تيسير التفسير لإبراهيم القطان - إبراهيم القطان [إخفاء]  
{أَفَنَضۡرِبُ عَنكُمُ ٱلذِّكۡرَ صَفۡحًا أَن كُنتُمۡ قَوۡمٗا مُّسۡرِفِينَ} (5)

أفنضرب عنكم الذِكر : أنُعرض عنكم ونترككم .

صفحا : إعراضا .

مسرفين : متجاوزين الحد في الكفر .

فليس هو من عند محمدٍ كما تدّعون يا مشركي قريش .

إننا لن نترك تذكيركم به بسببٍ من إعراضكم عنه ، وانهماككم في الكفر به ، وإنما نفعل ذلك رحمةً منّا ولطفاً بكم .

قراءات :

قرأ نافع وحمزة والكسائي : إن كنتم قوما مسرفين بكسر همزة إن . والباقون : أن كنتم بفتح الهمزة .

 
الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع [إخفاء]  
{أَفَنَضۡرِبُ عَنكُمُ ٱلذِّكۡرَ صَفۡحًا أَن كُنتُمۡ قَوۡمٗا مُّسۡرِفِينَ} (5)

تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :

{أفنضرب عنكم الذكر صفحا} يقول لأهل مكة: أفنذهب عنكم هذا القرآن سدى لا تسألون عن تكذيب به.

{أن كنتم قوما مسرفين}...

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك؛

فقال بعضهم: معناه: أفنضرب عنكم ونترككم أيها المشركون فيما تحسبون، فلا نذكركم بعقابنا من أجل أنكم قوم مشركون... عن مجاهد، في قول الله عزّ وجلّ:"أفَنَضْرِبُ عَنْكُمْ الذّكْرَ صَفْحا" قال: تكذّبون بالقرآن ثم لا تعاقبون عليه...

وقال آخرون: بل معنى ذلك: أفنترك تذكيركم بهذا القرآن، ولا نذكركم به، لأن كنتم قوما مسرفين... عن قتادة: "أفَنَضْرِبُ عَنْكُمْ الذّكْرَ صَفْحا أنْ كُنْتُمْ قَوْما مُسْرِفِينَ": أي مشركين، والله لو كان هذا القرآن رفع حين ردّه أوائل هذه الأمة لهلكوا، فدعاهم إليه عشرين سنة، أو ما شاء الله من ذلك...

وأولى التأويلين في ذلك بالصواب تأويل من تأوّله: أفنضرب عنكم العذاب فنترككم ونعرض عنكم، لأن كنتم قوما مسرفين لا تؤمنون بربكم.

وإنما قلنا ذلك أولى التأويلين بالآية، لأن الله تبارك وتعالى أتبع ذلك خبره عن الأمم السالفة قبل الأمم التي توعدها بهذه الآية في تكذيبها رسلها، وما أحلّ بها من نقمته، ففي ذلك دليل على أن قوله: "أفَنَضْرِبُ عَنْكُمْ الذّكْرَ صَفْحا "وعيد منه للمخاطبين به من أهل الشرك، إذ سلكوا في التكذيب بما جاءهم عن الله رسولهم مسلك الماضين قبلهم.

تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :

اختُلف في الذّكر: قال بعضهم: القرآن.

وقال بعضهم: الرسول.

وقال بعضهم: العذاب والعقوبة.

واختُلف في قوله: {أفنضرب عنكم الذّكر صفحا} قال بعضهم: أفنترك، ونذر الذّكر سُدًى {أن كنتم قوما مسرفين} أي ألأنكم كذا ولأجل أنكم كذا؟

وقال بعضهم: {أفنضرب عنكم} أي أفنُمسك عنكم فلا نذكركم {صفحا} أي إعراضا، وهو قول القتبيّ؛ يقول: صفحت عن فلان، أي أعرضت عنه. وأصل ذلك أنك توليه صحفتك.

وقال أبو عوسجة: {أفنضرب} أي نسكت، ضربت وأضربت أي سكتُّ.

