في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَٱلۡعَٰدِيَٰتِ ضَبۡحٗا} (1)

مقدمة السورة:

سورة العاديات مكية وآياتها إحدى عشرة

يجري سياق هذه السورة في لمسات سريعة عنيفة مثيرة ، ينتقل من إحداها إلى الأخرى قفزا وركضا ووثبا ، في خفة وسرعة وانطلاق ، حتى ينتهي إلى آخر فقرة فيها فيستقر عندها اللفظ والظل والموضوع والإيقاع ! كما يصل الراكض إلى نهاية المطاف !

وتبدأ بمشهد الخيل العادية الضابحة ، القادحة للشرر بحوافرها ، المغيرة مع الصباح ، المثيرة للنقع وهو الغبار ، الداخلة في وسط العدو فجأة تأخذه على غرة ، وتثير في صفوفه الذعر والفرار !

يليه مشهد في النفس من الكنود والجحود والأثرة والشح الشديد !

ثم يعقبه مشهد لبعثرة القبور وتحصيل ما في الصدور !

وفي الختام ينتهي النقع المثار ، وينتهي الكنود والشح ، وتنتهي البعثرة والجمع . . إلى نهايتها جميعا . إلى الله . فتستقر هناك : ( إن ربك بهم يومئذ لخبير ) . . .

والإيقاع الموسيقي فيه خشونة ودمدمة وفرقعة ، تناسب الجو الصاخب المعفر الذي تنشئه القبور المبعثرة ، والصدور المحصل ما فيها بشدة وقوة ، كما تناسب جو الجحود والكنود ، والأثرة والشح الشديد . . فلما أراد لهذا كله إطارا مناسبا ، اختاره من الجو الصاخب المعفر كذلك ، تثيره الخيل العادية في جريها ، الصاخبة بأصواتها ، القادحة بحوافرها ، المغيرة فجاءة مع الصباح ، المثيرة للنقع والغبار ، الداخلة في وسط العدو على غير انتظار . . . فكان الإطار من الصورة والصورة من الإطار .

( والعاديات ضبحا ، فالموريات قدحا ، فالمغيرات صبحا ، فأثرن به نقعا ، فوسطن به جمعا . . إن الإنسان لربه لكنود . وإنه على ذلك لشهيد . وإنه لحب الخير لشديد . . . )

يقسم الله سبحانه بخيل المعركة ، ويصف حركاتها واحدة واحدة منذ أن تبدأ عدوها وجريها ضابحة بأصواتها المعروفة حين تجري ،

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{وَٱلۡعَٰدِيَٰتِ ضَبۡحٗا} (1)

مقدمة السورة:

سورة العاديات مختلف فيها ، وآيها إحدى عشرة آية .

بسم الله الرحمن الرحيم { والعاديات ضبحا } أقسم سبحانه بخيل الغزاة تعدو فتضبح ضبحا ، وهو صوت أنفاسها عند العدو ، ونصبه بفعله المحذوف ، أو بالعاديات فإنها تدل بالالتزام على الضابحات ، أو ضبحا حال بمعنى ضابحة .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{وَٱلۡعَٰدِيَٰتِ ضَبۡحٗا} (1)

مقدمة السورة:

سميت في المصاحف القيروانية العتيقة والتونسية والمشرقية { سورة العاديات } بدون واو ، وكذلك في بعض التفاسير فهي تسمية لما ذكر فيها دون حكاية لفظه . وسميت في بعض كتب التفسير { سورة والعاديات } بإثبات الواو .

واختلف فيها فقال ابن مسعود وجابر بن زيد وعطاء والحسن وعكرمة : هي مكية . وقال أنس بن مالك وابن عباس وقتادة : هي مدنية .

وعدت الرابعة عشرة في ترتيب نزول السور عند جابر بن زيد على أنها مكية نزلت بعد سورة العصر وقبل سورة الكوثر .

وآيها إحدى عشرة .

ذكر الواحدي في أسباب النزول عن مقاتل وعن غيره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث خيلا سرية إلى بني كنانة وأمر عليها المنذر بن عمرو انصاري فأسهبت أي أمعنت في سهب وهي الأرض الواسعة شهرا وتأخر خيرهم فارجف المنافقون وقالوا : قتلوا جميعا ، فأخبر الله عنهم بقوله { والعاديات ضبحا } الآيات ، إعلاما بأن خيلهم قد فعلت جميع ما في تلك الآيات .

وهذا الحديث قال في الإتقان رواه الحاكم وغيره . وقال أبن كثير : روى أبو بكر البزاز هنا حديثا غريبا جدا وساق الحديث قريبا مما للواحدي .

