تيسير التفسير لإبراهيم القطان - إبراهيم القطان [إخفاء]  
{وَٱلۡعَٰدِيَٰتِ ضَبۡحٗا} (1)

مقدمة السورة:

سورة العاديات مكية ، وآياتها إحدى عشرة ، نزلت بعد سورة العصر .

تبدأ هذه السورة بالقسَم بالخيل التي تعدو ، ويُسمع صوت أنفاسها ، وتقدَح الشرر بحوافرها ، والتي تُغير مع الصباح على العدو ، وتثير الغبار حتى تتوسط جمع العدو ، فتأخذه على غِرة ، وتثير في صفوفه الذعر والفزع . وقد جاء هذا القسَم بالخيل وما فيها من فوائد ، وما لها من مشاهد محبّبة ، يؤكد أن الإنسان شديد الكفران لنعم ربه . وهو لا يستطيع إنكار ذلك . إنه لشديد الحب للمال يجمعه من أي طريق ، ثم يحرص عليه كل الحرص . لكنه غافل أشد الغفلة حتى إنه يجهل عاقبة أمره يوم تُبعثر القبور ، ويُخرج الناس منها ، وينشر كل امرئ ما في صدره من سر وأعمال ؛ لأنهم في ذلك اليوم يكونون عند ربهم الخبير بهم ، والذي لا تخفى عليه خافية من أمورهم .

العاديات : الخيل التي تجري ، والفعلُ عدا يعدو عَدْواً جرى . . .

ضَبحا : الضبح صوت أنفاس الخيل .

أقسَم الله تعالى بالخَيْل المسرِعة التي يُسمع لأنفاسها صوتٌ شديد .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{وَٱلۡعَٰدِيَٰتِ ضَبۡحٗا} (1)

مقدمة السورة:

تفسير سورة العاديات ، وهي مكية .

{ 1 - 11 } { بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وَالْعَادِيَاتِ ضَبْحًا * فَالْمُورِيَاتِ قَدْحًا * فَالْمُغِيرَاتِ صُبْحًا * فَأَثَرْنَ بِهِ نَقْعًا * فَوَسَطْنَ بِهِ جَمْعًا * إِنَّ الْإِنْسَانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ * وَإِنَّهُ عَلَى ذَلِكَ لَشَهِيدٌ * وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ * أَفَلَا يَعْلَمُ إِذَا بُعْثِرَ مَا فِي الْقُبُورِ * وَحُصِّلَ مَا فِي الصُّدُورِ * إِنَّ رَبَّهُمْ بِهِمْ يَوْمَئِذٍ لَخَبِيرٌ }

أقسم الله تبارك وتعالى بالخيل ، لما فيها من آيات الله الباهرة ، ونعمه الظاهرة ، ما هو معلوم للخلق .

وأقسم [ تعالى ] بها في الحال التي لا يشاركها [ فيه ] غيرها من أنواع الحيوانات ، فقال : { وَالْعَادِيَاتِ ضَبْحًا } أي : العاديات عدوًا بليغًا قويًا ، يصدر عنه الضبح ، وهو صوت نفسها في صدرها ، عند اشتداد العدو{[1467]} .


[1467]:- في ب: عدوها.
 
الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع [إخفاء]  
{وَٱلۡعَٰدِيَٰتِ ضَبۡحٗا} (1)

مقدمة السورة:

تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :

سورة العاديات مكية .

النكت و العيون للماوردي 450 هـ :

سورة العاديات مكية في قول ابن مسعود وجابر والحسن وعكرمة وعطاء .

ومدنية في قول ابن عباس وأنس بن مالك وقتادة .

المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية 542 هـ :

وهي مكية في قول جماعة من أهل العلم ، وقال المهدوي عن أنس بن مالك : هي مدنية.

في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :

يجري سياق هذه السورة في لمسات سريعة عنيفة مثيرة ، ينتقل من إحداها إلى الأخرى قفزا وركضا ووثبا ، في خفة وسرعة وانطلاق ، حتى ينتهي إلى آخر فقرة فيها فيستقر عندها اللفظ والظل والموضوع والإيقاع ! كما يصل الراكض إلى نهاية المطاف !

