قوله سبحانه : { مَا جَعَلَ الله مِن بَحِيرَةٍ وَلاَ سَائِبَةٍ وَلاَ وَصِيلَةٍ وَلاَ حَامٍ }[ المائدة :103 ] .
أي : لم يجعلْ سبحانه شيئاً مِنْ ذلك ، ولا سَنَّهُ لعباده ، المعنى : ولكن الكُفَّار فعلوا ذلك ، كعَمْرِو بْنِ لُحَيٍّ ، وغيره مِنْ رؤسائهم ، { يَفْتَرُونَ عَلَى الله الكذب } بقولهم : هذه قربةٌ إلى اللَّهِ ، { وَأَكْثَرُهُمْ } ، يعني : الأتْبَاعَ { لاَ يَعْقِلُونَ } ، بل يتَّبِعون هذه الأمور تقليداً ، و{ جَعَلَ } في هذه الآية : لا يتَّجه أنْ تكون بمعنى «خَلَقَ » ، ولا بمعنى «صَيَّرَ » ، وإنما هي بمعنى : «مَا سَنَّ ولا شَرَعَ » ،
قال ( ص ) : { مَّا جَعَلَ } : ذَهَبَ ابن عطيةَ ، والزمخشريُّ ، إلى أنها بمعنى : «شَرَعَ » ، قال ابن عطيَّة : ولا تكونُ بمعنى «خلق » ، لأن اللَّه تعالى خَلَقَ هذه الأشياء كلَّها ، ولا بمعنى «صيَّر » ، لعدم المفعولِ الثاني ، قال أبو حيَّان : ولم يذكر النحويُّون لها هذا ، وقد جاء حَذْفُ أحد مفعولَيْ «ظَنَّ » وأخواتِها قليلاً ، فتحمل هذه على حَذْفِ المفعولِ الثانيِ ، أي : ما صَيَّر اللَّه { بحيرةً ولا سائبةً ولا وصيلةً ولا حام } مشروعاً ، وهو أولى من إثبات معنًى لم يُسْمَعْ فيها ، وذكر أبو البقاء ، أنها هنا بمعنى «سَمَّى » ، انتهى .
قُلْتُ : وحاصل كلامِ أبي حيَّان ، أنه شهادةٌ على نفْيٍ ، وعلى تقدير صحَّته ، فيحمل كلام ابن عطيَّة على أنه تفسيرُ معنًى ، لا تفسير إعرابٍ .
و( بحيرة ) : فعليةٌ بمعنى مَفْعُولة ، وبَحَرَ : شَقَّ ، كانوا إذا نُتِجَتِ النَّاقَةُ عَشَرَةَ بُطُونٍ ، شَقُّوا أذنها بِنِصْفَيْن طُولاً ، فهي مَبْحُورة ، وتُرِكَتْ ترعى ، وتَرِدُ الماء ، ولا ينتفعُ بشيء منْها ، ويحرَّمُ لحْمُها ، إذا ماتَتْ على النساء ، ويُحلَّلُ للرِّجَال ، وذلك كلُّه ضلالٌ ، و( السائبة ) : هي الناقة تسيَّب للآلهة ، والناقةُ أيضاً إذا تابَعَتْ اثنتَيْ عَشْرَةَ إناثاً ليس فيهِنَّ ذكَرٌ سُيِّبَتْ ، وكانت السوائبُ أيضاً في العرب ، كالقُرْبة عند المرَضِ ، يُبْرَأُ منه ، والقُدُوم من السفرِ ، وإذا نزل بأحدهم أمْرٌ يُشْكَرُ اللَّه تعالى عليه ، تقرَّب بأنْ يسيِّب ناقةً ، فلا ينتفعُ منها بِلَبَنٍ ، ولا ظَهْر ، ولا غَيْره ، يَروْنَ ذلك كعِتْقَ بني آدمَ ، ذكَره السُّدِّيُّ وغيره ، وكانَتِ العربُ تعتقدُ أنَّ مَنْ عَرَضَ لهذه النوقِ ، فأخذها أو انتفع منْهَا بشيْءٍ ، فإنه تلحقه عُقُوبةٌ مِنَ اللَّه ، و( الوصيلةُ ) : قال أكثر النَّاس : إن الوصيلَةَ في الغَنَمِ ، قالوا : إذا وَلَدتِ الشاة ثلاثةَ بُطونٍ ، أو خمسةً ، فإن كان آخرها جَدْياً ، ذبحوه لِبَيْت الآلهة ، وإن كان عَنَاقاً ، استحيوها ، وإن كان جَدْيا وعَنَاقا ، استحيوهما ، وقالوا : هذه العنَاقُ وَصَلَتْ أخاهَا ، فمنعتْهُ مِنْ أنْ يُذْبَحَ ، وعلى أن الوَصِيلة في الغَنَم ، جاءت الرِّوايات عن أكثر الناس ، وروي عَنِ ابن المسيَّب ، أن الوصيلة مِنَ الإبل ، وأما ( الحامِي ) ، فإنه الفَحْل من الإبل ، إذا ضَرَبَ في الإبل عشر سنين ، وقيل : إذا وُلِدَ من صُلْبه عَشْرٌ ، وقيل : إذا وُلِدَ مِن وَلَدِ ولده ، قالوا : حمى ظهره ، فسيَّبوه ، لا يركب ، ولا يسخَّر في شيء ، وعبارةُ الفَخْر : وقيل : الحامِي الفَحْلُ ، إذا رَكِبَ وَلَدُ وَلَدِهِ ، انتهى . قلتُ : والذي في «البخاريِّ » : و( الحامِ : فحلُ الإبلِ يَضْرِب الضِّرَابَ المعدُودَ ، وإذا قضى ضِرَابه ، وَدَعوهُ للطَّواغيتِ ، وأعْفَوْه من الحمل ، فلم يُحْمَلْ شيءٌ عليه ، وسمَّوْه الحامِيَ ) ، انتهى .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.