صفوة البيان لحسين مخلوف - حسنين مخلوف  
{وَلَقَدۡ هَمَّتۡ بِهِۦۖ وَهَمَّ بِهَا لَوۡلَآ أَن رَّءَا بُرۡهَٰنَ رَبِّهِۦۚ كَذَٰلِكَ لِنَصۡرِفَ عَنۡهُ ٱلسُّوٓءَ وَٱلۡفَحۡشَآءَۚ إِنَّهُۥ مِنۡ عِبَادِنَا ٱلۡمُخۡلَصِينَ} (24)

{ ولقد همت به وهم بها . . } الهم : المقاربة من الفعل من غير دخول فيه . ولا خلاف في أن همها كان بالمعصية ، وكان عزما وجزما ، ولا في أن يوسف عليه السلام لم يأت بفاحشة ، وأن الله برأه منها وأنطق المرأة ببراءته ، وأن همه عليه السلام كان مجرد خاطرة قلب بمقتضى الطبيعة البشرية ، من غير جزم وعزم . و ذلك لا يدخل تحت التكليف ، ولا يخل بمقام النبوة ، كالصائم يرى الماء البارد في اليوم الحار فتميل نفسه إليه ، ولكن يمنعه منه دينه فلا يؤاخذ بهذا الليل ، وقوله تعالى : { لولا أن رأى برهان ربه } أي لولا مشاهدته البرهان الإلهي على شناعة المعصية لجرى على موجب ميله الجبلي ، لكنه لمشاهدته البرهان استمر على ما هو عليه من الطهارة وإياه المعصية . ولذا قيل : الهم همان :

هم ثابت ، وهو كان معه عزم وعقد ورضا ، مثل امرأة العزيز . وهم عارض ، وهو الخطرة وحديث النفس من غير اختيار ولا عزم ، مثل هم يوسف وقد عصمه الله وصرف عنه السوء

والفحشاء ، كيف وهو من عباد الله المخلصين ؟ . وقيل : إنه عليه السلام هم بدفعها عن نفسه بالقوة

و كاد ، لولا أن أراه الله أنه لو فعل ذلك لفعلت معه ما يوجب هلاكه ، فكان في الامتناع عنه صون نفسه من الهلاك ، فربما تعلقت به فتمزق ثوبه من قدام ، وكان في علم الله أن الشاهد يشهد بأن تمزيقه من الأمام دليل جنايته ، وتمزيقه من الخلف دليل جنايتها وبراءته ، فلا جرم لا يشتغل بدفعها بالقوة وفر عنها هاربا ، حتى صارت الشهادة حجة له على براءته . فلم يقع منه هم بالفاحشة ، وإنما وقع منه الهم بدفع امرأة العزيز عن نفسه ، ولم يحصل الدفع لرؤيته برهان ربه . وفي البحر : أنه لم يقع منه هم البتة ، بل هو منفي لوجود رؤية البرهان ، وهو نظير قولك : قارفت الذنب لولا عصمك الله . وجواب { لولا } محذوف لدلالة ما قبله عليه ، أي لولا أن رأى البرهان لهم بها ، أي أن الهم كان يوجد لو لم ير برهان ربه ، لكنه رآه فانتفى الهم .