وقوله تعالى : { مَا جَعَلَ اللَّهُ مِنْ بَحِيرَةٍ وَلا سَائِبَةٍ وَلا وَصِيلَةٍ وَلا حَامٍ }
أي ما جعل الله قربانا مما جعلوا هم لأنهم كانوا يجعلون ما ذكر من البحيرة والسائبة وما ذكر قربانا يتقربون بذلك إلى الأصنام والأوثان التي كانوا يعبدونها دون الله ، فقال : ما جعل الله من ذلك شيئا مما جعلتم أنتم من البحيرة و السائبة .
فقوله تعالى : { مَا جَعَلَ اللَّهُ مِنْ بَحِيرَةٍ } وما ذكر أي ما أمر بذلك ، ولا أذن بها . قيل : حرم أهل الجاهلية هذه الأشياء ؛ منها ما حرموه على نسائهم دون رجالهم ، ومنها ما حرموه على الرجال والنساء ، ومنها ما جعلوه لآلهتهم به .
ثم قيل : البحيرة : ما كانوا يجدعون آذانها ، ويدعونها لآلهتهم . والسائبة : ما كانوا يسيبونها . والوصيلة : ما كانت الناقة إذا ولدت ذكرا وأنثى في بطن قالوا وصلت أخاها ، فلم يذبحوها ، وتركوها لآلهتهم .
قال أبو عبيدة : البحيرة إذا نتجت خمسة أبطن قطعت آذانها ، وتُركت . والسائبة ولدت خمسة أبطن سيبت ، فلا ترد عن حوض ولا علف . والوصيلة من الغنم إذا ولدت عناقين تُركا ، وإذا ولدت عناقا وجديا قالوا : وصلت العناق الجدي ، وتُرِكا ، وإذا نتجت [ ذكرا ] ذبح ، والحامي إذا بطر إلى عشرة من ولده قيل : حمي ظهره ، فلا يركب ، ولا يحمل عليه شيء .
وقال مجاهد : { ولا حام } إذا ضرب [ الفحل عشرا تركوه ] فهو الحامي ، والحامي اسم . والسائبة من الغنم على نحو ذلك ، إلا أنها [ ما ] ولدت من ولد بينها ستة أولاد كانت على هيئتها ، فإذا ولدت السابع ذكرا أو ذكرين ، نُحِرَ ، فأكله رجالهم دون نسائهم . وإن أتْأَمَتْ بذكر أو أنثى فهي وصيلة ؛ يُترك ذبح الذكر بالأنثى ، وإن كانتا اثنتين تركتا .
وقال القتبي : البحيرة الناقة إذا نتجت خمسة أبطن ، والخامس ذكر ، نحرن فأكله الرجال والنساء . وإن كان الخامس أنثى شقوا أذنها ، وكان حراما على النساء لحمها ولبنها . فإذا ماتت حلت للنساء . والسائبة البعير يسيب بنذر يكون على الرجل إن سلمه الله من مرضه ، أو بلَّغه منزلة أن يفعل ذلك .
والوصيلة من الغنم : كانوا إذا ولدت الشاة سبعة أبطن نظروا ، فإن كان السابع ذكرا ، ذبح ، فأكل منه الرجال والنساء ، وإن كان أنثى تُركت في الغنم ، وإن [ أَتْأَمت ذكرا أو أنثى ] قالوا : وصلت أخاها فلم يذبح لمكانها ، وكانت لحومها حراما على النساء ، وليست الأنثى حراما على النساء إلا أن يموت منهما شيء ، فيأكله الرجال والنساء .
والحامي الفَحْل إذا رُكب ولدُ ولدِه ، ويقال : إذا نُتِج من صلبه عشرة أبطن قالوا : حُمِيَ ظهره ، ولا يركب ، ولا يمنع من كلإ ولا ماء .
كانوا يحرمون الانتفاع بما ذكرنا ، ويقولون : إن الله حرم ذلك علينا . وهو ما ذكر في آية أخرى : قوله تعالى : { وجعلوا لله ما ذرأ من الحرث والأنعام نصيبا فقالوا هذا لله بزعمهم وهذا لشركائنا } ( الآية الأنعام : 136 ) يحرمون أشياء على أنفسهم ، ويضيفون تحريمها إلى الله .
ثم سفَّه أحلامهم بقوله تعالى : { ثمانية أزواج من الضأن اثنين ومن المعز اثنين قل ءالذكرين حرم أم الأنثيين أما اشتملت عليه أرحام الأنثيين }[ الأنعام 143 ] لم يكن تحريمهم هذه الأشياء بالسمع ، ولكن رياء منهم وتنجؤٌ . واحتج الله عليه على ذلك الوجه ليظهر فساد قولهم من الوجه الذي ادعوا ، فقال : { قل ءآلذكرين حرم أم الأنثيين } فإن قالوا : الذكرين فقد كان من الذكر ما لم يحرم . فإن قالوا : أنثى فقد كان من الأنثى لم يكن فيها تحريم . ففيه دليل أن الحكم إذا كان بعلة يجب وجوب ذلك الحكم ما كانت تلك العلة قائمة ، والله أعلم .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.