( فإذا قضيتم الصلاة فاذكروا الله قياما وقعودا وعلى جنوبكم . فإذا اطمأننتم فأقيموا الصلاة . إن الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتًا ) . .
وهكذا يوجههم إلى الاتصال بالله في كل حال ، وفي كل وضع ، إلى جانب الصلاة . . فهذه هي العدة الكبرى ، وهذا هو السلاح الذي لا يبلى . .
فأما حين الاطمئنان ( فأقيموا الصلاة ) . . أقيموها كاملة تامة بلا قصر - قصر الخوف الذي تحدثنا عنه - فهي فريضة ذات وقت محدد لأدائها . ومتى زالت أسباب الرخصة في صفة من صفاتها عادت إلى صفتها المفروضة الدائمة .
ومن قوله تعالى : ( إن الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتًا ) . . يأخذ الظاهرية رأيهم في عدم قضاء الفائتة من الصلاة لأنها لا تجزي ولا تصح . لأن الصلاة لا تصح إلا في ميقاتها المعين . فمتى فات الميقات ، فلا سبيل لإقامة الصلاة . . والجمهور على صحة قضاء الفوائت . وعلى تحسين التبكير في الأداء ، والكراهية في التأخير . . ولا ندخل بعد هذا في تفصيلات الفروع . .
يأمر الله تعالى بكثرة الذكر عقيب صلاة الخوف ، وإن كان مشروعا مرغبا فيه أيضا بعد غيرها ، ولكن هاهنا آكد لما وقع فيها من التخفيف في أركانها ، ومن الرخصة في الذهاب فيها والإياب وغير ذلك ، مما ليس يوجد في غيرها ، كما قال تعالى في{[8245]} الأشهر الحرم : { فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ } [ التوبة : 36 ] ، وإن كان هذا منهيا عنه في غيرها ، ولكن فيها آكد لشدة حرمتها وعظمها ؛ ولهذا قال تعالى : { فَإِذَا قَضَيْتُمُ الصَّلاةَ فَاذْكُرُوا اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِكُمْ } أي في سائر أحوالكم .
ثم قال : { فَإِذَا اطْمَأْنَنْتُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ } أي : فإذا أمنتم وذهب الخوف ، وحصلت الطمأنينة { فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ } أي : فأتموها وأقيموها كما أمرتم بحدودها ، وخشوعها ، وسجودها وركوعها ، وجميع شئونها .
وقوله : { إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا } قال ابن عباس : أي مفروضا . وكذا روي عن مجاهد ، وسالم بن عبد الله ، وعلي بن الحسين ، ومحمد بن علي ، والحسن ، ومقاتل ، والسدي ، وعطية العوفي .
وقال عبد الرزاق ، عن معمر ، عن قتادة : { إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا } قال ابن مسعود : إن للصلاة وقتا{[8246]} كوقت الحج .
وقال زيد بن أسلم : { إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا } قال : منجما ، كلما مضى نجم ، جاءتهم يعني : كلما مضى وقت جاء وقت .
ذهب جمهور العلماء إلى أن هذا الذكر المأمور به إنما هو إثر صلاة الخوف ، على حد ما أمروا عند قضاء المناسك بذكر الله{[4264]} ، فهو ذكر باللسان ، وذهب إلى أن { قضيتم } بمعنى فعلتم ، أي إذا تلبستم بالصلاة فلتكن على هذه الهيئات بحسب الضرورات : المرض ، وغيره ، وبحسب هذه الآية رتب ابن المواز صلاة المريض فقال : يصلي قاعداً فإن لم يطق فعلى جنبه الأيمن ، فإن لم يطق فعلى الأيسر ، فإن لم يطق فعلى الظهر ، ومذهب مالك في المدونة التخيير ، لأنه قال : فعلى جنبه أو على ظهره ، وحكى ابن حبيب عن ابن القاسم أنه قال : يبتدىء بالظهر ثم بالجنب ، قال ابن حبيب : وهو وهم ، قال اللخمي : وليس بوهم ، بل هو أحكم في استقبال القبلة ، وقال سحنون : يصلي على جنبه الأيمن كما يجعل في قبره ، فإن لم يقدر فعلى ظهره ، و «الطمأنينة » في الآية : سكون النفس من الخوف ، وقال بعض المتأولين : المعنى : فإذا رجعتم من سفركم إلى الحضر فأقيموها تامة أربعاً ، وقوله تعالى : { كتاباً موقوتاً } معناه : منجماً في أوقات ، هذا ظاهر اللفظ ، وروي عن ابن عباس : أن المعنى مفروضاً ، فهما لفظان بمعنى واحد كرر مبالغة .
القضاء : إتمام الشيء كقوله : { فإذا قضيتم مناسككم فاذكروا الله كذكركم آباءهم أو أشدّ ذكراً } [ البقرة : 200 ] . والظاهر من قوله : { فإذا قضيتم الصلاة } أنّ المراد من الذكر هنا النوافل ، أو ذكر اللسان كالتسبيح والتحميد ، ( فقد كانوا في الأمن يجلسون إلى أن يفرغوا من التسبيحِ ونحوه ) ، فرخّص لهم حين الخوف أن يذكروا الله على كلّ حال والمراد القيام والقعود والكون على الجنوب ما كان من ذلك في أحوال الحرب لا لأجل الاستراحة .
وقوله : { فإذا اطمأننتم فأقيموا الصلاة } تفريع عن قوله : { وإذا ضربتم في الأرض فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة إن خفتم } [ النساء : 101 ] إلى آخر الآية . فالاطمئنان مراد به القفول من الغزو ، لأنّ في الرجوع إلى الأوطان سكوناً من قلاقل السفر واضطراب البدن ، فإطلاق الاطمئنان عليه يشبه أن يكون حقيقة ، وليس المراد الاطمئنان الذي هو عدم الخوف لعدم مناسبته هنا ، وقد تقدّم القول في الاطمئنان عند قوله تعالى : { ولكن ليطمئنّ قلبي } من سورة البقرة ( 260 ) .
ومعنى : { فأقيموا الصلاة } صلّوها تامّة ولا تقصروها ، هذا قول مجاهد وقتادة ، فيكون مقابل قوله : { فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة } [ النساء : 101 ] ، وهو الموافق لما تقدّم من كون الوارد في القرآن هو حكم قصر الصلاة في حال الخوف ، دون قصر السفر من غير خوف . فالإقامة هنا الإتيان بالشيء قائماً أي تامّاً ، على وجه التمثيل كقوله تعالى : { وأقيموا الوزن بالقسط } [ الرحمن : 9 ] وقوله : { أنْ أقيموا الدين ولا تتفرّقوا فيه } [ الشورى : 13 ] . وهذا قول جمهور الأيّمة : مالك ، والشافعي ، وأحمد ، وسفيان . وقال أبو حنيفة وأصحابه : لاَ يؤدّي المجاهد الصلاة حتّى يزول الخَوف ، لأنّه رأى مباشرة القتال فعلاً يفسد الصلاة . وقوله تعالى : { وإذا ضربتم في الأرض إلى قوله : فإذا اطمأننتم } [ النساء : 101 103 ] يرجْح قول الجمهور ، لأنّ قوله تعالى : { إن الصلاة كانت على المؤمنين كتاباً موقوتاً } مسوق مساق التعليل للحرص على أدائها في أوقاتها .
والموقوت : المحدود بأوقات ، والمنجّم عليها ، وقد يستعمل بمعنى المفروض على طريق المجاز . والأول أظهر هنا .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.