القرض : القطع بالسن ومنه سمى المقراض لأنه يقطع به ، ويقال : انقرض القوم أي ماتوا ، وانقطع خبرهم ، ومنه : أقرضت فلاناً أي قطعت له ؛ قطعة من المال ، وقال الأخفش : تقول العرب : لك عندي قرض صدق وقرض سوء ، لأمر : تأتي مسرته ومساءته ؛ وقال الزجاج : القرض : البلاء الحسن والبلاء السيء ؛ وقال الليث : القرض : اسم لكل ما يلتمس عليه الجزاء ، يقال : أقرض فلان فلاناً ، أعطاه ما يتجازاه منه .
والاسم منه : القرض ، وهو ما أعطيته لتكافىء عليه ؛ وقال ابن كيسان : القرض : أن تعطي شيئاً ليرجع إليك مثله ، ويقال : تقارضا الثناء أثنى كل واحد منهما على صاحبه ، ويقال قارضه الودّ والثناء ؛ وحكى الكسائي : القِرض بالكسر ، والأشهر بفتح القاف .
الضعف : مثل قدرين متساويين ، ويقال مثل الشيء في المقدار ، وضعف الشيء مثله ثلاث مرات إلاَّ أنه إذا قيل ضعفان فقد يطلق على الإثنين المثلين في القدر من حيث إن كل واحد يضعف الآخر ، كما يقال : الزوجان لكل واحد منهما زوجاً للآخر ، وفرق بعضهم بين : يضاعف ويضعف ، فقال : التضعيف : لما جعل مثلين ، والمضاعفة لما زيد عليه أكثر من ذلك .
القبض : ضم الشيء والجمع عليه والبسط ضده ، ومنه قول أبي تمام :
{ من ذا الذي يقرض الله قرضاً حسناً فيضاعفه له أضعافاً كثيرة } هذا على سبيل التأسيس والتقريب للناس بما يفهمونه والله هو الغني الحميد ، شبه تعالى عطاء المؤمن في الدنيا بما يرجو ثوابه في الآخرة بالقرض ، كما شبه بذل النفوس والأموال في الجنة بالبيع والشراء .
ومناسبة هذه الآية لما قبلها : أنه تعالى لما أمر بالقتال في سبيل الله ، وكان ذلك مما يفضي إلى بذل النفوس والأموال في إعزاز دين الله ، أثنى على من بذل شيئاً من ماله في طاعة الله ، وكان هذا أقل حرجاً على المؤمنين ، إذ ليس فيه إلاَّ بذل المال دون النفس ، فأتى بهذه الجملة الإستفهامية المتضمنة معنى الطلب .
قال ابن المغربي : انقسم الخلق حين سمعوا هذه الآية إلى فرق ثلاثة .
الأولى : اليهود ، قالوا : إن رب محمد يحتاج إلينا ونحن أغنياء ، وهذه جهالة عظيمة ، ورد عليهم بقوله : { لقد سمع الله قول الذين قالوا إن الله فقير ونحن أغنياء }
والثانية : آثرت الشح والبخل ، وقدّمت الرغبة في المال .
الثالثة : بادرت إلى الامتثال ، كفعل أبي الدحداح وغيره . انتهى .
و : مَنْ ، استفهامية في موضع رفع على الابتداء ، وخبره : ذا ، و : الذي ، نعت : لذا ، أو : بدل منه ، ومنع أبو البقاء أن تكون : من ، وذا ، بمنزلة اسم واحد ، كما كانت : ما ، مع : ذا ، قال : لأن : ما ، أشد إبهاماً من : مَنْ ، إذا كانت : من ، لمن يعقل .
وأصحابنا يجيزون تركيب : من ، مع : ذا ، في الاستفهام وتصيرهما كاسم واحد ، كما يجيزون ذلك في : ما ، و : ذا ، فيجيزون في : من ذا عندك ، أن يكون : من وذا ، بمنزلة اسم الاستفهام .
وانتصب لفظ الجلالة : بيقرض ، وهو على حذف مضاف أي : عباد الله المحاويج ، أسند الإستقراض إلى الله وهو المنزه عن الحاجات ، ترغيباً في الصدقة ، كما أضاف الإحسان إلى المريض والجائع والعطشان إلى نفسه تعالى في قوله ، جل وعلا : « يا ابن آدم مرضت فلم تعدني واستطعمتك فلم تطعمني واستسقيتك فلم تسقني » الحديث خرجه مسلم ، والبخاري .
وانتصب : قرضاً ، على المصدر الجاري على غير الصدر ، فكأنه قيل : إقراضاً ، أو على أنه مفعول به ، فيكون بمعنى : مقروض ، أي : قطعة من المال ، كالخلق بمعنى المخلوق .
وانتصب : حسناً ، على أن يكون صفة لقوله : قرضاً ، وهو الظاهر ، أو على أن يكون نعتاً لمصدر محذوف إذا أعربنا قرضاً مفعولاً به ، أي : إقراضاً حسناً ، ووصفه بالحسن لكونه طيب النية خالصاً لله ، قاله ابن المبارك .
أو : لكونه يحتسب عند الله ثوابه ، أو : لكونه جيداً كثيراً ، أو : لكونه بلا منّ ولا أذىً ، قاله عمرو بن عثمان ، أو : لكونه لا يطلب به عوضاً ، قاله سهيل بن عبد الله القشيري التستري .