وقوله: {صفحا} أي ردّا، يقال: سألني فلان حاجة، فصفحته صفحا، أي رددته، فعلى ذلك قوله: {أفنضرب عنكم الذّكر صفحا} فإن كان الذّكر هو القرآن، أو الرسول، فالتأويل أنه وإن علم منكم الرّدّ والتكذيب فلا يمنعه ذلك عن إنزاله عليكم وبعثه رسولا إليكم وإن أنكرتموه، وكذّبتموه ورددتموه، فلا يحملنا ذلك على رفعه من بينكم بشرككم وكفركم، وهو كما ذكر في قوله: {وكم أرسلنا من نبيّ في الأولين} {وما يأتيهم من نبي إلا كانوا به يستهزؤون} [الزخرف: 6 و7] أو لعل فيكم من يصدّقه، ويؤمن به، أو غيركم يؤمن به ويُصدّقه، وإن كذّبتم أنتم. هذا إن كان تأويل الذّكر رسولا أو كتابا.

وإن كان تأويل الذّكر العذاب، فيصير كأنه يقول: أفنترك تعذيبكم، أو نمسك عنه، ولا نعاقبكم، وأنتم قوم مسرفون أي مشركون على ما ذكر على إثره حين قال:

{فأهلكنا أشد منهم بطشا} أي قوة؟ معناه عذّبناهم بالتكذيب مع شدة بطشهم وقوتهم، وأنتم دونهم لا تعذَّبون؟ بل تعذَّبون.

لطائف الإشارات للقشيري 465 هـ :

أي أننا لا نفعل ذلك؛ فيكون معنى الاستفهام: أفنقطع عنكم خطابَنا وتعريفَنا إنْ أسرفتم في خلافكم؟ لا.. إننا لا نرفع التكليفَ بِأَنْ خالَفْتُم، ولا نهجركم -بِقَطْع الكلام عنكم- إنْ أسرفتم. وفي هذا إشارةٌ لطيفةٌ وهو أنه لا يقطع الكلامَ- اليومَ -عَمَّنْ تمَادَى في عصيانه، وأسرف في أكثر شأنه. فأحرى أَنَّ مَنْ لم يُقَصِّرْ في إيمانه- وإنْ تَلَطَّخَ بعصيانه، ولم يَدْخُلْ خَلَلٌ في عِرفانه -ألا يَمْنَعَ عنه لطائفَ غفرانه...

في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :

من ثم يعرّض بهم وبإسرافهم، ويهددهم بالترك والإهمال جزاء هذا الإسراف: (أفنضرب عنكم الذكر صفحاً أن كنتم قوماً مسرفين؟).. ولقد كان عجيباً -وما يزال- أن يعنى الله سبحانه -في عظمته وفي علوه وفي غناه- بهذا الفريق من البشر فينزل لهم كتاباً بلسانهم، يحدثهم بما في نفوسهم، ويكشف لهم عن دخائل حياتهم، ويبين لهم طريق الهدى، ويقص عليهم قصص الأولين، ويذكرهم بسنة الله في الغابرين.. ثم هم بعد ذلك يهملون ويعرضون! وإنه لتهديد مخيف أن يلوح لهم بعد ذلك بالإهمال من حسابه ورعايته، جزاء إسرافهم القبيح!...

التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :

أي أتحسبون أن إعراضكم عما نزل من هذا الكتاب يبعثنا على أن نقطع عنكم تجدد التذكير بإنزال شيء آخر من القرآن. فلما أريدت إعادة تذكيرهم وكانوا قد قدم إليهم من التذكير ما فيه هديهم لو تأملوا وتدبروا، وكانت إعادة التذكير لهم موسومة في نظرهم بقلة الجدوى؛ بيّن لهم أن استمرار إعراضهم لا يكون سبباً في قطع الإرشاد عنهم؛ لأن الله رحيم بهم مريد لصلاحهم لا يصده إسرافهم في الإنكار عن زيادة التقدم إليهم بالمواعظ والهَدي. والاستفهام إنكاري، أي لا يجوز أن نضرب عنكم الذكر صفحاً من جراء إسرافكم، فالإتْيَان ب {إنْ} في قوله: {إنْ كنتم قوماً مسرفين} لقصد تنزيل المخاطبين المعلوم إسرافهم، منزلة من يُشَك في إسرافه؛ لأن توفر الأدلّة على صدق القرآن من شأنه أن يزيل إسرافهم، وفي هذا ثقة بحقّيّة القرآن وضَرب من التوبيخ على إمعانهم في الإعراض عنه...

وإقحام {قوماً} قبل {مسرفين} للدلالة على أن هذا الإسراف صار طبعاً لهم وبه قِوام قوميتهم.

تفسير الشعراوي 1419 هـ :

الهمزة هنا تحمل معنى الاستفهام الإنكاري، ومعنى {أَفَنَضْرِبُ} أي: نترك. نقول: ضربتُ عن العمل وأضربتُ عن العمل أي: تركتُه وامتنعتُ عنه. ومنه: أضرب العمال عن العمل.

