محاسن التأويل للقاسمي - القاسمي  
{ثُمَّ لَأٓتِيَنَّهُم مِّنۢ بَيۡنِ أَيۡدِيهِمۡ وَمِنۡ خَلۡفِهِمۡ وَعَنۡ أَيۡمَٰنِهِمۡ وَعَن شَمَآئِلِهِمۡۖ وَلَا تَجِدُ أَكۡثَرَهُمۡ شَٰكِرِينَ} (17)

{ ثم لأتينهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلم ولا تجد أكثرهم شاكرين ( 17 ) } .

{ ثم لآتينهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلم } أي من جميع الجهات الأربع . مثل قصده إياهم بالتسويل والإضلال من أي وجه يمكنه ، بإتيان العدو من الجهات الأربع التي يعتاد هجومه منها . ولذلك لم يذكر الفوق والتحت : { ولا تجد أكثرهم شاكرين } أي مستعملين لقواهم وجوارحهم ، وما أنعم الله به عليهم في طريق الطاعة والتقرب إلى الله . وإنما قال ذلك لما رآه من الأمارات على طريق الظن ، كقوله : { ولقد صدق عليهم إبليس ظنه فاتبعوه إلا فريقا من المؤمنين }{[3869]} - . روى الإمام أحمد{[3870]} عن سبرة بن الفاكه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " إن الشيطان قعد لابن آدم بأطرافه ، فقعد له بطريق الإسلام ، فقال : أتسلم وتذر دينك ودين آبائك وآباء أبيك ؟ قال : فعصاه فأسلم . ثم قعد له بطريق الهجرة فقال : أتهاجر وتدع أرضك وسماءك وإنما مثل المهاجر كالفرس في الطول . قال : فعصاه فهاجر . قال : ثم قعد له بطريق الجهاد فقال له : هو جهاد النفس والمال . فتقاتل فتُقتل فتُنكح المرأة ويقسم المال ؟ قال : فعصاه فجاهد . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : فمن فعل ذلك منهم فمات ، كان حقا على الله أن يدخله الجنة ، أو قتل كان حقا على الله عز وجل أن يدخله الجنة ، وإن غرق كان حقا على الله أن يدخله الجنة ، أو وقصته دابته كان حقا على الله أن يدخله الجنة " .

وقال الحافظ : ورد في الحديث استعاذة من تسلط الشيطان على الإنسان من جهاته/ كلها ، فروى الإمام أحمد{[3871]} وأبو داود{[3872]} والنسائي{[3873]} وابن ماجة{[3874]} وابن حبان والحاكم عن عبد الله بن عمر قال : " لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يدع هؤلاء الدعوات حين يصبح وحين يمسي اللهم  ! إني أسألك العفو والعافية في ديني ودنياي ، وأهلي ومالي ؛ اللهم استر عوراتي وآمن روعاتي ؛ اللهم  ! احفظني من بين يدي ومن خلفي ، وعن يميني وعن شمالي ، ومن فوقي وأعوذ بعظمتك أن أغتال من تحتي " . ورواه البزار عن ابن عباس .

فائدة

قال الجشمي : تدل الآية أنه سأل الإنظار ، وأنه تعالى أنظره ، وقد بينا ما قيل فيه . وتدل على شدة عداوته لبني آدم وحرصه على إضلالهم . وتدل على أن أكثر بني آدم غير شاكرين . وتدل على أن الإضلال فعل إبليس ، والقبول عنه فعلهم ، لذلك أضافه إليهم ، وذمهم عليه ، ولو كان خلقا له لما صح ذلك- انتهى- والكلام في أمثالها معروف .


[3869]:- [34/ سبأ/ 20].
[3870]:- أخرجه الإمام أحمد في المسند بالصفحة رقم 483 من الجزء الثالث (طبعة الحلبي).
[3871]:- أخرجه في المسند بالصفحة رقم 25 من الجزء الثاني (طبعة الحلبي) والحديث رقم 4785 (طبعة المعارف).
[3872]:- أخرجه أبو داود في: 40 – كتاب الأدب، 101- باب ما يقال إذا أصبح، حديث 5074.
[3873]:- أخرجه النسائي قوله "اللهم إني أعوذ بعظمتك أن أغتال من تحتي" في: 50- كتاب الاستعاذة، 60- باب الاستعاذة من الخسف.
[3874]:- أخرجه ابن ماجه في؛ 34- كتاب الدعاء، 14- باب ما يدعو به الرجل إذا أصبح وإذا أمسى، حديث رقم 3871 (طبعتنا).