{ لَيْسَ لَكَ مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ } اختلف العلماء في سبب نزول هذه الآية ، فقال عبد الله بن مسعود :
أراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يدعوا على المدبرين عنه من أصحابه يوم أُحد ، وكان عثمان منهم ، فنهاه الله عزّ وجلّ عن ذلك وتاب عليهم ، فأنزل هذه الآية ، وقال عكرمة وقتادة : أَدْمى رجل من هذيل يقال له عبد الله بن قمية وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أُحد ، فدعا عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكان حتفه أن سلّط الله عليه تيساً فنطحه حتى قتله .
وشجّ عتبة بن أبي وقاص رأسه ، وكسر رباعيته فدعا عليه ، وقال : ( الّلهم لا تحل عليه الحول حتى يموت كافراً ) قال : وما حال عليه الحول حتى مات كافراً ، فأنزل الله هذه الآية .
وقال الكلبي والربيع : نزلت هذه الآية على رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أُحد ، وقد شجّ في وجهه وأُصيبت رباعيته ، فهمّ رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يلعن المشركين ويدعو عليهم ، فأنزل الله عزّ وجلّ هذه
الآية ، لعلمه فيهم أن كثيراً منهم سيؤمنون ، يدلّ عليه ما روى أبو بكر بن عياش ، عن حميد ، عن أنس قال : لمّا كان يوم أُحد شجّ رسول الله صلى الله عليه وسلم في فوق حاجبه وكسرت رباعيته وجرح في وجهه ، فجعل يمسح الدم في وجهه ؛ وسالم مولى أبي حذيفة يغسل عن وجهه الدم ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ( كيف يفلح قوم خضّبوا وجه نبيّهم بالدم وهو يدعوهم إلى ربّهم ) ، فأنزل الله تعالى : ) لَيْسَ لَكَ مِنَ الأمْرِ شَيْءٌ ( ، وقال سعيد بن المسيّب . والشعبي . ومحمد بن إسحاق بن يسار : لمّا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( اشتدّ غضب الله على من دمى وجه نبيّه ) . علت عالية من قريش على الجبل ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( ( اللهم إنه ) لا ينبغي لهم أن يعلونا ) ، فأقبل عمر ورهط من المهاجرين حتى أهبطوهم ، ونهض رسول الله إلى صخرة ليعلوها وقد كان ظاهر بين درعين فلم يستطع ، فجلس تحته طلحة فنهض حتى استوى عليها ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( أوجب طلحة الجنة ) ، فوقفت هند والنسوة معها يمثّلن بالقتلى من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يجدعنّ الآذان والأُنوف ، حتى أخذت هند من ذلك قلائد وأعطتها وحشيّاً ، وبقرت من كبد حمزة فلاكتها فلم تستطع فلفظتها ، ثم علت صخرة مشرفة فصرخت :
قالوا : وقال عبد الله بن الحسن : قال حمزة : الّلهم إن لقينا هؤلاء غداً فإنّي أسألك أن يقتلوني ويبقروا بطني ويجدعوا أنفي وأُذني ، فتقول لي يوم القيامة : فيم فعل بك هذا ؟ فأقول : فيك . فلمّا كان يوم أُحد قتل فبقر بطنه وجدعت أُذنه وأنفه ، فقال رجل سمعه : أمّا هذا فقد أُعطي في نفسه ما سأل في الدنيا ، والله يعطيه ما سأل في الآخرة .
قالوا : فلمّا رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمون ما بأصحابهم من جدع الآذان والأُنوف وقطع المذاكير ، قالوا : لئن أدالنا الله عليهم لنفعلنّ بهم مثل ما فعلوا ، ولنمثلنّ بهم مثلة لم يمثلها أحد من العرب بأحد قطّ ، فأنزل الله تعالى هذه الآية .
قال عطاء : " قام رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد أُحد أربعين يوماً يدعو على أربعة من ملوك كندة : مسرح ، وأحمد ، ولحي ، وأخيهم العمردة ، وعلى معن من هذيل ، يقال لهم : لحيان ، وعلى بطون من سليم وعلى ذكوان وعصبة والقارة ، وكان يقول : " الّلهم أشدد وطاءك على مُضر واجعلها عليهم سنين كسنين يوسف " ، فأجاب الله دعاه وقحطوا حتى أكلوا أولادهم وأكلوا الكلاب والميتة والعظام المحرقة ، فلمّا انقضت الأربعون نزلت هذه الآية " .
وعن سالم بن عبد الله عن أبيه عبد الله بن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " " الّلهم ألعن أبا سفيان ، الّلهم العن الحرث بن هشام ، الّلهم العن صفوان بن أُميّة " ، فأنزل الله تعالى : { لَيْسَ لَكَ مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ } [ آل عمران : 128 ] وأسلموا فحسن إسلامهم
. " " الزهري عن سالم عن أبيه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في صلاة الفجر حين رفع رأسه من الركوع : " ربّنا لك الحمد الّلهم العن فلاناً وفلاناً " ، دعا على ناس من المنافقين فأنزل الله تعالى : { لَيْسَ لَكَ مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ } [ آل عمران : 128 ] الآية . وقال مقاتل : نزلت هذه الآية في بئر معونة وهم سبعون رجلا من قرّاء أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أميرهم المنذر بن عمرو ، وبعثهم رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بئر معونة في صفر سنة أربع من الهجرة على رأس أربعة أشهر من أحد ، ليعلّموا الناس القرآن والعلم ، فقتلهم جميعاً " .
عامر بن الطفيل : وكان فيهم عامر بن فهيرة مولى أبي بكر الصديق فلما قتل رفع بين السماء والأرض ، فوَجد رسول الله صلى الله عليه وسلم من ذلك وَجداً شديداً وحزن عليهم شهراً فنزلت { لَيْسَ لَكَ مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ } وهذه الآية وإن كانت لفظاً للعموم ، فالمراد منها الخصوص تقديرها : ليس لك من الأمر بهواك شيء . واللام في قوله : ( لك ) بمعنى ( إليّ ) كقوله : { رَّبَّنَآ إِنَّنَآ سَمِعْنَا مُنَادِياً يُنَادِي لِلإِيمَانِ } [ آل عمران : 193 ] وقوله :
{ الْحَمْدُ للَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا } [ الأعراف : 43 ] ونحوهما .
{ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ } ليس لك من الأمر شيء وهو وجه حسن .
وقال بعضهم : ( أو ) بمعنى ( حتى ) يعني : ليس لك من الأمر شيء حتى يتوب عليهم أو يعذبهم .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.