وقرأ ابن كثير ، وابن عامر : فيضعفه ، بالتشديد من ضعف ، والباقون : فيضاعفه ، من ضاعف ، وقد تقدم أنهما بمعنى .
وقيل : معناهما مختلف ، وقد ذكرنا ذلك عند الكلام على المفردات .
وقرأ ابن عامر ، وعاصم ، بنصب الفاء ، والباقون بالرفع على العطف على صلة الذي ، وهو قوله : يقرض ، أو على الاستئناف ، أي : فهو يضاعفه ، والأول أحسن ، لأنه لا حذف فيه ، والنصب على أن يكون جواباً للاستفهام على المعنى ، لأن الاستفهام ، وإن كان عن المقرض ، فهو عن الإقراض في المعنى فكأنه قيل : أيقرض الله أحد فيضاعفه ؟ وقال أبو علي : الرفع أحسن ، وذهب بعض النحويين إلى أنه : إذا كان الاستفهام عن المسند إليه الحكم ، لا عن الحكم ، فلا يجوز النصب بإضمار أن بعد الفاء في الجواب ، فهو محجوج بهذه القراءة المتواترة ، وقد جاء في الحديث : « من يدعوني فأستجيب له ، من يستغفرني فأغفر له » وكذلك سائر أدوات الإستفهام الإسمية والحرفية .
وانتصب : أضعافاً ، على الحال من الهاء في : يضاعفه ، قيل : ويجوز أن ينتصب على أنه مفعول به ، تضمن معنى فيضاعفه : فيصيره .
ويجوز أن ينتصب على المصدر باعتبار أن يطلق الضعف ، وهو المضاعف أو المضعف ، بمعنى المضاعفة أو التضعيف ، كما أطلق العطاء وهو اسم المعطى بمعنى الإعطاء ، وجمع لاختلاف جهات التضعيف باعتبار الإخلاص ، وهذه المضاعفة غير محدودة لكنها كثيرة .
قال الحسن ، والسدّي : لا يعلم كُنْهَ التضعيف إلاَّ الله تعالى : وهو قول ابن عباس ، وقد رويت مقادير من التضعيف ، وجاء في القرآن : { كمثل حبة أنبتت سبع سنابل في كل سنبلة مائة حبة } ثم قال : { والله يضاعف لمن يشاء }
قيل والآية عامّة في سائر وجوه البرّ من : صدقة ، وجهاد ، وغير ذلك ، وقيل : خاصة بالنفقة في الجهاد ، وقيل : بالصدقة وإنفاق المال على الفقراء المحتاجين .
{ والله يقبض ويبسط } أي : يسلب قوماً ويعطي قوماً ، أو : يقتر ويوسع ، قاله الحسن ، أو : يقبض الصدقات ويخلف البذل مبسوطاً ، أو : يقبض أي : يميت لأن من أماته فقد قبضه ، ويبسط أي : يحييه ، لأن من مدّ له في عمره فقد بسطه ، أو : يقبض بعض القلوب فلا تنبسط ، ويبسط بعضها فيقدّم خيراً لنفسه ، أو : يقبض بتعجيل الأجل ، ويبسط بطول الأمل ، أو : يقبض بالخطر ويبسط بالإباحة ، أو : يقبض الصدر ويوسعه ، أو يقبض يد من يشاء بالإنفاق في سبيله ، يبسط يد من يشاء بالإنفاق ؛ قاله أبو سليمان الدمشقي وغيره ، أو : يقبض الصدقة ويبسط الثواب ، قاله الزجاج .
وللمتصوّفة في : القبض والبسط ، أقاويل كثيرة غير هذه .
وقرأ حمزة بخلاف عن خلادٍ ، وحفص ، وهشام ، وقنبل ، والنقاش ، عن الأخفش هنا ، وأبو قرّة عن نافع : يبسط بالسين ، وخير الحلواني ، عن قالون ، عن نافع ، والباقون : بالصاد .
{ وإليه ترجعون } خبر معناه الوعيد أي : فيجازيكم بأعمالكم .
قيل : وتضمنت هذه الآية الكريمة من ضروب علم البيان ، وصنوف البلاغة : الاستفهام الذي أجرى مجرى التعجب في قوله : { ألم تر إلى الذين } والحذف بين : موتوا ثم أحياهم ، أي : فماتوا ثم أحياهم ، وفي قوله تعالى : فقال لهم الله ، أي : ملك الله بإذنه ، وفي لا لا يشكرونه ، وفي قوله : سميع لأقوالكم عليم باعمالكم ، وفي قوله : ترجعون ، فيجازي كلاً بما عمل .
والطباق في قوله : موتوا ثم أحياهم ، وفي : يقبض ويبسط ؛ والتكرار في : على الناس ، ولكن أكثر الناس ؛ والالتفات في : وقاتلوا في سبيل الله ؛ والتشبيه بغير أداته في : قرضاً حسناً ، شبه قبوله تعالى إنفاق العبد في سبيله ومجازاته عليه بالقرض الحقيقي ، فأطلق اسم القرض عليه ، والاختصاص بوصفه بقوله : حسناً ؛ والتجنيس المغاير في قوله : فيضاعفه له أضعافاً .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.