مكية في قول ابن مسعود ، وجابر ، والحسن ، وعكرمة ، وعطاء ، ومدنية في قول ابن عباس ، وأنس بن مالك ، وقتادة ، وهي إحدى عشرة آية ، وأربعون كلمة ، ومائة وثلاثة وستون حرفا .
قوله تعالى : { والعاديات } ، جمع عادية ، وهي الجارية بسرعة من العدو ، وهو المشي بسرعةٍ ، والياء منقلبة عن واو لكسر ما قبلها ، نحو : الغازيات ، من الغزو ، ويقال : عَدا يَعْدُو عَدْواً ، فهو عادٍ ، وهي عادية . وقد تقدم هذا في سورة «المؤمنين » .
قال عامة المفسرين : يريد الأفراس تعدو في سبيل الله تعالى .
قوله : { ضَبْحاً } ، فيه أوجه :
أحدها : أنه مصدر مؤكد لاسم الفاعل ، فإن الضبح نوعٌ من السير والعدو كالضبع ، يقال : ضبح وضبع ، إذا عدا بشدة ، أخذاً من الضبع وهو الذراع ؛ لأنه يمده عند العدو ، وكأن الحاء بدل من العين ، وإلى هذا ذهب أبو عبيدة والمبردُ .
5268- والخَيْلُ تَعْلَمُ حِينَ تَضْ *** بَحُ في حِيَاضِ المَوْتِ ضَبْحَا{[60668]}
الثاني : أنه مصدر في موضع الحال ، أي : ضابحات وذوي ضبح ، والضبح : صوت يسمع من صدور الخيل عند العدو ، وليس بصهيل .
وعن ابن عباس - رضي الله عنه - أنه حكاه ، فقال : أحٍ أحٍ{[60669]} .
وقال قتادة : تضبح إذا عدت ، أي : تحمحم .
وقال الفراء : والضبح : أصوات أنفاسها إذا عدون . وقيل : كانت تكمكم لئلا تصهل ، فيعلم العدو بهم ، فكانت تتنفس في هذه الحال بقوة .
ونقل عن ابن عباسٍ - رضي الله عنهما - : أنه لم يضبح من الحيوان غير الخيل والكلب والثعلب{[60670]} ، وهذا ينبغي أن يصحَّ عنه ؛ لأنه روي عنه أنه قال : سُئلتُ عنها ، ففسرتها بالخيل ؛ وكان علي - رضي الله عنه - تحت سقاية زمزم ، فسأله ، فذكر ما قلت ؛ فدعاني ، فلما وقفت على رأسه ، قال : تفتي الناس بغير علمٍ ، والله إنها لأولُ غزوةٍ في الإسلامِ ، وهي بدر ، ولم يكن معنا إلا فرسان : فرسٌ للمقدادِ ، وفرس للزبير ، فكيف تكون العاديات ضبحاً ؟ إنما العاديات الإبل من «عرفة » إلى «المزدلفة » ، ومن «المزدلفة » إلى «منى » يعني إبل الحاج .
قال ابن عباسٍ : فرجعت إلى قول علي - رضي الله عنه - وبه قال ابن مسعود ، وعبيد بن عمير ، ومحمد بن كعب ، والسديُّ رضي الله عنهم .
ومنه قول صفية بنت عبد المطلب : [ الوافر ]
5269- فَلاَ والعَاديَاتِ غَداةَ جَمْعٍ *** بأيْديهَا إذا سَطعَ الغُبَارُ{[60671]}
إلا أن الزمخشري ، قال بعد ذلك{[60672]} : «فإن صحت الروايةُ ، فقد استعير الضبحُ للإبل ، كما استعير المشافر والحافر للإنسان ، والشفتان للمُهْرِ » .
ونقل غيره أن الضبح يكون في الإبل ، والأسود من الحيَّات ، والبُوم ، والصدى ، والأرنب ، والثعلب ، والفرس .
وأنشد أبو حنيفة رضي الله عنه : [ الرجز ]
5270- حنَّانةٌ من نشَمٍ أو تَألَبِ*** تَضْبَحُ في الكفِّ ضُباحَ الثَّعْلبِ{[60673]}
قال شهاب الدين{[60674]} : وهذا عندي من الاستعارة ، ونقل أهل اللغة أن أصل الضبح في الثعلب فاستعير للخيل ، وهو ضبحته النار ، إذا غيرت لونه ولم تبالغ ، وانضبح لونه تغير لسواد قليل ، والضبح أيضاً الرماد .
الثالث من أوجه النصب : أن يكون منصوباً بفعل مقدر ، أي : يضبح ضبحاً ، وهذا الفعل حال من «العَاديَاتِ » .
الرابع : أنه منصوب ب «العَادِياتَ » ، وإن كان المراد به الصوت .
قال الزمخشري{[60675]} : «كأنه قيل : والضابحات ؛ لأن الضبح يكون مع العدو » .
قال أبو حيَّان{[60676]} : «وإذا كان الضَّبح مع العدو ، فلا يكونُ معنى والعاديات معنى الضابحات فلا ينبغي أن يفسر به » انتهى .
قال شهاب الدين{[60677]} : لم يقل الزمخشري إنه بمعناه ، إنما جعله منصوباً ، لأنه لازم لا يفارقه ، فكأنه ملفوظ به . وقوله : كأنه قيل ؛ تفسير التلازم لا أنه هو هو .
قال ابن العربي : أقسم الله تعالى بمحمد صلى الله عليه وسلم فقال : { يس والقرآن الحكيم } [ يس : 1 ، 2 ] ، وأقسم بحياته فقال : { لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ } [ الحجر : 72 ] ، وأقسم بخيله وصهيلها وغبارها ، وقدح حوافرها النار من الحجر ، فقال : { والعاديات ضَبْحاً } .
وقال الشعبيُّ : تمارى عليٌّ وابن عباس في «العَادِياتَ » فقال علي : هي الإبل تعدو في الحج .
وقال ابن عباس : هي الخيلُ ، ألا تراه يقولُ : «فأثَرْنَ بِهِ نَقْعاً » فهل تثير إلا بحوافرها وهل تضبح الإبل ؟
فقال علي رضي الله عنه : ليس كما قلتَ ، لقد رأيتنا يوم بدر وما معنا إلا فرس أبلق للمقداد ، وفرس لمرثد بن أبي مرثد{[60678]} .
وعلى هذا فالقول : { فالموريات قَدْحاً } أي : الحافر يرمي بالحجر من شدة العدو ، فيضرب به حجارة أخرى فتوري النار ، أو يكون المعنى : الذين يركبون الإبل ، وهم الحجيج إذا أوقدوا نيرانهم ب «المزدلفة » .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.