وأقول غرابة الحديث لا تناكد قبوله وهو مروي عن ثقات إلا أن في سنده حفص بن جميع وهو ضعيف . فالراجع أن السورة مدنية .

أغراضها

ذم خصال تفضي بأصحابها إلى الخسران في الآخرة ، وهي خصال غالية على المشركين والمنافقين ، ويراد تحذير المسلمين منها .

ووعظ الناس بأن وراءهم حسابا على أعمالهم بعد الموت ليتذكره المؤمن ويهدد به الجاحد . وأكد ذلك كله بأن افتتح بالقسم ، وأدمج في القسم التنويه بخيل الغزاة أو رواحل الحجيج .

أقسم الله ب { العاديات } جمع العادية ، وهو اسم فاعل من العَدْو وهو السيْر السريع يطلق على سير الخيل والإِبل خاصة .

وقد يوصف به سير الإِنسان وأحسب أنه على التشبيه بالخيل ومنه عَدَّاؤو العرب ، وهم أربعة : السُّلَيْك بن السُّلَكَة ، والشَّنْفَرى ، وتَأَبَّطَ شَرّاً ، وعَمْرو بن أمية الضّمْري . يضرب بهم المثل في العَدْو .

وتأنيث هذا الوصف هنا لأنه من صفات ما لا يعقل .

والضَّبح : اضطراب النفَس المتردد في الحنجرة دون أن يخرج من الفم وهو من أصوات الخيل والسباع . وعن عطاء : سمعت ابن عباس يصف الضبح أحْ أحْ .

وعن ابن عباس ليس شيء من الدواب يضبح غير الفرس والكلْب والثعلب ، وهذا قول أهل اللغة واقتصر عليه في « القاموس » . روى ابن جرير بسنده إلى ابن عباس قال : « بينما أنا جالس في الحِجْر جاءني رجل فسألني عن { العاديات ضبحاً } فقلت له : الخيل حين تغير في سبيل الله ثم تأوي إلى الليل فيصنعون طعامهم ويُورون نارهم ، فانفتل عني فذهب إلى علي بن أبي طالب وهو تحت سِقاية زمزم فسأله عنها ، فقال : سألتَ عنها أحداً قبلي ؟ قال : نعم ، سألتُ ابن عباس فقال : الخيلُ تغزو في سبيل الله ، قال : اذهب فادعُه لي ، فلما وقفتُ عند رأسه . قال : تُفتي الناس بما لا علم لك به واللَّهِ لَكانتْ أول غزوة في الإِسلام لبدر وما كان معَنا إلا فَرسَان فرسٌ للزبير وفرس للمِقداد فكيف تكون العادياتتِ ضَبحا ، إنما العاديات ضَبحا الإِبل من عَرفة إلى المزدلفة ومن المزدلفة إلى منى ( يعني بذلك أن السورة مكية قبل ابتداء الغزو الذي أوله غزوة بدر ) قال ابن عباس : فنزعت عن قولي ورجعت إلى الذي قال علي » .

وليس في قول علي رضي الله عنه تصريح بأنها مكية ولا مدنية وبمثل ما قال علي قَال ابن مسعود وإبراهيمُ ومجاهد وعُبيد بن عمير .

والضبح لا يطلق على صوت الإِبل في قول أهل اللغة . فإذا حمل { العاديات } على أنها الإِبل ، فقال المبرد وبعض أهل اللغة : من جعلها للإِبل جعل { ضبحا } بمعنى ضَبعا ، يقال : ضبحت الناقة في سيرها وضبَعت ، إذا مدت ضبعيها في السير . وقال أبو عبيدة : ضبحت الخيل وضبعت ، إذا عَدَت وهو أن يمد الفرس ضبعيه إذا عدا ، أي فالضبح لغة في الضبع وهو من قلب العين حاء . قال في « الكشاف » : « وليس بثبت » . ولكن صاحب « القاموس » اعتمده . وعلى تفسير { العاديات } بأنها الإِبل يكون الضبح استعير لصوت الإِبل ، أي من شدة العدو قويت الأصوات المتردّدة في حناجرها حتى أشبهت ضبح الخيل أو أريد بالضبح الضبع على لغة الإِبدال .

وانتصب { ضبحاً } فيجوز أن يجعل حالاً من { العاديات } إذا أريد به الصوت الذي يتردد في جوفها حين العدو ، أو يجعل مبيناً لنوع العدو إذا كان أصله : ضبحا .

وعلى وجه أن المقسم به رواحل الحج فالقَسم بها لتعظيمها بما تُعين به على مناسك الحج . واختير القسم بها لأن السامعين يوقنون أن ما يقسم عليه بها محقق ، فهي معظمة عند الجميع من المشركين والمسلمين .