الهداية إلى بلوغ النهاية لمكي بن ابي طالب - مكي ابن أبي طالب  
{مَّن ذَا ٱلَّذِي يُقۡرِضُ ٱللَّهَ قَرۡضًا حَسَنٗا فَيُضَٰعِفَهُۥ لَهُۥٓ أَضۡعَافٗا كَثِيرَةٗۚ وَٱللَّهُ يَقۡبِضُ وَيَبۡصُۜطُ وَإِلَيۡهِ تُرۡجَعُونَ} (245)

قوله : ( مَّن ذَا الذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضَاعِفُهُ لَهُ ) الآية( {[7951]} ) [ 243 ] .

قال ابن زيد : " هذا في الجهاد يضاعف له بالواحد سبعمائة( {[7952]} ) .

ولما نزلت الآية ، قالت اليهود : " هو فقير يستقرض " ، يُمَوِّهُونَ بذلك على الضعفاء ، فأنزل الله( {[7953]} ) : ( لَّقَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ )( {[7954]} )( {[7955]} ) .

وقال السدي( {[7956]} ) : " هذا التضعيف لا يعلم أحد ما هو ؟ " ( {[7957]} ) .

وروي أن هذه الآية نزلت في أبي [ الدحداح الأنصاري( {[7958]} ) كان من أفاضل الأنصار رحمه/الله . ولما حض( {[7959]} ) الله المؤمنين على الصدقة ، قال : يا رسول الله ، ربنا يستقرض منا ؟ قال رسول الله [ عليه السلام ]( {[7960]} ) : نعم ، ليعظم بذلك ثوابك ، فقال يا رسول الله ، والله ما أَمْلِكُ غير حائطي ، وقد جعلته لله عز وجل وأرضى بثوابه . ثم مضى في الحائط وفيه امرأته وصبيانه ، فصاح من خارج بامرأته : خذي بيد( {[7961]} ) الصبية فاخرجي ، فإني سمعت الله يستقرض( {[7962]} ) خلقه ليعظم بذلك ثوابهم فأقرضته حائطي . فقالت له امرأته : لا تقيل ولا تقال ، ربح بيعك( {[7963]} ) . وأخذت بيد الصبية ، وخرجت والنخيل موقورة رطباً وزهواً( {[7964]} ) . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " كم( {[7965]} ) من غدق مذلل في الجنة لأبي( {[7966]} ) الدحداح " ( {[7967]} ) .

وقالت اليهود : " إنما ربنا فقير يستقرض منا ، ومن لم نر غنياً يستقرض من فقير . فأنزل الله ، ( لَّقَدْ [ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ ]( {[7968]} ) الذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ )( {[7969]} ) الآيات( {[7970]} ) .

وعن الحسن أنه قال في حديث له طول : " لما نزلت الآية أتى أبو الدحداح النبي صلى الله عليه وسلم وقال : يا نبي/الله إني قد أقرضت الله حائطي . فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم/ : أَيُّ( {[7971]} ) أَحَدِهِمَا يَا أبَا الدَّحْدَاحِ ؟ قال : اختر خيرهما . قال : أَبْشِرْ يَا أَبَا الدَّحْدَاحِ ، فَإِنَّ اللَّهَ قَدْ أَضْعَفَ لَكَ ذَلِكَ فِي الجَنَّةِ بِأَلْفِ أَلْفٍ . قال : فمضى أبو الدحداح وأخرج( {[7972]} ) أولاده من الحائط ، وجعل( {[7973]} ) يخرج التمرة من فم هذا ومن حجر هذا ، ومن كم هذا ، ويلقيها في الحائط وأنشأ( {[7974]} ) يقول :

يَا أُمَّ دَحْدَاحِ هَدَاكِ الهَادِي إِلَى سَبِيلِ الخَيْرِ وَالرَّشَادِ

بينِي( {[7975]} ) مِنَ الحَائِطِ وَسْطَ الوَادِي فَقَدْ مَضَى قَرْضاً إِلَى التَّنَادِ( {[7976]} )

أَقْرَضْتُهُ اللَّهَ عَلَى اعْتِمَادِ طَوْعاً بِلاَ مَنٍّ وَلاَ ارْتِدَادِ

إِلاَّ( {[7977]} ) رَجَاءَ الضِّعْفِ فِي المَعَادِ فَوَرِّطِي الحَائِطَ قَبْلَ الغَادِ

وَارْتَجِلي بالفَقْرِ وَالأَوْلادِ/ قَبْلَ تَدَاعِيهِمْ( {[7978]} ) إِلَى الجَدادِ( {[7979]} )

وَاسْتَبْقِي( {[7980]} ) وُفِّقْتِ( {[7981]} ) لِلرَّشَادِ إِنَّ التُّقَى وَالبِرَّ خَيْرُ زَادِ

قَدَّمَهُ المَرْءُ إِلَى المعَادِ

فأجابته أم( {[7982]} ) الدحداح :

بَشَّرَكَ اللَّهُ بِخَيْرٍ وَفَلاَحْ( {[7983]} ) مِثْلُكَ أَجْرَى مَا لَدَيْهِ وَنَصَحْ

وَانْتَهَزَ الحَظَّ إِذَا الحَظُّ وَضَحْ قَدْ مَتَّعَ اللهُ عِيَالِي مَا( {[7984]} ) صَلَحْ

بِالْعَجْوَةِ( {[7985]} ) السَّوْدَاءِ وَالزَهُوٍ البَلَحْ وَاللَّهُ أَوْلَى بِالذِي كَانَ مَنَحْ

مَعْ عَاجِلِ التَّضْعِيفِ فِيمَا قَدْ شَرَحْ( {[7986]} ) وَالمرء يَسْعَى( {[7987]} ) وَلَهُ( {[7988]} ) مَا قَدْ كَدَحْ( {[7989]} )

طُولَ اللَّيَالِي وَعَلَيْهِ مَا اجْتَرَحْ( {[7990]} )

فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إِنَّ اللَّهَ قَدْ أَضْعَفَهُ لَهُ فِي الجَنَّةِ بِأَلْفَيْ( {[7991]} ) أَلْفٍ " ( {[7992]} ) .

