تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته  
{مَّن ذَا ٱلَّذِي يُقۡرِضُ ٱللَّهَ قَرۡضًا حَسَنٗا فَيُضَٰعِفَهُۥ لَهُۥٓ أَضۡعَافٗا كَثِيرَةٗۚ وَٱللَّهُ يَقۡبِضُ وَيَبۡصُۜطُ وَإِلَيۡهِ تُرۡجَعُونَ} (245)

المفردات :

يقرض : الإقراض : إعطاء شخص مالا لغيره ليرده إليه بعد حين .

ويبسط : يوسع من يشاء .

المعنى الإجمالي :

والجهاد في سبيل الله يحتاج إلى المال فقدموا أموالكم ، فأي امرئ لا يبذل أمواله لله طيبة بها نفسه ، وقد وعد الله أن يردها عليه مضاعفة أضعافا كثيرة ، والرزق بيد الله فيضيق على من يشاء ويوسع لمن يشاء لما في مصلحتكم ، وإليه مصيركم فيجازيكم على ما بذلتم ، ومع أن الرزق من فضل الله وعنايته وأنه هو الذي يعطي ويمنع ، سمي المنفي مقرضا للحث على الإنفاق والتحبيب فيه ، وتأكيد الجزاء المضاعف في الدنيا والآخرة .

ثم حرضهم على الإنفاق في سبيل الله بأموالهم ، بعد أن أمرهم ببذل أنفسهم فقال :

{ من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا فيضاعفه له أضعافا كثيرة }

بهذا الأسلوب الاستفهامي البليغ يدفعنا الله تعالى دفعا إلى المشاركة بالمال ، في الإعداد للقتال إعدادا نرهب به عدو الله وعدو دينه لتكون كلمة الله هي العليا .

وقد صورت الآية إعطاء الباذلة ماله في سبيل الله يبتغي ثوابه بصورة تقديم قرض إلى مقترض ، للإيذان بأن ثوابه محقق ، ولازم لزوم أداء الدين .

وفي الآية لطف من الله إلى عباده ، وتوثيق لثوابه وأنه لزم الأداء تفضلا منه وتحقيقا لوعده الذي لا يختلف ، حيث جعل نعمته التي أنعم بها على عباده إذا أنفقوها في سبيل اله كأنها قرض يقدمونه له سبحانه مباشرة ، مع أنه غني عن عباده ، فهو الذي يقول : { والله الغني وأنتم الفقراء }( محمد : 38 ) .

والمراد بكون القرض حسنا أن يكون حلالا طيبا ومع أن القرض مع الناس يؤدي بمثله فإنه تعالى بين لعباده أن القرض معه يؤد مضاعفا ، إذ قال : { فيضاعفه له أضعافا كثيرة } . عوضا عن هذا القرض الذي قدموه خالصا لله ، وتلك المضاعفة تكون في وقت تشتد فيه حاجتهم إلى هذا الربح الوفير وهو يوم القيامة .

وقد بين الله هذه المضاعفة في أواخر السورة إذ يقول : { مثل الذين ينفقون في سبيل الله كمثل حبة أنبتت سبع سنابل في كل سنبلة مائة حبة والله يضاعف لمن يشاء والله سميع عليم }( البقرة : 261 ) .

{ والله يقبض ويبصط وإليه ترجعون }

أي يضيق الرزق على بعض ويوسعه على بعض أو يضيقه تارة ويوسعه أخرى ، حسبما تقتضيه الحكمة .

وعلمتم أنه تعالى واهب الأرزاق ، يوسعها ويضيقها كما يشاء وأن ما عندكم هو من بسطه وعطائه ، فأنفقوا مما وسع عليكم ، ولا تبخلوا بما هو من فضله ، فإنه مجازيكم عل إنفاقكم جزءا مضاعفا ، حسبما وعدكم .

* * *