لطائف الإشارات للقشيري - القشيري  
{مَّن ذَا ٱلَّذِي يُقۡرِضُ ٱللَّهَ قَرۡضًا حَسَنٗا فَيُضَٰعِفَهُۥ لَهُۥٓ أَضۡعَافٗا كَثِيرَةٗۚ وَٱللَّهُ يَقۡبِضُ وَيَبۡصُۜطُ وَإِلَيۡهِ تُرۡجَعُونَ} (245)

سُمِّي القرض قرضاً لأنه يقطع من ماله شيئاً ليعطيه للمقترض ، والمتصدِّق لما يقطع الصدقة من ماله سميت صدقته قرضاً ، فالقرض القطع ، ولكن هذه التسمية لحفظ قلوب الأحباب حيث خاطبك في باب الصدقة باسم القرض ولفظه .

ويقال دلّت الآية على عِظَم رتبة الغَنِيِّ حيث سأل منه القرض ، ولكن رتبة الفقير في هذا أعظم لأنه سأَل لأَجْله القَرضَ ، وقد يسأل القرض من كل أحد ولكن لا يسأل لأجل كل أحد . وفي الخبر " مات رسول الله صلى الله عليه وسلم ودرعه مرهونة عند أبي شحمة اليهودي على شعير أخذه لقوت عياله أَبْصِرْ مِمَّن اقترض ولأجل مَنْ اقترض " .

ويقال القرض الحسن ما لا تتطلع عليه لجزاء ولا تطلب بسببه العِوَض .

ويقال القرض الحسن ألا يعطى على الغفلة ، وإنما يعطى عن شهود .

ويقال القرض الحسن من العلماء إذا كان عند ظهر الغني ، ومن الأكابر إذا كان بشرط الإيثار يعطى ما لا بد منه .

ويقال القرض الحسن من العلماء عن مائتين خَمْسَة ، وعلى لسان القوم بذل الكل ، وزيادة الروح على ما يبذل .

قوله جلّ ذكره : { وَاللهُ يَقْبِضُ وَيَبْسطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ } .

يقبض الصدقة من الأغنياء قبض قبوله ، ويبسط عليهم بسط خَلَفِه .

ويقال يقبض الرزق أي يُضَيق ، يبسط الرزق أي يوسِّع ؛ يقبض على الفقراء ليمتحنَهم بالصبر ، ويبسط على الأغنياء ليطالبهم بالشكر .

ويقال يقبض تسلية للفقراء ليطالبهم حتى لا يروا من الأغنياء ، ويبسط لئلا يتقلدوا المِنَّةَ من الأغنياء .

ويقال قال للأغنياء : إذا أنا قبضت الرزق على الفقراء فلا تذروهم ، وإذا أنا بسطت عليكم فلا تروا ذلك لفضيلة لكم .

ويقال قَبَضَ القلوب بإعراضه وبَسَطَها بإقباله .

ويقال القبض لما غلب القلوب من الخوف ، والبسط لما يغلب عليها من الرجاء .

ويقال القبض لقهره والبسط لِبِرَّه .

ويقال القبض لِسرِّه والبسط لكشْفِه .

ويقال القبض للمريدين والبسط للمُرادين .

ويقال القبض للمتسابقين والبسط للعارفين .

ويقال يقبضك عنك ثم يبسطك به .

ويقال القبض حقه ، والبسط حظك .

ويقال القبض لمن تولَّى عن الحق ، والبسط لمن تجلى له الحق .

ويقال يقبض إذا أَشْهَدَكَ فِعْلَكَ ، ويبسط إذا أشهدك فضله .

ويقال يقبض بذكر العذاب ويبسط بذكر الإيجاب .