الكشف والبيان في تفسير القرآن للثعلبي - الثعلبي  
{مَا جَعَلَ ٱللَّهُ مِنۢ بَحِيرَةٖ وَلَا سَآئِبَةٖ وَلَا وَصِيلَةٖ وَلَا حَامٖ وَلَٰكِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ يَفۡتَرُونَ عَلَى ٱللَّهِ ٱلۡكَذِبَۖ وَأَكۡثَرُهُمۡ لَا يَعۡقِلُونَ} (103)

{ مَا جَعَلَ اللَّهُ }

ما أنزل اللّه ولا من اللّه ولا أمر به نظيره قوله :{ إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً } [ الزخرف : 3 ] أي أنزلناه ، { مِن بَحِيرَةٍ وَلاَ سَآئِبَةٍ وَلاَ وَصِيلَةٍ وَلاَ حَامٍ } .

وروى محمد بن إسحاق عن محمد بن إبراهيم التميمي عن أبي صالح السمّان عن أبي هريرة قال : " قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم لأكتم بن الجون : يا أكثم رأيت عمرو بن لحي بن قمعة بن خندف يجر قصبة في النار ، فما رأيت من رجل أشبه برجل منك به ولا بك منه ، وذلك إنه أول من غيّر دين إسماعيل ونصب الأوثان ، ونحر البحيرة ، وسيب السائبة ، ووصل الوصيلة ، وحمى الحامي ، ولقد رأيت في النار يؤذي أهل النار ريح قصبه " فقال أكثم : أخشى أن يضرني شبهه يا رسول اللّه ، قال : " لا أنت مؤمن وهو كافر " .

قال : وذلك أن الناقة إذا تابعت اثنتي عشرة إناثاً سيبت فلم يركب ظهرها ولا يجز وبرها ولم يشرب لبنها إلاّ ضيف ، فما نتجت بعد ذلك من أنثى شق أذنها ثم يخلى سبيلها مع أنها في الإبل يركب ظهرها ولا يجز وبرها ولم يشرب لبنها إلاّ ضيف ، كما فعل بأُمها وهي البحيرة بنت السائبة .

وقال ابن عباس : على أنهم كانوا إذا نتجت الناقة خمسة أبطن نظروا في البطن الخامس ، فإن كان ذكراًنحروه ، فأكله الرجال والنساء جميعاً وإن كانت أنثى شقوا أُذنها فتلك البحيرة ولا يجز لها وبر ، ولا يذكر عليها اسم اللّه إن ذُكيّت ولا يحمل عليها وحرّمت على النساء لا يذقن من ألبانها ولا ينتفعن بها وكانت لبنها ومنافعها خاصة للرجال دون النساء حتى تموت ، وإذا ماتت اشترك الرجال والنساء في أكلها .

وقيل : هو إنهم كانوا إذا ولد السقب بحروا أذنها وقالوا : اللهم إن عاش ففتي وإن مات فذكي ، فإذا مات أكلوه .

وأما السائبة فكان الرجل يسيب من ماله فيجيء به إلى السدنة فيدفعه إليهم فيطعمون منه أبناء السبيل من ألبانها ولحمانها إلاّ النساء فإنهم كانوا لا يعطونهن منها شيئاً حتى يموت ، فإذا مات أكلها الرجال والنساة جميعاً .

وقال علقمة : هي العبد [ يسيب ] على أن لا يكون له ولاء ولا عقل ، وله ميراث . فقال ( عليه السلام ) : " إنما الولاء لمن أعتق " وإنما أخرجها بلفظ الفاعلة وهي بمعنى المفعولة ، وهي المسيبة والمخلاة على مذهب قوله [ ماء دافق وعيشة ] راضية ، وأما الوصيلة فهي الشاة إذا ولدت سبعة أبطن فإن كان البطن السابع ذكراً ذبحوه وأهدوه للآلهة ، وإن كانت أنثى استحيوها ، فإن كانت ذكراً أو أنثى استحيوا الذكر من أجل الأنثى .

وقالوا : وصلت أخاها فلم يذبحوه ، وأما الحامي فهو الفحل إذا نتجت من صُلْبِهِ عشرة أبطن قيل حمى ظهره ، فلا يركب ولا يحمل عليه ولا يمنع من ماء ولا رعي إلا أن يموت ، فيأكله الرجال والنساء قال اللّه { وَلَكِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ يَفْتَرُونَ } يختلقون { عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ } في قولهم : واللّه أمرنا بها { وَأَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ } .