{ فإن أعرضوا } : أي لم يجيبوا ربهم لما دعاهم إليه من التوحيد والعبادة .
{ إن عليك إلا البلاغ } : وقد بلغت فلا مسئولية تخشاها بعد البلاغ .
{ وإنا إذا أذقنا الإِنسان منا رحمة } : أي نعمة كالغنى والصحة والعافية .
{ وإن تصبهم سيئة } : أي بلاء كالمرض والفقر وغير ذلك .
{ بما قدمت أيديهم } : أي من الذنوب والخطايا .
{ فإن الإنسان كفور } : أي للنعمة والنعم والإِنسان هو غير المؤمن التقى .
وقوله تعالى في الآية الثانية ( 48 ) { فإن أعرضوا } أي لم يجيبوا ربهم لما دعاهم إليه من التوحيد والطاعة فما أرسلناك عليهم حفيظاً رقيبا تحصي أعمالهم وتحفظها لهم وتجازيهم بها . إن عليك إلا البلاغ أي ما عليم إلا البلاغ وقد بلغت وبرئت ذمتك فلا يهمك أمرهم ولا تحزن على إعراضهم . وقوله تعالى : { وإنا إذا أذقنا الإِنسان منا رحمة } أي نعمة كسعة رزق وصحة وكثرة مال وولد فرح بها فرح البطر والأشر ، وهذا الإِنسان هو الكافر أو الجاهل الضعيف الإِيمان . وإن تصبهم سيئة أي ضيق عيش ومرض وفقر بما قدمت أيديهم من الذنوب فإِن الإِنسان كفور سرعان ما ينسى النعمة والمنعم ويقع في اليأس والقنوط هذا الإِنسان قبل أن يؤمن ويسلم ويحس فإذا آمن وأسلم وأحسن تغير طبعه وطهر نبعه وأصبح يشكر عند النعمة ويصبر عند النقمة .
- على الدعاة إلى الله تعالى إبلاغ مطلوب الله تعالى من عباده ، ولا يضرهم بعد ذلك شيء .
- بيان طبع الإنسان وحاله قبل أن يهذب بالإِيمان واليقين والطاعات .
قوله تعالى : " فإن أعرضوا " أي عن الإيمان " فما أرسلناك عليهم حفيظا " أي حافظا لأعمالهم حتى تحاسبهم عليها . وقيل : موكلا بهم لا تفارقهم دون أن يؤمنوا ، أي ليس لك إكراههم على الإيمان . " إن عليك إلا البلاغ " وقيل : نسخ هذا بآية القتال . " وإنا إذا أذقنا الإنسان " الكافر . " منا رحمة " رخاء وصحة . " فرح بها " بطر بها . " وإن تصبهم سيئة " بلاء وشدة . " بما قدمت أيديهم فإن الإنسان كفور " أي لما تقدم من النعمة فيعدد المصائب وينسى النعم .
ولما أنهى ما قدمه في قوله { شرع لكم من الدين } نهايته ، ودل عليه وعلى كل ما قادته الحكمة في حيزه حتى لم يبق لأحد شبهة في شيء من الأشياء ، كان ذلك سبباً لتهديدهم على الإعراض عنه وتسلية رسولهم صلى الله عليه وسلم فقال معرضاً عن خطابهم إيذاناً بشديد الغضب : { فإن أعرضوا } أي عن إجابة هذا الدعاء الذي وجبت إجابته والشرع الذي وضحت وصحت طريقته بما تأيد به من الحجج ، ولفت القول إلى مظهر العظمة دفعاً لما قد يوهم الإرسال من الحاجة فقال : { فما أرسلناك } مع ما لنا من العظمة { عليهم حفيظاً } أي نقهرهم على امتثال ما أرسلناك به . ولما كان التقدير . فأعرض عن غير إبلاغهم لأنا إنما أرسلناك مبلغاً ، وضع موضعه : { إن } أي ما { عليك إلا البلاغ } لما أرسلناك به ، وأما الهداية والإضلال فإلينا .
ولما ضمن لهذه الآية ما أرسله له ، أتبعه ما جبل عليه الإنسان بياناً لأنه صلى الله عليه وسلم لا حكم له على الطباع وأن الذي عليه إنما هو الإسماع لا السماع ، فقال عاطفاً على ما قبل آية الشرع من قوله { يبسط الرزق لمن يشاء } حاكياً له في أسلوب العظمة تنبيهاً على أنه الذي حكم عليهم بالإعراض عما هو جدير بأن لا يعرض عنه عاقل ، وإيماء إلى أن الإنسان لغلبه جهله وقلة عقله يجترىء بأدنى تأنيس على من تسجد الجبال لعظمته وتندك الشوامخ من هيبته : { وإنا إذا أذقنا } بعظمتنا التي لا يمكن مخالفتها . ولما كان من يفرح بالنعمة عند انفراده بها مذموماً ، عبر بالجنس الصالح للواحد فما فوقه تنبيهاً على أن طبع الإنسان عدم الاهتمام بشدائد الإخوان إلا من أقامه الله في مقام الإحسان فقال : { الإنسان } أي بما جبلناه عليه من النقص بالعجلة وعدم التمالك { منا رحمة } أي نوعاً من أنواع الإكرام من صحة أو غنى ونحو ذلك ، وأفرد الضمير إشارة إلى أنه مطبوع على أنه ليس عليه إلا من نفسه ولو كان أهل الأرض كلهم على غير ذلك ، وكذا عبر بالإنسان فقال : { فرح بها } أي ولو أن أهل الأرض كلهم في نقمة وبؤس وعمى فأخرجه الفرح عن تأمل ما ينفعه ليشكر ، فكان ذلك لذلك كافراً للنعمة لأنه أبدل الشكر بالفرح والكفر فتوصل بالعافية إلى المخالفة ، فأوقع نفسه في أعظم البلاء .
ولما دل باداة التحقق على أن النعمة هي الأصل لعموم رحمته ، وأنها سبقت غضبه ، دل على أن السيئة قليلة بالنسبة إليها بأداة الشك والمضارع فقال : { وإن } ولما كانت المشاركة في الشدائد تهون المصائب ، فكان من يزيد غمه بخصوص مصيبته عند العموم مذموماً ، نبه على نقص الإنسان بذلك بالجمع فقال : { تصبهم سيئة } أي نقمة وبلاء وشدة . ولما كانت الرحمة فضلاً منه ، أعلمهم أن السيئة مسببة عنهم فقال : { بما قدمت أيديهم } وعبر باليد عن الجملة لأن أكثر العمل بها . ولما كان الجواب على نهج الأول : حزنوا فكفروا ، وعدل عنه إلى ما يدل على أن جنس الإنسان موضع الكفران ، ولما كانوا يدعون الشكر وينكرون الكفر ، أكد قوله وسبب عن تلك الإصابة والإذاقة معاً إشارة إلى أنه لا أصل له غيرهما ، فقال مظهراً موضع الضمير لينص على الحكم على الجنس من حيث هو : { فإن الإنسان } أي الآنس بنفسه المعرض عن غيره بما هو طبع له بسبب مسه بضر { كفور * } أي بليغ الستر للنعم نساء له ، ينسى بأول صدمة من النقمة جميع ما تقدم له من النعم ، ولا يعرف إلا الحالة الراهنة ، فإن كان في نعمه أشر وبطر ، وإن كان في نقمة أيس وقنط ، وهذا حال الجنس من حيث هو ، ومن وفقه الله جنبه ذلك كما قال صلى الله عليه وسلم : " المؤمن إن أصابته سراء شكر فكان خيراً له وإن أصابته ضراء صبر فكان خيراً له " وليس ذلك إلا للمؤمن ، والآية من الاحتباك : ذكر الفرح أولاً دالاً على الحزن ثانياً ، وذكر الكفران ثانياً دال على حذفه أولاً .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.