ومعنى ( يَقْبِضُ( {[7993]} ) وَيَبْصُطُ ) [ 243 ] –بالصاد- أي يقبض الأرزاق فيضيقها على من يشاء ويبسطها فيوسعها على من يشاء .

( وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ) [ 243 ] . أي( {[7994]} ) إليه مرجعكم في معادكم .


[7951]:- سقط من ع2، ع3.
[7952]:- انظر: جامع البيان 5/283.
[7953]:- في ع2، ق، ع3: الله قوله.
[7954]:- آل عمران آية 181.
[7955]:- انظر: أسباب النزول 112، ولباب النقول 61-62.
[7956]:- سقط حرف الواو من ق، ع3.
[7957]:- انظر: جامع البيان 5/286، والدر المنثور 1/745.
[7958]:- في ع3: الدحدح الأنصار. وهو تحريف. وهو ثابت بن الدحداح بن غنم، ويقال إن اسمه ثابت بن الدحداحة، وبكى أبا الدحداح وأبا الدحداحة. انظر: الإصابة 1/386-287. (ط.القاهرة).
[7959]:- في ع1: خص، وهو تصحيف.
[7960]:- في ع2، ع3: صلى الله عليه وسلم.
[7961]:- في ع3: بيدي. وفي ق: يبكي.
[7962]:- في ع3: فيستقرض.
[7963]:- في ع2: بيعتك.
[7964]:- والزهو هو البسر، نوع من التمر، إذا ظهرت فيه حمرة، وقيل إذا تلون واحدته زهوة. انظر: اللسان 2/60.
[7965]:- سقط من ع2، ع3.
[7966]:- في ق: بأبي.
[7967]:- انظر: تفسير ابن مسعود 2/132-133، وتفسير القرطبي 3/237-238، والدر المنثور 1/745-746.
[7968]:- في ع1، ح: كفر، وفي ق: كفر الله قول.
[7969]:- آل عمران آية 181.
[7970]:- في ق: الآية.
[7971]:- في ع1، ع3: أو.
[7972]:- في ع2، ع3: فأخرج.
[7973]:- في ع3: أخذ.
[7974]:- في ع3: أنشد.
[7975]:- يقال: بَانَ مِنْهُ وَعَنْهُ بَيْناً وَبُيُوناً وَبَيْنُونَةً إذا بَعُدَ وانفصل، ومنه بانت المرأة عن زوجها. انظر: اللسان 1/300.
[7976]:- أي يوم التناد، وهو يوم القيامة. سمي بذلك لأن الناس حين يخرجون من الأجداث، يذهبون هاربين ينادي بعضهم بعضاً. ومنه قوله تعالى على لسان مؤمن آل فرعون: (وَيَا قَوْمِ إِنِّيَ أَخَافُ عَلَيْكُمْ يَوْمَ التَّنَادِ يَوْمَ يُوَلُّونَ مُدْبِرِينَ مَالَكُم مِّنَ اللَّهِ مِنْ عَاصِمٍ) [غافر: 32-33]. انظر: تفسير ابن كثير 4/79.
[7977]:- في ع1، ع2، ق، ع3: إلى. وتصويبه من ح، ومن تفسير القرطبي 3/238.
[7978]:- في ع1: تدعيهم. وَتَدَاعَى القوم: دعَا بعضهم بعضاً حتى يجتمعوا، وفي الحديث الصحيح. "كَمَثَلِ الجَسَدِ الوَاحِدِ، إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الجَسَدِ بِالسَّهَرِ والحُمَّى"، كأن بعضه دعا بعضاً. انظر: اللسان 1/988.
[7979]:- في ع2: الجراد. والجَدَادِ، هو أوانُ قطع ثمر النخل، "وَجَدَّ الثَّمْرَ" صَرَمَهُ، أي قطعه. وفي الحديث "نهى النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم عَنْ جَدَادِ اللَّيْلِ". انظر: اللسان 1/415.
[7980]:- في ع2، ع3: استبقني.
[7981]:- في ق، ع3: وقفت. وهو تصحيف.
[7982]:- في ع3: أم أبي.
[7983]:- عند القرطبي: وفرح 3/238 [المدقق].
[7984]:- في ع2، ح: لما. وفي ق: ما.
[7985]:- في جميع النسخ: العجوة. وتوجيهه من تفسير القرطبي 3/233. والعجوة هو ضرب من أجود التمر بالمدينة. انظر: اللسان 2/701.
[7986]:- في ع2، ع3: سرح.
[7987]:- في ع3: يسع. وهو خطأ.
[7988]:- في ق: دونه.
[7989]:- في جميع النسخ: قدح. وتصويبه من تفسير القرطبي 3/233.
[7990]:- قوله: "طول الليالي..اجترح" ساقط من ع3.
[7991]:- في ق: ألف.
[7992]:- انظر: مجمع الزوائد 6/321، وتفسير القرطبي 3/238-239.
[7993]:- في ق: نقيض. وهو تصحيف.
[7994]:- سقط من ع3.