لطائف الإشارات للقشيري - القشيري  
{الٓمٓ} (1)

مقدمة السورة:

السورة التي تذكر فيها البقرة

الاسم المشتق من السمو والسمة ، فسبيل من يذكر هذا الاسم أن يتسم بظاهره بأنواع المجاهدات ، ويسمو بهمته إلى محال المشاهدات ، فمن عدم سمة المعاملات على ظاهرة ، وفقد سمو الهمة للمواصلات بسرائره لم يجد لطائف الذكر عند قالته ، ولا كرائم القرب في صفاء حالته .

فصل : معنى الله : الذي له الإلهية ، والإلهية استحقاق نعوت الجلال . فمعنى باسم الله : باسم من تفرد بالقوة والقدرة ، الرحمن الرحيم من توحد في ابتداء الفضل والنصرة . فسماع الإلهية يوجب الهيبة والاصطلام ، وسماع الرحمة يوجب القربة والإكرام . وكل من لاطفه الحق سبحانه عند سماع هذه الآية رده بين صحو ومحو ، وبقاء وفناء ، فإذا كاشفه بنعت الإلهية أشهده جلاله ، فحاله محو . وإذا كاشفه بنعت الرحمة أشهده جماله فحاله صحو :

أغيب إذا شهدتك ثم أحيا *** فكم أحيا لديك وكم أبيد

هذه الحروف المقطعة في أوائل السورة من المتشابِه الذي لا يعلم تأويله إلا الله - عند قوم ، ويقولون لكل كتاب سر ، وسر الله في القرآن هذه الحروف المقطعة . وعند قوم إنها مفاتح أسمائه ، فالألف من اسم ( الله ) ، واللام يدل على اسمه " اللطيف " ، والميم يدل على اسمه " المجيد " و " الملك " .

وقيل أقسم الله بهذه الحروف لشرفها لأنها بسائط أسمائه وخطابه .

وقيل إنها أسماء السور .

وقيل الألف تدل على اسم " الله " واللام تدل على اسم " جبريل " والميم تدل على اسم " محمد " صلى الله عليه وسلم ، فهذا الكتاب نزل من الله على لسان جبريل إلى محمد صلى الله عليه وسلم .

والألِف من بين سائر الحروف انفردت عن أشكالها بأنها لا تتصل بحرف في الخط وسائر الحروف يتصل بها إلا حروف يسيرة ، فينتبه العبد عند تأمل هذه الصفة إلى احتياج الخلق بجملتهم إليه ، واستغنائه عن الجميع .

ويقال يتذكر العبد المخلص مِنْ حالة الألف تَقَدُّسَ الحق سبحانه وتعالى عن التخصص بالمكان ؛ فإن سائر الحروف لها محل من الحَلقْ أو الشفة أو اللسان إلى غيره من المدارج غير الألف فإنها هويته ، لا تضاف إلى محل .

ويقال الإشارة منها إلى انفراد العبد لله سبحانه وتعالى فيكون كالألف لا يتصل بحرف ، ولا يزول عن حالة الاستقامة والانتصاب بين يديه .

ويقال يطالب العبد في سره عند مخاطبته بالألف بانفراد القلب إلى الله تعالى ، وعند مخاطبته باللام بلين جانبه في ( مَراعاة ) حقه ، وعند سماع الميم بموافقة أمره فيما يكلفه .

ويقال اختص كل حرف بصيغة مخصوصة وانفردت الألف باستواء القامة ، والتميز عن الاتصال بشيء من أضرابها من الحروف ، فجعل لها صدر الكتاب إشارة إلى أن من تجرَّد عن الاتصال بالأمثال والأشغال حَظِي بالرتبة العليا ، وفاز بالدرجة القصوى ، وصلح للتخاطب بالحروف المنفردة التي هي غير مركبة ، على سنة الأحباب في ستر الحال ، وإخفاء الأمر على الأجنبي من القصة - قال شاعرهم :

قلت لها قفي قالت قاف *** . . .

لا تحسبي أَنَّا نسبنا لا يخاف *** . . .

ولم يقل وقفت ستراً على الرقيب ولم يقل لا أقف مراعاة لقلب الحبيب بل : " قالت قاف " .

ويقال تكثر العبارات للعموم والرموز والإشارات للخصوص ، أَسْمَعَ موسى كلامَه في ألف موطن ، وقال لنبيّنا محمد صلى الله عليه وسلم : أَلِفْ . . . وقال عليه السلام : " أوتيتُ جوامْع الكلِم فاختُصِرَ لي الكلامُ اختصاراً " وقال بعضهم : قال لي مولاي : ما هذا الدنَف ؟ قلت : تهواني ؟ قال : لام ألف .