فالحق يقول لهم: أنترك تذكيركم، ونُعرِض عنكم ونترككم هكذا هَمَلاً، لأنكم أسرفتُم على أنفسكم وكذَّبتم بالذكْر وكفرتم به؟

لا بل سنُوالي لكم التذكير والبيان، ونلزمكم الحجة والبرهان، فإنْ لم تؤمنوا بالحجة ولم تُصدِّقوا جاء دور الغزو والفتح والنصر عليكم حتى تؤمنوا. وهذه رحمة من الله بهم لأنهم عباده وصنعته ويريد لهم النجاة، وهو أرحم بهم من الوالدة بولدها حتى وهم كافرون به.

فلو تركهم وما أرادوا لتمادوا في فسادهم، واستحقوا الهلاك والعذاب، والكافر حينما يؤمن يرحمه الله بالإيمان، ويرحم المجتمع من شرِّه وفساده إن ظلَّ على كفره، فالذكْر والمراد به هنا الوحي رحمةٌ من الله وخير يُقدِّمه لعباده رحمة بهم.

لذلك قالوا: إنْ كان لك عدو فلا تَدْعُ عليه بالهلاك، إنما ادْعُ له بالهداية لأنك لا تنتفع بهلاكه، إنما تنتفع بسلوكه ويعود عليك خيره إن اهتدى، فثمار الخير تفيد المجتمع كله، ومن هذا المنطلق نهانا الإسلام عن كَتْم العلم لأنك حين تكتم علماً تحرم مجتمعك من خيره، فحين تُعلِّم غيرك تنتفع بخيره وتأمن شرَّه.

إذن: من رحمة الله بهم أنْ يُوالي لهم نزول القرآن رغم عنادهم وكفرهم وتماديهم في الضلال، وفعلاً مع مرور الوقت وتتابع نزول الوحي أسلم صناديد الكفر واحداً بعد الآخر، أسلم عمر، وأسلم عمرو وخالد وعكرمة وغيرهم كثير.

ثم يقول لهم الحق سبحانه: أنتم في حاجة إلى قراءة التاريخ وأَخْذ العبرة من موكب الرسالات لتروْا عاقبة المكذِّبين للرسل، فتاريخ الرسالات يؤكد انتصار رسل الله على المكذِّبين لهم، لأن هذه سنةُ الله في الرسل أنْ ينصرهم الله في النهاية، وأن تكون العاقبة لهم على مُكذِّبيهم، يأخذهم الله على قدر تكذيبهم: {فَكُلاًّ أَخَذْنَا بِذَنبِهِ..} [العنكبوت: 40].

وقد خاطبهم الحق سبحانه بقوله: {وَإِنَّكُمْ لَّتَمُرُّونَ عَلَيْهِمْ مُّصْبِحِينَ * وَبِالَّيلِ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ} [الصافات: 137-138] يعني: المسألة ليستْ كلاماً نظرياً، إنما واقع مُعَاش ومُشَاهد عليكم أنْ تعقلوه، وأنْ تتعلموا منه الدرس حتى لا ينزل بكم من العذاب مثل ما نزل بهم.

 
الوجيز في تفسير الكتاب العزيز للواحدي - الواحدي [إخفاء]  
{أَفَنَضۡرِبُ عَنكُمُ ٱلذِّكۡرَ صَفۡحًا أَن كُنتُمۡ قَوۡمٗا مُّسۡرِفِينَ} (5)

{ أفنضرب عنكم الذكر صفحا } أفنمسك عن إنزال القرآن ونتركه من أجل أنكم لا تؤمنون به وهو قوله { أن كنتم قوما مسرفين } أي لأن كنتم قوما مشركين مجاوزين أمر الله قال قتادة رضي الله عنه والله لو أن هذا القرآن رفع حين رده أوائل هذه الأمة لهلكوا

 
الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي [إخفاء]  
{أَفَنَضۡرِبُ عَنكُمُ ٱلذِّكۡرَ صَفۡحًا أَن كُنتُمۡ قَوۡمٗا مُّسۡرِفِينَ} (5)