وتبدأ بمشهد الخيل العادية الضابحة ، القادحة للشرر بحوافرها ، المغيرة مع الصباح ، المثيرة للنقع وهو الغبار ، الداخلة في وسط العدو فجأة تأخذه على غرة ، وتثير في صفوفه الذعر والفرار !

يليه مشهد في النفس من الكنود والجحود والأثرة والشح الشديد !

ثم يعقبه مشهد لبعثرة القبور وتحصيل ما في الصدور !

وفي الختام ينتهي النقع المثار ، وينتهي الكنود والشح ، وتنتهي البعثرة والجمع . . إلى نهايتها جميعا . إلى الله . فتستقر هناك : ( إن ربك بهم يومئذ لخبير ) . . .

والإيقاع الموسيقي فيه خشونة ودمدمة وفرقعة ، تناسب الجو الصاخب المعفر الذي تنشئه القبور المبعثرة ، والصدور المحصل ما فيها بشدة وقوة ، كما تناسب جو الجحود والكنود ، والأثرة والشح الشديد . . فلما أراد لهذا كله إطارا مناسبا ، اختاره من الجو الصاخب المعفر كذلك ، تثيره الخيل العادية في جريها ، الصاخبة بأصواتها ، القادحة بحوافرها ، المغيرة فجاءة مع الصباح ، المثيرة للنقع والغبار ، الداخلة في وسط العدو على غير انتظار . . . فكان الإطار من الصورة والصورة من الإطار .

التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :

سميت في المصاحف القيروانية العتيقة والتونسية والمشرقية سورة العاديات بدون واو ، وكذلك في بعض التفاسير فهي تسمية لما ذكر فيها دون حكاية لفظه . وسميت في بعض كتب التفسير سورة والعاديات بإثبات الواو .

واختلف فيها فقال ابن مسعود وجابر بن زيد وعطاء والحسن وعكرمة : هي مكية . وقال أنس بن مالك وابن عباس وقتادة : هي مدنية ...

ذكر الواحدي في أسباب النزول عن مقاتل وعن غيره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث خيلا سرية إلى بني كنانة وأمر عليها المنذر بن عمرو الأنصاري فأسهبت أي أمعنت في سهب وهي الأرض الواسعة شهرا وتأخر خيرهم فارجف المنافقون وقالوا : قتلوا جميعا ، فأخبر الله عنهم بقوله { والعاديات ضبحا } الآيات ، إعلاما بأن خيلهم قد فعلت جميع ما في تلك الآيات .

وهذا الحديث قال في الإتقان رواه الحاكم وغيره . وقال أبن كثير : روى أبو بكر البزاز هنا حديثا غريبا جدا وساق الحديث قريبا مما للواحدي .

وأقول غرابة الحديث لا تناكد قبوله وهو مروي عن ثقات إلا أن في سنده حفص بن جميع وهو ضعيف . فالراجع أن السورة مدنية .

أغراضها:

ذم خصال تفضي بأصحابها إلى الخسران في الآخرة ، وهي خصال غالية على المشركين والمنافقين ، ويراد تحذير المسلمين منها .

ووعظ الناس بأن وراءهم حسابا على أعمالهم بعد الموت ليتذكره المؤمن ويهدد به الجاحد . وأكد ذلك كله بأن افتتح بالقسم ، وأدمج في القسم التنويه بخيل الغزاة أو رواحل الحجيج .

التفسير الحديث لدروزة 1404 هـ :

تتضمن السورة تنديدا بجحود الإنسان ، واستغراقه في حب المال ، وتذكيرا بالآخرة ، وإحاطة الله بأعمال الناس . وأسلوبها عرض عام للدعوة كسابقتها . وقد روي أنها مدنية ، والجمهور على أنها مكية ، وأسلوبها وتبكير نزولها مما يؤيد مكيتها . ...

