بحر العلوم لعلي بن يحيى السمرقندي - السمرقندي  
{مَّن ذَا ٱلَّذِي يُقۡرِضُ ٱللَّهَ قَرۡضًا حَسَنٗا فَيُضَٰعِفَهُۥ لَهُۥٓ أَضۡعَافٗا كَثِيرَةٗۚ وَٱللَّهُ يَقۡبِضُ وَيَبۡصُۜطُ وَإِلَيۡهِ تُرۡجَعُونَ} (245)

قوله عز وجل : { مَّن ذَا الذي يُقْرِضُ الله قَرْضًا حَسَنًا } . نزلت في شأن أبي الدحداح ، قال : يا رسول الله ، إن لي حديقتين لو تصدقت بواحدة منهما ، أيكون لي مثلها في الجنة ؟ قال «نَعَمْ » . قال : وأم الدحداح معي ؟ يعني امرأته . قال : «نَعَمْ » . قال : والدحداح معي ؟ يعني ابنه . فقال : «نَعَمْ » . قال : أشهدك أني قد جعلت حديقتي لله تعالى . ثم جاء إلى الحديقة ، فقام على الباب وتحرج الدخول فيها ، بعدما جعلها لله تعالى ونادى : يا أم الدحداح اخرجي ، فإني جعلت حديقتي لله تعالى ، فخرجت وتحولت إلى حديقة أخرى ، وقالت له : هنيئاً لك بما فعلت أو كما فعلت ، فنزل قوله تعالى : { فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً } يعني ألفي ألف ضعف .

قال الفقيه : حدثنا عبد الرحمن بن محمد قال : حدثنا فارس بن مردويه قال : حدثنا محمد بن الفضيل قال : حدثنا المعلى بن منصور قال : حدثنا جعفر قال : حدثنا علي بن زيد ، عن أبي عثمان النهدي قال : بلغني عن أبي هريرة حديث أنه قال : إن الله تعالى يكتب للعبد المؤمن بالحسنة الواحدة ألف ألف حسنة فحججت ذلك العام لألقى أبا هريرة ، فأكلمه في هذا الحديث فلقيته فأخبرته فقال : ليس كذا قلت ، ولم يحفظ الذي حدثك عني . وإنما قلت : ألفي ألف حسنة . ثم قال أبو هريرة : أو لستم تجدون في كتاب الله تعالى : { مَّن ذَا الذي يُقْرِضُ الله قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً } . فقوله : { كَثِيرَةٍ } أكثر من ألف ألف ومن ألفي ألف .

ثم قال تعالى : { والله يَقْبِضُ } ، أي يقتر الرزق على من يشاء ؛ { وَيَبسُطُ } ، أي يوسع على من يشاء من عباده . ويقال : يقبض الصدقات ويخلفها الثواب في الدنيا والآخرة . وقال بعضهم يسلب قوماً ما أنعم عليهم ويوسع على آخرين . { وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ } في الآخرة قرأ حمزة والكسائي ونافع وأبو عمرو : { فَيُضَاعِفَهُ } بالألف وبضم الفاء ، وقرأ عاصم { فَيُضَاعِفَهُ } بالألف وبنصب الفاء ، وقرأ ابن كثير { فَيُضْعِفُهُ } بغير ألف وبضم الفاء ، وقرأ ابن عامر : { فَيُضْعِفُهُ } بغير ألف وبنصب الفاء . فأما من قرأ : { فَيُضَاعِفَهُ } [ بالألف والضم ] ، { يضاعفه } فهما لغتان بمعنى واحد . يقال : ضاعفت الشيء وضعفته . ومن قرأ بضم الفاء عطفه على قوله : { يُقْرِضُ الله } . ومن نصبه فعلى جواب الاستفهام . وقرأ نافع { يَبْصُطُ } بالصاد ، وقرأ الباقون : بالسين وهو أظهر عند أهل اللغة . وفي كل موضع يكون الصاد قريباً من الطاء ، جاز أن يقرأ بالسين وبالصاد مثل المصيطرون ومثل : الصراط ، لأنه يشتد فرق الصاد عند ذلك فيجوز القراءة بالسين .