قوله تعالى : " أفنضرب عنكم الذكر صفحا " يعني : القرآن ، عن الضحاك وغيره . وقيل : المراد بالذكر العذاب ، أي أفنضرب عنكم العذاب ولا نعاقبكم على إسرافكم وكفركم ، قاله مجاهد وأبو صالح والسدي ، ورواه العوفي عن ابن عباس . وقال ابن عباس : المعنى أفحسبتم أن نصفح عنكم العذاب ولما تفعلوا ما أمرتم به . وعنه أيضا أن المعنى أتكذبون بالقرآن ولا تعاقبون . وقال السدي أيضا : المعنى أفنترككم سدى فلا نأمركم ولا ننهاكم . وقال قتادة : المعنى أفنهلككم ولا نأمركم ولا ننهاكم . وعنه أيضا : أفنمسك عن إنزال القرآن من قبل أنكم لا تؤمنون به فلا ننزله عليكم . وقال ابن زيد . قال قتادة : والله لو كان هذا القرآن رفع حين رددته أوائل هذه الأمة لهلكوا ، ولكن الله ردده وكرره عليهم برحمته . وقال الكسائي : أفنطوي عنكم الذكر طيا فلا توعظون ولا تؤمرون . وقيل : الذكر التذكر ، فكأنه قال : أنترك تذكيركم لأن كنتم قوما مسرفين ، في قراءة من فتح . ومن كسر جعلها للشرط وما قبلها جوابا لها ؛ لأنها لم تعمل في اللفظ . ونظيره : " وذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين " {[13582]} [ البقرة : 278 ] وقيل : الجواب محذوف دل عليه ما تقدم ، كما تقول : أنت ظالم إن فعلت . ومعنى الكسر عند الزجاج الحال ؛ لأن في الكلام معنى التقرير والتوبيخ . ومعنى " صفحا " إعراضا ، يقال صفحت عن فلان إذا أعرضت عن ذنبه . وقد ضربت عنه صفحا إذا أعرضت عنه وتركته . والأصل فيه صفحة العنق ، يقال : أعرضت عنه أي وليته صفحه عنقي . قال الشاعر{[13583]} :

صفوحًا فما تلقاك إلا بخيلَةً *** فمن مَلَّ منها ذلك الوصلَ ملَّتِ

وانتصب " صفحا " على المصدر لأن معنى أفنضرب " أفنصفح . وقيل : التقدير أفنضرب عنكم الذكر صافحين ، كما يقال : جاء فلان مشيا . ومعنى : " مسرفين " مشركين . واختار أبو عبيدة الفتح في " أن " وهي قراءة ابن كثير وأبي عمرو وعاصم وابن عامر ، قال : لأن الله تعالى عاتبهم على ما كان منهم ، وعلمه قبل ذلك من فعلهم .


[13582]:آية 278 سورة البقرة.
[13583]:هو كثير عزة.
 
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي [إخفاء]  
{أَفَنَضۡرِبُ عَنكُمُ ٱلذِّكۡرَ صَفۡحًا أَن كُنتُمۡ قَوۡمٗا مُّسۡرِفِينَ} (5)

ولما أوضح عظيم حال الكتاب وجليل نعمته به ، أردف ذلك بذكر سعة عفوه وجميل إحسانه إلى عباده ورحمتهم بكتابه مع إسرافهم وقبيح مرتكبهم فقال : { أفنضرب عنكم الذكر صفحاً أن كنتم قوماً مسرفين } ولما قدم في الشورى قوله { لله ملك السماوات والأرض يخلق ما يشاء يهب لمن يشاء إناثاً ويهب لمن يشاء الذكور أو يزوجهم ذكراناً وإناثاً ويجعل من يشاء عقيماً } فأعلم أن ذلك إنما يكون بقدرته وإرادته ، والجاري على هذا أن يسلم الواقع من ذلك ويرضى بما قسم واختار ، عنف تعالى في هذه السورة من اعتدى وزاغ فقال { وإذا بشر أحدهم بما ضرب للرحمن مثلاً ظل وجهه مسوداً وهو كظيم } فكمل الواقع هنا بما تعلق به ، وكذلك قوله تعالى { ولو بسط الله الرزق لعباده لبغوا في الأرض } وقوله في الزخرف { ولولا أن يكون الناس أمة واحدة لجعلنا لمن يكفر بالرحمن لبيوتهم سقفاً من فضة } إلى آخره - انتهى .