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - لجنة تأليف بإشراف الشيرازي 2009 هـ :

قصر مقاطع الآيات ، واستنادها إلى القَسَم ، وتناولها موضوع المعاد، قرائن تدل على مكيتها . لكن مضمون القسم في السّورة وارتباطه بمسائل الجهاد كما سيتضح وهكذا الرّواية القائلة بنزول هذه السّورة بعد غزوة ( ذات السلاسل ) دلائل على مدنية السّورة . حتى لو فسرنا مضمون القسم في السّورة بحركة الحجاج نحو منى والمشعر فهو دليل على أنّها مدنية أيضاً . صحيح أن مراسم الحج بأكثر مناسكه كانت شائعة بين عرب الجاهلية بتأثير من سنة إبراهيم . لكنّها كانت ممزوجة بالخرافات ، ممّا يجعل قَسَم القرآن بها مستبعداً . من مجموع كل ذلك نرجح أن تكون السّورة مدنية . ممّا تقدم يتّضح أيضاً محتوى السّورة ، فهي تبدأ بالقسم بأُمور محفّزة محركة . ثمّ تتناول بعض مظاهر الضعف البشري كالكفر والبخل وحب الدّنيا . ثمّ تشير السّورة إشارة قصيرة معبّرة إلى مسألة المعاد وإحاطة اللّه بعباده . ...

تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :

قوله :{ والعاديات ضبحا } آية ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث سرية إلى حنين من كنانة ، واستعمل عليهم المنذر بن عمرو الأنصاري أحد النقباء ، فغابت ، فلم يأت النبي صلى الله عليه وسلم خبرها ، فأخبره الله عز وجل عنها ، فقال :{ والعاديات ضبحا } يعني الخيل ، وقيل : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث سرية إلى أرض تهامة ، وأبطأ عليه الخبر ، فجعلت اليهود والمنافقون إذا رأوا رجلا من الأنصار أو من المهاجرين تناجوا بأمره ، فكان الرجل يظن أنه قد مات ، أو قتل أخوه ، أو أبوه ، أو عمه ، وكان يجد من ذلك أمرا عظيما ، فجاءه جبريل ، عليه السلام ، يوم الجمعة عند وقت الضحى ، فقال :{ والعاديات ضبحا } يقول : غدت الخيل إلى الغزو حتى أضبحت فعلت أنفاسها بأفواهها ، فكان لها ضباح كضباح الثعلب . ...

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

اختلف أهل التأويل في تأويل قوله : { وَالْعادِياتِ ضَبْحا }؛

فقال بعضهم : عُنِي بالعاديات ضَبْحا : الخيل التي تعدو ، وهي تحمحم ... قال ابن عباس : هو في القتال .

وقال آخرون : هي الإبل ... قال ابن مسعود : هو في الحجّ ...

وأولى القولين في ذلك عندي بالصواب : قول من قال : عني بالعاديات : الخيل ، وذلك أن الإبل لا تضْبَح ، وإنما تضبح الخيل ، وقد أخبر الله تعالى أنها تعدو ضَبْحا ... عن عطاء ، قال : سمعت ابن عباس يصف الضبح : أَحْ أَحْ .

الكشف والبيان في تفسير القرآن للثعلبي 427 هـ :

قال أهل اللغة : أصل الضبح والضباح للثعالب ، فاستُعير في الخيل ، وهو من قول العرب : ضبحته النار إذا غيّرت لونه ، وإنّما تضبح هذه الحيوانات إذا تغيّرت حالها من تعب أو فزع أو طمع ...

لطائف الإشارات للقشيري 465 هـ :

قيل : أقسم الله بأفراسِ الغزاة . ...

المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية 542 هـ :

اختلف الناس في المراد : ب { العاديات } ، فقال ابن عباس وقتادة ومجاهد وعكرمة : أراد الخيل ؛ لأنها تعدو بالفرسان وتصيح بأصواتها ، قال بعضهم : وسببها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث خيلاً إلى بني كنانة سرية فأبطأ أمرها عليه حتى أرجف بهم بعض المنافقين ، فنزلت الآية معلمة أن خيله عليه السلام قد فعلت جميع ما في الآية ، وقال آخرون : القسم هو بالخيل جملة ؛ لأنها تعدو ضابحة قديماً وحديثاً ، وهي حاصرة البلاد وهادمة الممالك ، وفي نواصيها الخير إلى يوم القيامة ، وقال علي بن أبي طالب وابن مسعود وإبراهيم وعبيد بن عمير : { العاديات } في هذه الآية : الإبل ؛ لأنها تضبح في عدوها . قال علي : والقسم بالإبل العاديات من عرفة ومن مزدلفة إذا وقع الحاج ، وبإبل غزوة بدر ، فإنه لم يكن في الغزوة غير فرسين : فرس المقداد وفرس الزبير بن العوام . والضبح : تصويت جهير عند العدو الشديد ليس بصهيل ولا رغاء ولا نباح ؛ بل هو غير المعتاد من صوت الحيوان الذي يضبح . وحكي عن ابن عباس رضي الله عنه أنه قال : ليس يضبح من الحيوان غير الخيل والكلاب ، وهذا عندي لا يصح عن ابن عباس رضي الله عنه ، وذلك أن الإبل تضبح والأسود من الحيات والبوم والصدى والأرنب والثعلب والقوس ، هذه كلها قد استعملت لها العرب الضبح...

مفاتيح الغيب للرازي 606 هـ :

وأكثر المحققين : أنه الخيل ، وروي ذلك مرفوعا ...

فإن جعلنا الألف واللام في : { والعاديات } للمعهود السابق كان محل القسم خيل تلك السرية ، وإن جعلناهما للجنس كان ذلك قسما بكل خيل عدت في سبيل الله . واعلم أن ألفاظ هذه الآيات تنادي أن المراد هو الخيل ، وذلك لأن الضبح لا يكون إلا للفرس .... وأيضا فالقدح يظهر بالحافر ما لا يظهر بخف الإبل ، وكذا قوله : { فالمغيرات صبحا } لأنه بالخيل أسهل منه بغيره ، وقد روينا أنه ورد في بعض السرايا ، وإذا كان كذلك فالأقرب أن السورة مدنية ، لأن الإذن بالقتال كان بالمدينة ، وهو الذي قاله الكلبي، إذا عرفت ذلك...

إنه تعالى إنما أقسم بالخيل لأن لها في العدو من الخصال الحميدة ما ليس لسائر الدواب ، فإنها تصلح للطلب والهرب والكر والفر ، فإذا ظننت أن النفع في الطلب عدوت إلى الخصم لتفوز بالغنيمة ، وإذا ظننت أن المصلحة في الهرب قدرت على أشد العدو ، ولا شك أن السلامة إحدى الغنيمتين ، فأقسم تعالى بفرس الغازي لما فيه من منافع الدنيا والدين ، وفيه تنبيه على أن الإنسان يجب عليه أن يمسكه لا للزينة والتفاخر ، بل لهذه المنفعة ، وقد نبه تعالى على هذا المعنى في قوله : { والخيل والبغال والحمير لتركبوها وزينة } فأدخل لام التعليل على الركوب وما أدخله على الزينة وإنما قال : { ضبحا } لأنه أمارة يظهر به التعب وأنه يبذل كل الوسع ولا يقف عند التعب ، فكأنه تعالى يقول : إنه مع ضعفه لا يترك طاعتك ، فليكن العبد في طاعة مولاه أيضا كذلك ....

نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :

{ والعاديات } أي الدواب التي من شأنها أن تجري بغاية السرعة ، وهي الخيل التي ظهورها عز ، وبطونها كنز ، وهي لرجل وزر ، ولرجل أجر ، فمن فاخر بها ، ونادى بها أهل الإسلام ، وأبطره عزها حتى قطع الطريق ، وأخاف الرفيق ، كانت له شراً ، ومن جعلها في سبيل الله كانت له أجراً ، ومن حمل عليها ولم ينس حق الله في رقابها وظهورها كانت له ستراً ، وإنما أقسم بها ليتأمل ما فيها من الأسرار الكبار التي باينت به أمثالها من الدواب كالثور مثلاً والحمار ، ليعلم أن الذي خصها بذلك فاعل مختار واحد قهار ، فالقسم في الحقيقة به سبحانه . ...

السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني 977 هـ :

والعاديات جمع عادية ، وهي الجارية بسرعة من العدو ، وهو المشي بسرعة . ...

في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :

يقسم الله سبحانه بخيل المعركة ، ويصف حركاتها واحدة واحدة منذ أن تبدأ عدوها وجريها ضابحة بأصواتها المعروفة حين تجري ، ...

أضواء البيان في تفسير القرآن بالقرآن للشنقيطي 1393 هـ :

وأكثر العلماء على أن المراد به الخيل ، تعدو في الغزو ، والقصد تعظيم شأن الجهاد في سبيل اللَّه ....

التفسير الحديث لدروزة 1404 هـ :

وقد يكون القسم القرآني بالخيل متصلا بما كان للخيل والفروسية في عصر النبي صلى الله عليه وسلم وبيئته من أهمية بالغة . حيث ينطوي فيه صورة من صور ذلك العصر والبيئة . ولقد روى البخاري ومسلم والنسائي والترمذي وأبو داود حديثا عن عروة الباقي قال : " قال النبي صلى الله عليه وسلم : الخيل معقود في نواصيها الخير إلى يوم القيامة ، الأجر والمغنم " مما قد يكون فيه توكيد لتلك الأهمية البالغة ...

التيسير في أحاديث التفسير للمكي الناصري 1415 هـ :

{ والعاديات ضبحا1 فالموريات قدحا2 فالمغيرات صبحا3 } ، أقسم بخيل الغزاة المجاهدين في سبيل الله ، " العاديات ضبحا " ، أي : التي تجري وتعدو عند سيرها ، و " تضبح " أثناء عدوها ، و " الضبح " هو الصوت الذي يسمع من جوف الخيل حين تعدو ، " الموريات قدحا " ، أي : التي ينقدح الشرر من حوافرها إذا أصابت سنابكها الحجارة بالليل ، " المغيرات صبحا " أي : التي تغير على الأعداء وقت الصباح ، ولا تباغتهم في ظلام الليل ، وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يغير صباحا ويستمع الأذان ، فإن سمع أذانا أمسك وإلا أغار .

 
الوجيز في تفسير الكتاب العزيز للواحدي - الواحدي [إخفاء]  
{وَٱلۡعَٰدِيَٰتِ ضَبۡحٗا} (1)

{ والعاديات } يعني الخيل في الغزو { ضبحا } تضبح ضبحا ، وهو صوت أجوافها إذا عدت .

 
الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي [إخفاء]  
{وَٱلۡعَٰدِيَٰتِ ضَبۡحٗا} (1)

مقدمة السورة:

وهي مكية في قول ابن مسعود وجابر والحسن وعكرمة وعطاء . ومدنية في قول ابن عباس وأنس ومالك وقتادة . وهي إحدى عشرة آية .

قوله تعالى : { والعاديات ضبحا } أي الأفراس تعدو ، كذا قال عامة المفسرين وأهل اللغة ، أي تعدو في سبيل الله فتضبح . قال قتادة : تضبح إذا عدت ، أي تحمحم . وقال الفراء : الضبح : صوت أنفاس الخيل إذا عدون . ابن عباس : ليس شيء من الدواب يضبح غير الفرس والكلب والثعلب . وقيل : كانت تُكْعَمْ{[16284]} لئلا تصهل ، فيعلم العدو بهم ، فكانت تتنفس في هذه الحال بقوة . قال ابن العربي : أقسم الله بمحمد صلى الله عليه وسلم فقال :{ يس . والقرآن الحكيم } [ يس : 1 ] ، وأقسم بحياته فقال :{ لعمرك إنهم لفي سكرتهم يعمهون }{[16285]} [ الحجر : 72 ] ، وأقسم بخيله وصهيلها وغبارها ، وقدح حوافرها النار من الحجر ، فقال : { والعاديات ضبحا } . . . الآيات الخمس . وقال أهل اللغة{[16286]} :

