوله { تفعلون } {[34083]} ، ثم رأى كفا ثالثة فيها {[34084]} مكتوب { ولا تقربوا الزنا } الآية- {[34085]} ، ثم رأى رابعة فيها مكتوب { واتقوا يوما ترجعون فيه إلى الله {[34086]} } الآية {[34087]} . فولى يوسف {[34088]} هاربا {[34089]} .
وقال محمد بن كعب : رأى مكتوبا بين عينيها { ولا تقربوا الزنا } الآية {[34090]} .
قال ابن عباس {[34091]} : هم يوسف بها ، حتى حل الهميان {[34092]} ، وجلس منها مجلس الخاتن {[34093]} والروايات {[34094]} فيها كثيرة ، لأنه قد حل وجلس ، واستلقت {[34095]} هي له {[34096]} .
وقال أهل العلم : إنما ابتلى الله أنبياءه بالخطايا ، ليكونوا {[34097]} على وجل {[34098]} وإشفاق ، ولا يتكلوا {[34099]} على سعة عفو الله عز وجل {[34100]} {[34101]} .
وقيل : بل ابتلاهم بذلك ، ليعرفهم {[34102]} موضع نعمته عليهم/ ، بصفحة {[34103]} عن ذنوبهم {[34104]} .
وقال أبو عبيدة : المعنى : { ولقد همت به } : تم الكلام . { وهم بها لولا أن رأى برهان ربه } : أي : ( لولا أن رأى برهان ربه ، هم بها ) : على التقديم والتأخير ، ينفي عن يوسف {[34105]} أن يكون هم بالخطيئة {[34106]} .
وقد خالفه في ذلك جميع أهل التفسير ، ولا يجوز هذا أيضا عند أهل العربية ، لأنه لو كان كما قال ، لكان باللام . لا يجوز عندهم : ( ضربتك لولا زيد ) {[34107]} .
والمعنى عندهم : { لولا أن رأى برهان ربه } ، لأمضى ما هم به {[34108]} .
وقد قيل : إن الهم بها : هو ما يخطر على القلب من حيل الشيطان ، وذلك مما لا يؤاخذنا {[34109]} الله به {[34110]} .
وقيل : معنى { وهم بها } : أي : بضربها {[34111]} ، ودفعها ، ولم {[34112]} يفعل [ ذلك ] {[34113]} لئلا يكون [ ذلك ] {[34114]} لها حجة {[34115]} عليه . ألقى الله في نفسه ذلك فلم يفعله {[34116]} .
وقيل : إنه نودي {[34117]} ، يا يوسف ! تزني ، وأنت مكتوب في الأنبياء ، تعمل عمل السفهاء {[34118]} .
وقال الحسن : رأى صورة فيها وجه يعقوب ، {[34119]} عاضا على أنامله ، فدفع في صدره ، فخرجت شهوته من أنامله . فكل ولد يعقوب {[34120]} ولد له ، إثنا عشر ولدا ، إلا يوسف فإنه ولد له عشر ولدا ، نقص {[34121]} له بتلك الشهوة ولدا {[34122]} .
وروي أنه نظر إلى يعقوب {[34123]} عاضا على أنامله ، يقول له {[34124]} : يا يوسف أترني كما زنت {[34125]} الحمامة ، فتساقط ريشها . وكان ذلك جبريل ، عليه السلام {[34126]} .
وقيل : إنه سمع من قومه قائلا ، يقول { ولا تقربوا الزنا إنه كان فاحشة وساء سبيلا } {[34127]} .
وروي {[34128]} أنه كان لامرأة العزيز صنما تعبده في بيتها ، فلما أرادته {[34129]} أرخت على صنمها الستر لئلا يراها . فقال لها يوسف {[34130]} : أنت تستحيين {[34131]} من صنم ، لا يسمع ، [ ولا يعقل ] {[34132]} ، ولا يبصر ، وأنا لا أستحي {[34133]} من رب العالمين ، الذي لا يحجبني عنه شيء . فولى هاربا {[34134]} .
وقيل : البرهان {[34135]} أنه تفكر فيما أوعد {[34136]} الله عز وجل ، على الزنا {[34137]} .
وقيل {[34138]} : إنه تذكر في قول الله عز وجل : { وإن عليكم لحافظين {[34139]} } ، وفي قوله {[34140]} : { وما تكون في شأن } {[34141]} ، وفي قوله : { أفمن هو قائم على كل نفس كسبت } {[34142]} وفي قوله : { ولا تقربوا الزنا } .