وانما أوقع بين المعطوف والمعطوف عليه في أثناء الكلام قوله :
( ليس لك من الأمر شيء أو يتوب عليهم أو يعذبهم فإنهم ظالمون128 ) .
( ليس لك من الأمر شيء ) اعتراضا لئلا يغفل رسول الله صلى الله عليه وسلم فيرى لنفسه تأثيرا في بعض هذه الأمور فيحتجب عن التوحيد ، أي ليس لك من أمرهم شيء ، كيفما كان ، ما أنت إلا بشر مأمور بالإنذار . إن عليك إلا البلاغ ، وإنما أمرهم الى الله –أفاده القاشاني- وفي الاعتراض تخفيف من حزنه لكفرهم ، وحرصه على هداهم ، كما قال : ( ليس عليك هداهم ولكن الله يهدي من يشاء ) . وقوله تعالى : ( أو يتوب عليهم ) أي مما هم فيه من الكفر فيهديهم للاسلام بعد الضلالة ( أو يعذبهم ) أي في الدنيا والآخرة على كفرهم وذنوبهم ( فانهم ظالمون )
أي يستحقون ذلك لاستمرارهم على العناد .
روى البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا أراد أن يدعو على أحد أو يدعو لأحد ، قنت بعد الركوع ، فربما قال ، إذا قال سمع الله لمن حمده : اللهم ! ربنا ولك الحمد : اللهم ! أنج الوليد بن الوليد وسلمة بن هشام وعياش بن أبي ربيعة ، اللهم ! اشدد وطأتك على مضر واجعلها سنين كسنين يوسف ، يجهر بذلك ، / وكان يقول في بعض صلاته في صلاة الفجر : اللهم العن فلانا وفلانا ( لأحياء من العرب ) حتى أنزل الله : ( ليس من الأمر شيء . . . ) الآية " .
وقد أسند ما علقه عن ابن عمر " أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، إذا رفع رأسه من الركوع في الركعة الآخرة من الفجر ، يقول : اللهم العن فلانا وفلانا وفلانا . بعد ما يقول : سمع الله لمن حمده ربنا ولك الحمد . فأنزل الله : ( ليس لك من الأمر شيء . . . ) الآية " –ورواه الإمام أحمد عن ابن عمر أيضا ولفظه : " اللهم ! العن فلانا وفلانا . اللهم العن الحرث بن هشام . اللهم العن سهيل بن عمرو . اللهم العن صفوان بن أمية . فنزلت هذه الآية : ( ليس لك من الأمر شيء أو يتوب عليهم . . . ) الآية ، فيتب عليهم كلهم " .
وقال الإمام أحمد حدثنا هشيم حدثنا حميد عن أنس رضي الله عنه " أن النبي صلى الله عليه وسلم كسرت رباعيته يوم أحد وشج في جبهته حتى سال الدم على وجهه ، فقال : كيف يفلح قوم فعلوا هذا بنبيهم وهو يدعوهم إلى ربهم عز وجل ، فأنزل الله : ( ليس لك من الأمر شيء أو يتوب عليهم ) الآية " –انفرد به مسلم . ورواه البخاري تعليقا . وقد تقدم لنا في مقدمة التفسير تحقيق معنى سبب النزول ، وأن الآية قد تذكر استشهادا في مقام ، لكونها مما تشمله . فيطلق الراوي عليها النزول فيه ، ولا يكون قصده أن هذا كان سببا لنزولها . والحكمة في منعه صلى الله عليه وسلم من الدعاء عليهم ظهرت من توبتهم أخيرا . والالحاح في الدعاء مظنة الإجابة ، لا سيما من أشرف خلقه . فاقتضت حكمته تعالى إمهالهم إلى أن يتوبوا لسابق علمه فيهم . وفيه طلب التفويض في الأمور الملمة ، لما في طيها من الأسرار الإلهية .
قوله تعالى : ( أو يتوب عليهم ) . منصوب بإضمار ( أن ) في حكم اسم معطوف ب ( أو ) على ( الأمر ) أو على ( شيء ) ، أي ليس لك من أمرهم شيء ، أو من التوبة عليهم ، أو من تعذيبهم ، أو ليس لك من أمرهم شيء أو التوبة عليهم أو تعذيبهم .
أقول : جعل ( أو يتوب ) منصوبا بالعطف على ( يكبتهم ) – بعيد جدا . وان قدمه بعض المفسرين على الوجه المتقدم . وذلك لأن قوله تعالى : ( ليس لك ) كلام مستأنف على ما صرحت به الروايات في سبب النزول . وهي المرجع في التأويل –والله أعلم- .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.