ولما أفهم تكرير هذا التأكيد أنهم يطعنون في علاه ، ويقدحون في بديع حلاه ، فعل من يكرهه ويأباه ، إرادة للإقامة على ما لا يحبه الله ولا يرضاه ، قال منكراً عليهم : { أفنضرب } أي نهملكم فنضرب أن ننحي ونسير مجاوزين { عنكم } خاصة من بين بني إبراهيم عليه الصلاة والسلام { الذكر } أي الوعظ المستلزم للشرف { صفحاً } أي بحيث يكون حالنا معكم حال المعرض المجانب بصفحة عنقه ، فلا نرسل إليكم رسولاً ، ولا ننزل معه كتاباً فهو مفعول له أي نضرب لأجل إعراضنا عنكم ، أو يكون ظرفاً بمعنى جانباً أي نضربه عنكم جانباً ، قال الجامع بين العباب والمحكم : أضربت عن الشيء : كففت وأعرضت ، وضرب عنه الذكر وأضرب عنه : صرفه ، وقال الإمام عبد الحق في الواعي : والأصل في ضرب عنه الذكر أن الراكب إذا ركب دابته فأراد أن يصرفه عن جهته ضربه بعصاه ليعدله عن جهته إلى الجهة التي يريدها ، فوضع الضرب في موضع الصرف والعدل ، قال الهروي : قال الأزهري : يقال : ضربت عنه وأضربت بمعنىّ واحد ، ونقل النواوي عنه أنه قال : إن المجرد قليل ، فالحاصل أن الضرب إيقاع شيء على آخر بقوة ، فمجرده متعد إلى واحد ، فإن عدي إلى آخر ب " عن " ضمن معنى الصرف ، وإذا زيدت همزة النقل فقيل : أضربت عنه ، أفادت الهمزة قصر الفعل ، وأفهمت إزالة الضرب ، فمعنى الآية : أفنضرب صارفين عنكم الذكر صفحاً ، أي معرضين إعراضاً شديداً حتى كأنا ضربنا الذكر لينصرف عنكم معرضاً كإعراض من ولى إلى صفحة عنقه ، ثم علل إرادتهم هذا الإعراض بما يقتضي الإقبال بعذاب أو متاب فقال : { أنْ } أي أنفعل ذلك لأن { كنتم قوماً مسرفين } أي لأجل أن كان الإسراف جبلة لكم وخلقاً راسخاً ، وكنتم قادرين على القيام به في تكذيب الرسول صلى الله عليه وسلم والقدح فيما يأتي به والاستهزاء بأمره بترككم خشية من شدتكم أو رجاء من غير تذكير لتوبتكم وقد جعل حينئذ المقتضى مانعاً ، فإن المسرف أجدر بالتذكير وأحوج إلى الوعظ ، هذا إن كان مقرباً ، وأما البعيد فإنه لا يلتفت إليه من أول الأمر ، بل لو أراد القرب طرد ، وعلى قراءة نافع وحمزة والكسائي بكسر " إن " على كونها شرطية يكون الكلام مسبوقاً على غاية ما يكون من الإنصاف ، فيكون المعنى : أنترككم مهملين فننحي عنكم الذكر والحال أنكم قوم يمكن أن تكونوا متصفين بالإسراف ، يعني أن المسرف أهل لأن يوعظ ويكلم بما يرده عن الإسراف ، وأنتم وإن ادعيتم أنكم مصلحون لا تقدرون أن تدفعوا عنكم إمكان الإسراف فكيف يدفع عنكم إنزال الذكر الواعظ وأنتم بحيث يمكن أن تكونوا مسرفين فتحتاجوا إليه - هذا ما لا يفعله حكيم في عباده ، بل هو سبحانه للطفه وزيادة بره لا يترك دعاء عباده إلى رحمته وإن كانوا مسرفين قد أمعنوا في الشراد ، والجحد والعناد ، فيدعوهم بأبلغ الحجة ، وهو هذا القرآن الذي هو أشرف الكتاب على لسان هذا النبي الذي هو أعظم الرسل ليهتدي من قدرت هدايته وتقوم الحجة على غيره .

 
تفسير الجلالين للمحلي والسيوطي - تفسير الجلالين [إخفاء]  
{أَفَنَضۡرِبُ عَنكُمُ ٱلذِّكۡرَ صَفۡحًا أَن كُنتُمۡ قَوۡمٗا مُّسۡرِفِينَ} (5)

{ أفنضرب عنكم الذكر صفحا أن كنتم قوما مسرفين }

{ أفنضرب } نمسك { عنكم الذكر } القرآن { صفحاً } إمساكاً فلا تؤمرون ولا تنهون لأجل { أن كنتم قوماً مسرفين } مشركين لا .