وطعنةٍ ذات رَشاشٍ واهِيَهْ*** طَعَنْتها عندَ صُدُورِ العاديهْ

يعني الخيل . وقال آخر :

والعاديات أسابيُّ الدماء بها *** كأن أعناقها أنصاب ترجِيبِ{[16287]}

يعني الخيل . وقال عنترة :

والخيل تعلم حين تَضْ*** بَحُ في حياض الموت ضَبْحَا

وقال آخر :

لستُ بالتُّبَّعِ اليَمَانِي إن لَمْ *** تَضْبَحِ الخَيْلُ في سواد العراق

وقال أهل اللغة : وأصل الضبح والضباح للثعالب ، فاستعير للخيل . وهو من قول العرب : ضبحته النار : إذا غيرت لونه ولم تبالغ فيه . وقال الشاعر :

فلما أن تَلَهْوَجْنَا شِوَاءً *** به اللَّهَبان مقهورا ضَبِيحاً{[16288]}

وانضبح لونه : إذا تغير إلى السواد قليلا . وقال :

عَلِقْتُها قبل انضِبَاحِ لَوْنِي

وإنما تضبح هذه الحيوانات إذا تغيرت حالها من فزع وتعب أو طمع . ونصب " ضبحا " على المصدر ، أي والعاديات تضبح ضبحا . والضبح{[16289]} أيضا الرماد . وقال البصريون : " ضبحا " نصب على الحال . وقيل : مصدر في موضع الحال . قال أبو عبيدة : ضبحت الخيل ضبحا مثل ضبعت ، وهو السير . وقال أبو عبيدة : الضبح والضبع : بمعنى العدو والسير . وكذا قال المبرد : الضبح مد أضباعها في السير . وروي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث سرية إلى أناس من بين كنانة ، فأبطأ عليه خبرها ، وكان استعمل عليهم المنذر بن عمرو الأنصاري ، وكان أحد النقباء ، فقال المنافقون : إنهم قتلوا ، فنزلت هذه السورة إخبارا للنبي صلى الله عليه وسلم بسلامتها ، وبشارة له بإغارتها على القوم الذين بعث إليهم . وممن قال : إن المراد بالعاديات الخيل ، ابن عباس وأنس والحسن ومجاهد . والمراد الخيل التي يغزو عليها المؤمنون . وفي الخبر : " من لم يعرف حرمة فرس الغازي ، فيه شعبة من النفاق " . وقول ثان : إنها الإبل . قال مسلم : نازعت فيها عكرمة فقال عكرمة : قال ابن عباس : هي الخيل . وقلت : قال علي : هي الإبل في الحج ، ومولاي أعلم من مولاك . وقال الشعبي : تمارى{[16290]} علي وابن عباس في " العاديات " ، فقال علي : هي الإبل تعدو في الحج . وقال ابن عباس : هي الخيل ، ألا تراه يقول { فأثرن به نقعا } [ العاديات : 4 ] فهل تثير إلا بحوافرها ! وهل تضبح الإبل ! فقال علي : ليس كما قلت ، لقد رأيتنا يوم بدر وما معنا إلا فرس أبلق للمقداد ، وفرس لمرثد بن أبي مرثد ، ثم قال له علي : أتفتي الناس بما لا تعلم ! والله إن كانت لأول غزوة في الإسلام وما معنا إلا فرسان : فرس للمقداد ، وفرس للزبير ، فكيف تكون العاديات ضبحا ! إنما العاديات الإبل من عرفة إلى المزدلفة ، ومن المزدلفة إلى عرفة . قال ابن عباس : فرجعت إلى قول علي ، وبه قال ابن مسعود وعبيد بن عمير ومحمد بن كعب والسدي . ومنه قول صفية بنت عبدالمطلب :

