فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{وَٱلۡعَٰدِيَٰتِ ضَبۡحٗا} (1)

مقدمة السورة:

سورة العاديات

هي إحدى عشر آية وهي مكية في قول ابن مسعود وجابر والحسن وعكرمة وعطاء ، ومدنية في قول ابن عباس وأنس بن مالك وقتادة . وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس قال : نزلت سورة { والعاديات } بمكة . وأخرج أبو عبيد في فضائله عن الحسن قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «إذا زلزلت تعدل نصف القرآن ، والعاديات تعدل نصف القرآن » ، وهو مرسل . وأخرج محمد بن نصر من طريق عطاء بن أبي رباح عن ابن عباس مرفوعاً مثله ، وزاد و{ قل هو الله أحد } تعدل ثلث القرآن ، و{ قل يا أيها الكافرون } تعدل ربع القرآن » .

{ العاديات } جمع عادية ، وهي الجارية بسرعة ، من العدو : وهو المشي بسرعة ، فأبدلت الواو ياء لكسر ما قبلها كالغازيات من الغزو ، والمراد بها الخيل العادية في الغزو نحو العدوّ ، وقوله : { ضَبْحاً } مصدر مؤكد لاسم الفاعل ، فإن الضبح نوع من السير ، ونوع من العدو . يقال ضبح الفرس : إذا عدا بشدّة ، مأخوذ من الضبع ، وهو الدفع ، وكأن الحاء بدل من العين . قال أبو عبيدة والمبرد : الضبح من إضباحها في السير ومنه قول عنترة :

والخيل تكدح في حياض الموت ضبحا *** . . .

ويجوز أن يكون مصدراً في موضع الحال : أي ضابحات ، أو ذوات ضبح ، ويجوز أن يكون مصدراً لفعل محذوف : أي تضبح ضبحاً . وقيل الضبح : صوت حوافرها إذا عدت . وقال الفراء : الضبح صوت أنفاس الخيل إذا عدت . قيل كانت تكعم لئلا تصهل فيعلم العدوّ بهم ، فكانت تتنفس في هذه الحالة بقوّة ، وقيل الضبح : صوت يسمع من صدور الخيل عند العدو ليس بصهيل . وقد ذهب الجمهور إلى ما ذكرنا من أن { العاديات ضبحاً } هي الخيل . وقال عبيد بن عمير ومحمد بن كعب والسديّ : هي الإبل ، ومنه قول صفية بنت عبد المطلب :

فلا والعاديات غداة جمع *** بأيديها إذا صدع الغبار

ونقل أهل اللغة أن أصل الضبح للثعلب فاستعير للخيل ، ومنه قول الشاعر :

تضبح في الكف ضباح الثعلب *** . . .

/خ11