بحر العلوم لعلي بن يحيى السمرقندي - السمرقندي  
{وَلَقَدۡ هَمَّتۡ بِهِۦۖ وَهَمَّ بِهَا لَوۡلَآ أَن رَّءَا بُرۡهَٰنَ رَبِّهِۦۚ كَذَٰلِكَ لِنَصۡرِفَ عَنۡهُ ٱلسُّوٓءَ وَٱلۡفَحۡشَآءَۚ إِنَّهُۥ مِنۡ عِبَادِنَا ٱلۡمُخۡلَصِينَ} (24)

قوله تعالى : { وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا } روى حماد بن سلمة ، عن الكلبي أنه قال : كان من همها أنها دعته إلى نفسها واضجعت وهَمَّ بها بالموعظة والتخويف من الله تعالى ، وقيل إنه حلَّ سراويله ، وجلس بين رجليها { لَوْلا أَن رَّأَى بُرْهَانَ رَبّهِ } يقول : مثل له يعقوب في الحائط عاضاً على شفتيه ، فاستحيى ، فتنحى بنفسه ، وقال وهب بن منبه : لم تزل تخدعه حتى همَّ بها ، ودخل معها في فراشها ، فنودي من السماء . مهلاً يا يوسفُ فإنك لو وقعت في الخطيئة محي اسمك عن ديوان النبوة . وروى ابن أبي مليكة عن ابن عباس أنه سئل عن قوله { لَقَدِ *** هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا } ما بلغ من همه ؟ قال : أطلق هميانه فنودي يا يوسف لا تكن كالطائر له ريش فزنى ، فسقط ريشه . ويقال : كان همها هم إرادة وشهوة ، وهمه همّ اضطرار وغلبة . وقال بعضهم : كان همه حديث النفس والفكر ، وحديث النفس والفكر مرفوعان . وقال بعضهم : { هُمْ * بِهَا } يعني : يضربها . وقال بعضهم : يعني : هم بالفرار عنها . وقال بعضهم : { وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ } تم الكلام ، ثم { وَهَمَّ بِهَا لَوْلا أَن رَّأَى بُرْهَانَ رَبّهِ } يعني : لما رأى البرهان لم يهم بها ، فقد قيل هذه الأقاويل ، والله أعلم . وقد روي في الخبر أنه ليس من نبي إلا وقد أخطأ أو همَّ بخطيئة غير يحيى بن زكريا ، ولكنهم كانوا معصومين من الفواحش .

قوله تعالى : { لَوْلا أَن رَّأَى بُرْهَانَ رَبّهِ } روى سعيد بن جبير عن ابن عباس أنه قال : مثل له يعقوب ، فضرب بيده على صدره ، فخرجت شهوته من أنامله .

وقال محمد بن كعب { لَوْلا أَن رَّأَى بُرْهَانَ رَبّهِ } قال : لولا أن قرأ القرآن من تحريم الزنى ، وذلك أنه استقبل بكتاب لله تعالى { وَلاَ تَقْرَبُواْ الزنى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً ومقتا وَسَآءَ سَبِيلاً } [ الإسراء : 32 ] .

قال الله تعالى { كذلك لِنَصْرِفَ عَنْهُ السوء والفحشاء } يقول : هكذا صرفت السوء والفحشاء عن يوسف بالبرهان ، حين استعاذ إليّ بقوله : معاذ الله .

ثم قال : { إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا المخلصين } بالتوحيد والطاعة . قرأ ابن كثير وأبو عمرو وابن عامر { المخلصين } بكسر اللام ، ومعناه ما ذكرناه . وقرأ الباقون { المخلصين } بالنصب ، يعني : المعصومين من الذنوب والفواحش ، ويقال : أخلصه الله تعالى بالنبوة والرسالة والإسلام .