فلا والعاديات غداةَ جَمْعٍ *** بأيديها إذا سَطَعَ الغُبَارُ

يعني الإبل . وسميت العاديات لاشتقاقها من العدو ، وهو تباعد الأرجل في سرعة المشي . وقال آخر :

رأى صاحبي في العاديات نَجِيبَةً *** وأمثالَها في الواضعات القَوَامِسِ{[16291]}

ومن قال هي الإبل فقوله " ضبحا " بمعنى ضبعا ، فالحاء عنده مبدلة من العين ؛ لأنه يقال : ضبعت الإبل وهو أن تمد أعناقها في السير . وقال المبرد : الضبع مد أضباعها في السير . والضبح أكثرها ما يستعمل في الخيل . والضبع في الإبل . وقد تبدل الحاء من العين . أبو صالح : الضبح من الخيل : الحمحمة ، ومن الإبل التنفس . وقال عطاء : ليس شيء من الدواب يضبح إلا الفرس والثعلب والكلب . وروي عن ابن عباس . وقد تقدم عن أهل اللغة أن العرب تقول : ضبح الثعلب ، وضبح في غير ذلك أيضا . قال توبة :

ولو أن ليلَى الأخيلِية سَلَّمَتْ *** عَلَيَّ ودوني تُرْبَةٌ{[16292]} وصفائحُ

لسلَّمْتُ تسليم البشاشة أو زَقَا *** إليها صَدىً من جانب القبر ضَابِحُ{[16293]}

زقا الصدى يزقو زقاء{[16294]} : أي صاح . وكل زاق صائح . والزقية : الصيحة .


[16284]:العكام: شيء يجعل على فم البعير.
[16285]:آية 72 سورة الحجر.
[16286]:قوله: "قال أهل اللغة . . .". إلى آخر البيت. هكذا ورد في جميع نسخ الأصل، وظاهر أن فيه سقطا ، يوضحه أبو حيان في البحر بقوله: "قال أهل اللغة: أصله للثعلب، فاستعير للخيل. . .. " الخ. على أن المؤلف أورده فيما يأتي.
[16287]:البيت لسلامة بن جندل. والأسابي: الطرق من الدم. وأسابي الدماء: طرائفها. والترجيب: أن تدعم الشجرة إذا كثر حملها، لئلا تتكسر أغصانها. قال ابن منظور: "فإنه شبه أعناق الخيل بالمرجب. وقيل: شبه أعناقها بالحجارة التي تذبح عليها النسائك".
[16288]:البيت لمضرس الأسدي. والملهوج من الشواء: الذي لم يتم نضجه. واللهبان: اتقاد النار واشتعالها.
[16289]:في القاموس: "والضبح بالكسر الرماد".
[16290]:التماري والمماراة: المجادلة.
[16291]:في اللسان مادة: (عدا): "وحكى الأزهري عن ابن السكيت (وإبل عادية: ترعى الخلة ولا ترعى الحمض. .. ) وقال: وكذلك العاديات" وساق البيت. في اللسان أيضا مادة (رضع): "وناقة واضع وواضعة ونوق واضعات: ترعى الحمض حول الماء. وأنشد ابن بري قول الشاعر... " الخ. ولفظ "القوامس" هكذا ورد في اللسان وشرح القاموس. وبعض نسخ الأصل. وفي نسخة: "القرامس" بالراء . ولعل الصواب: "العرامس" جمع عرمس (بكسر العين): وهي الناقة الصلبة الشديدة.
[16292]:في نسخة: "جندل" وهي رواية في البيت.
[16293]:في رواية صائح. ولا شاهد فيه.
[16294]:في اللسان: "زقا يزقو ويزقى زقوا وزقاء وزقوا وزقيا وزقيا وزقيا.
 
تفسير الجلالين للمحلي والسيوطي - تفسير الجلالين [إخفاء]  
{وَٱلۡعَٰدِيَٰتِ ضَبۡحٗا} (1)

{ والعاديات } الخيل تعدو في الغزو وتضبح { ضبحاً } هو صوت أجوافها إذا عدت .