وقوله تعالى : { لَيْسَ لَكَ مِنَ الأمر شَيْءٌ . . . } [ آل عمران :128 ] .
رُويَ في سبب هذه الآية ، أنَّه لما هزم أصحابه صلى الله عليه وسلم ، وشُجَّ وَجْهُهُ ، وَكُسِرَتْ رَبَاعِيَتُهُ ، جَعَلَ يَمْسَحُ وَجْهَهُ ، وَيَقُولُ : ( كَيْفَ يُفْلِحُ قَوْمٌ فَعَلُوا هَذَا بِنَبِيِّهِمْ ) ، وفي بعض طُرُق الحَدِيثِ : ( كَيْفَ بِقَوْمٍ فَعَلُوا هَذَا بِنَبِيِّهِمْ ، وَهُوَ يَدْعُوهُمْ إلَى اللَّه ) ، فَنَزَلَتِ الآيةُ ، فقيلِ لَهُ : { لَيْسَ لَكَ مِنَ الأمر شَيْءٌ } ، أي : عواقب الأمور بيد اللَّه ، فامض أنْتَ لشأْنِكَ ، ودُمْ على الدعاء إلى ربِّك . قُلْتُ : وقد فعل ذلك صلى الله عليه وسلم ممتثلاً أَمْرَ ربِّه ، قال عِيَاض : رُوِيَ أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم لَمَّا كُسِرَتْ رَبَاعِيَتُهُ ، وَشُجَّ وَجْهُهُ يَوْمَ أُحُدٍ ، شَقَّ ذَلِكَ على أَصْحَابِهِ ، وَقَالُوا : لَوْ دَعَوْتَ عَلَيْهِمْ ، فَقَالَ : ( إنِّي لَمْ أُبْعَثْ لَعَّانًا ، وَلَكِنِّي بُعِثْتُ دَاعِياً ، وَرَحْمَةً ، اللَّهُمَّ اهد قَوْمِي ، فإنَّهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ ) ، ورُوِيَ عن عُمَر ( رضي اللَّه عنه ) ، أنَّهُ قَالَ فِي بَعْضِ كلامه : بِأَبِي وَأُمِّي أنْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ ، لَقَدْ دَعَا نُوحٌ على قَوْمِهِ ، فَقَالَ : { رَّبِّ لاَ تَذَرْ عَلَى الأرض } [ نوح : 26 ] الآية ، وَلَوْ دَعَوْتَ عَلَيْنَا ، لَهَلَكْنَا مِنْ عِنْدِ آخِرِنَا ، فَلَقَدْ وُطِئَ ظَهْرُكَ ، وَأُدْمِيَ وَجْهُكَ ، وَكُسِرَتْ رُبَاعِيَتُكَ ، فَأَبَيْتَ أَنْ تَقُولَ إلاَّ خَيْراً ، فَقُلْتَ : ( اللَّهُمَّ ، اغفر لِقَوْمِي ، فَإنَّهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ ) اه .
قال الطبريُّ وغيره من المفسِّرين : { أَوْ يَتُوبَ } عطْفٌ على { يَكْبِتَهُمْ } والمعنى : أوْ يَتُوبَ عليهم ، فَيَسْلَمُونَ ، أو يُعَذِّبَهم ، إنْ تَمَادَوْا على كفرهم ، فإنهم ظالمون ، ثم أكَّد سبحانه معنى قوله : { لَيْسَ لَكَ مِنَ الأمر شَيْءٌ } بذكْرِ الحُجَّةِ السَّاطعة في ذلك ، وهي ملكه الأشياء ، فقال سُبْحانه : { وَللَّهِ مَا فِي السموات وَمَا فِي الأرض يَغْفِرُ لِمَن يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَن يَشَاءُ والله غَفُورٌ رَّحِيمٌ }[ آل عمران :129 ] ، أي : فله سبحانه أنْ يفعل بحَقِّ ملكه ما يشاء ، لا اعتراض علَيْه ، ولا معقِّب لحُكْمه ، وذَكَر سبحانَهُ : أنَّ الغُفْران أو التَّعْذيب ، إنما هو بمشيئَتِهِ ، وبحَسَب السَّابق في علْمه ، ثم رجّى سبحانه في آخر ذلك ، تأْنيساً للنُّفُوس .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.