تفسير مقاتل بن سليمان - مقاتل  
{مَا جَعَلَ ٱللَّهُ مِنۢ بَحِيرَةٖ وَلَا سَآئِبَةٖ وَلَا وَصِيلَةٖ وَلَا حَامٖ وَلَٰكِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ يَفۡتَرُونَ عَلَى ٱللَّهِ ٱلۡكَذِبَۖ وَأَكۡثَرُهُمۡ لَا يَعۡقِلُونَ} (103)

قوله سبحانه : { ما جعل الله } حراما ، { من بحيرة } لقولهم : إن الله أمرنا بها ، نزلت في مشركي العرب ، منهم : قريش ، وكنانة ، وعامر بن صعصعة ، وبنو مدلج ، والحارث وعامر ابنى عبد مناة ، وخزاعة ، وثقيف ، أمرهم بذلك في الجاهلية عمرو بن ربيعة بن لحى بن قمعة بن خندف الخزاعي ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : "رأيت عمرو بن ربيعة الخزاعي رجلا قصيرا ، أشقر ، له وفرة ، يجر قصبة في النار ، يعني أمعاءه ، وهو أول من سيب السائبة ، واتخذ الوصيلة ، وحمى الحامي ، ونصب الأوثان حول الكعبة ، وغير دين الحنفية ، فأشبه الناس به أكثم بن لجون الخزاعي" ، فقال أكثم : أيضرني شبهه يا رسول الله ؟ قال : "لا أنت مؤمن وهو كافر" .

والبحيرة الناقة إذا ولدت خمسة أبطن ، فإذا كان الخامس سقيا ، وهو الذكر ، ذبحوه الآلهة ، فكان لحمه للرجال دون النساء ، وإن كان الخامس ربعة ، يعني أنثى ، شقوا أذنيها ، فهي البحيرة ، وكذلك من البقر ، لا يجز لها وبر ، ولا يذكر اسم الله عليها إن ركبت ، أو حمل عليها ، ولبنها للرجال دون النساء ، وأما السائبة ، فهي الأنثى من الأنعام كلها ، كان الرجل يسيب للآلهة ما شاء من إبله وبقره وغنمه ، ولا يسيب إلا الأنثى ، وظهورها ، وأولادها ، وأصوافها ، وأوبارها ، وأشعارها ، وألبانها للآلهة ، ومنافعها للرجال دون النساء ، وأما الوصيلة ، فهي الشاة من الغنم إذا ولدت سبعة أبطن عمدوا إلى السابع ، فإن كان جديا ذبحوه للآلهة ، وكان لحمه للرجال دون النساء ، وإن كانت عتاقا استحيوها ، فكانت من عرض الغنم .

قال عبد الله بن ثابت : قال أبي : قال أبو صالح : قال مقاتل : وإن وضعته ميتا ، أشرك في أكله الرجال والنساء ، فذلك قوله عز وجل : { وإن يكن ميتة فهم فيه شركاء } ( الأنعام : 139 ) ، بأن ولدت البطن السابع جديا وعتاقا ، قالوا : إن الأخت قد وصلت أخاها ، فرحمته علينا ، فحرما جميعا ، فكانت المنفعة للرجال دون النساء ، وأما الحام ، فهو الفحل من الإبل إذا ركب أولاد أولاده ، فبلغ ذلك عشرة أو أقل من ذلك ، قالوا : قد حمى هذا ظهره ، فأحرز نفسه ، فيهل للآلهة ولا يحمل عليه ، ولا يركب ، ولا يمنع من مرعى ، ولا ماء ، ولا حمى ، ولا ينحر أبدا حتى يموت موتا ، فأنزل الله عز وجل : { ما جعل الله } حراما ، { من بحيرة } { ولا سائبة ولا وصيلة ولا حام ولكن الذين كفروا } من قريش وخزاعة من مشركي العرب ، { يفترون على الله الكذب } ، لقولهم : إن الله أمرنا بتحريمه حين قالوا في الأعراف : { والله أمرنا بها } ( الأعراف : 28 ) ، يعني بتحريمها ، ثم قال : { وأكثرهم لا يعقلون } أن الله عز وجل لم يحرمه .