محاسن التأويل للقاسمي - القاسمي  
{فَأَقِمۡ وَجۡهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفٗاۚ فِطۡرَتَ ٱللَّهِ ٱلَّتِي فَطَرَ ٱلنَّاسَ عَلَيۡهَاۚ لَا تَبۡدِيلَ لِخَلۡقِ ٱللَّهِۚ ذَٰلِكَ ٱلدِّينُ ٱلۡقَيِّمُ وَلَٰكِنَّ أَكۡثَرَ ٱلنَّاسِ لَا يَعۡلَمُونَ} (30)

{ فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ } أي فقومه له ، واجعله مستقيما متوجها له . وفي النظم الكريم استعارة تمثيلية ، بتشبيهه المأمور بالتمسك بالدين ورعاية حقوقه وعدم مجاوزة حدوده والاهتمام بأموره ، بمن أمر بالنظر إلى أمر ، وعقد طرفه به ، وتسديد نظره وتوجيه وجهه له ، لمراعاته والاهتمام بحفظه { حَنِيفًا } أي مائلا عن كل ما سواه ، إليه . قال المهايمي : ولا يعسر الرجوع إليه لكونه { فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا } أي لأن عقل كل واحد يدل على أنه حادث يفتقر إلى محدث . ولا دلالة على الافتقار إلى متعدد أبدا . فالقول بتعدده تغيير للفطرة . لكن { لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ } أي لا تغيير لأمر العقل الذي خلقه الله للاستدلال { ذَلِكَ } أي الدين المأمور بإقامة الوجه له ، أو الفطرة { الدِّينُ الْقَيِّمُ } أي المستقيم الذي لا عوج فيه . قال المهايمي : وإن لم يقم عند المبدلين دليل على استحالة التعدد ، فهذا هو مقتضى الفطرة { وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ } أي أنه مقتضى الفطرة . وهي أقطع قاطع واحسم حاسم لشغب المشاغب . لأنها من الأمور التي لا تدخل تحت الكسب والاختيار .