فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{وَٱلۡعَٰدِيَٰتِ ضَبۡحٗا} (1)

مقدمة السورة:

سورة العاديات

في إحدى عشرة آية ، وهي مكية في قول ابن مسعود وجابر والحسن وعكرمة وعطاء . ومدنية في قول ابن عباس وأنس بن مالك وقتادة .

وعن الحسن قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : " ( إذا زلزلت ) تعدل نصف القرآن ، و( العاديات ) تعدل نصف القرآن " وهو مرسل ، أخرجه أبو عبيدة في فضائله . وعن ابن عباس مرفوعا مثله ، أخرجه محمد بن نصر من طريق عطاء بن أبي رباح وزاد " و( قل هو الله أحد ) تعدل ثلث القرآن ، و( قل يا أيها الكافرون ) تعدل ربع القرآن " .

بسم الله الرحمان الرحيم

{ والعاديات } جمع عادية ، وهي الجارية بسرعة ، من العدو ، وهو المشي بسرعة ، فقلبت الواو ياء لكسرة ما قبلها كالغازيات من الغزو ، والمراد بها الخيل العادية في الغزو نحو العدو ، و { ضبحا } مصدر مؤكد لاسم الفاعل ، فإن الضبح نوع من السير ، ونوع من العدو ، ويقال : ضبح الفرس إذا عدا بشدة ، مأخوذ من الضبح وهو الدفع ، وكأن الحاء بدل من العين ، فال أبو عبيدة والمبرد : الضبح من إضباعها في السير .

ويجوز أن يكون مصدرا في موضع الحال ، أي ضابحات ، أو ذوات ضبح ، ويجوز أن تكون مصدرا لفعل محذوف أي يضبح ضبحا . وقيل : الضبح صوت حوافرها إذا عدت . وقال الفراء : الضبح صوت أنفاس الخيل إذا عدت . قيل : كانت تكمم لئلا تصهل فيعلم العدو ، فكانت تتنفس في هذه الحالة بقوة .

وقيل : الضبح صوت يسمع من صدور الخيل عند العدو وليس بصهيل .

وقد ذهب الجمهور إلى ما ذكرنا من أن العاديات ضبحا هي الخيل ، وقال عبيد بن عمير ومحمد بن كعب والسدي : هي الإبل ، ونقل أهل اللغة أن أصل الضبح للثعلب فاستعير للخيل .

قال ابن عباس : بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم خيلا فاستمرت شهرا لا يأتيه منها خبر ، فنزلت { والعاديات ضبحا } ضبحت بأرجلها ، وفي لفظ ضبحت بمناخرها ، وعنه قال : بعث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم سرية إلى العدو فأبطأ خبرها ، فشق ذلك عليه فأخبره الله خبرهم وما كان من أمرهم فقال { والعاديات ضبحا } . قال : هي الخيل ، والضبح نخير الخيل حين تنخر .

وعنه قال : هي الخيل في القتال ، وضبحها حين ترخي مشافرها إذا عدت . وعن ابن مسعود قال : هي الإبل ، قال إبراهيم النخعي : قال علي : هي الإبل . وقال ابن عباس : هي الخيل ، فبلغ عليا قول ابن عباس فقال : ما كانت لنا خيل يوم بدر ، قال ابن عباس : إنما كانت تلك في سرية بعثت .

وعن عامر الشعبي قال : تمارى علي وابن عباس في العاديات ضبحا ، فقال ابن عباس : هي الخيل{[1735]} ، وقال علي : كذبت يا ابن فلانة ، والله ما كان معنا يوم بدر فارس إلا المقداد ، كان على فرس أبلق . قال : وكان يقول : هي الإبل ، فقال ابن عباس : ألا ترى أنها تثير نقعا ، فما شيء يثير إلا بحوافرها ؟ وعن ابن عباس قال : هي الخيل في القتال ، وعن ابن مسعود قال : في الحج ، وعن ابن عباس : ليس شيء من الدواب يضبح إلا الكلب أو الفرس ، وقد روي عنه بطرق أنه الخيل ، وعنه قال : الخيل ضبحها زخيرها ، ألم تر أن الفرس إذا عدا قال : أح أح ، فذلك ضبحها ، وعن علي قال : الضبح من الخيل الحمحمة ، ومن الإبل النفس .


[1735]:أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وابن الأنباري في كتاب الأضداد والحاكم وصححه وابن مردويه عن ابن عباس قال بينما أنا في الحجر إذ أتاني رجل عن العاديات ضبحا فقلت الخيل حين تغير في سبيل الله ثم تأوي إلى الليل فيصنعون طعامهم ويورون نارهم فانفتل عني فذهب إلى علي بن أبي طالب وهو جالس تحت سقاية زمزم فسأله عن العاديات ضبحا فقال سألت عنها أحدا قبلي؟ قال: نعم سألت عنها ابن عباس فقال هي الخيل حيت تغير في سبيل الله فقال اذهب فادعه لي، فلما وقفت على رأسه قال تفتي الناس بما لا علم لك، والله إن كانت لأول غزوة في الإسلام بدر وما كان معنا إلا فرسان فرس للزبير، وفرس للمقداد بن الأسود، فكيف يكون العاديات ضبحا إنما العاديات ضبحا من عرفة إلى المزدلفة فإذا أووا إلى المزدلفة أوقدوا النيران، والمغيرات صبحا من المزدلفة إلى منى فذلك جمع، وأما قوله فأثرن به نقعا فهي نقع الأرض حتى تطؤه بأخفافها وحوافرها قال ابن عباس فنزعت من قولي ورجعت إلى الذي قال علي رضي الله عنه، ذكره الشوكاني رحمه الله في فتح القدير انتهى سيد ذو الفقار أحمد.