في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{فَإِنۡ أَعۡرَضُواْ فَمَآ أَرۡسَلۡنَٰكَ عَلَيۡهِمۡ حَفِيظًاۖ إِنۡ عَلَيۡكَ إِلَّا ٱلۡبَلَٰغُۗ وَإِنَّآ إِذَآ أَذَقۡنَا ٱلۡإِنسَٰنَ مِنَّا رَحۡمَةٗ فَرِحَ بِهَاۖ وَإِن تُصِبۡهُمۡ سَيِّئَةُۢ بِمَا قَدَّمَتۡ أَيۡدِيهِمۡ فَإِنَّ ٱلۡإِنسَٰنَ كَفُورٞ} (48)

ثم يكشف عن طبيعة هذا الإنسان الذي يعارض ويعاند ، ويعرض نفسه للأذى والعذاب ، وهو لا يحتمل في نفسه الأذى ؛ وهو رقيق الاحتمال ، يستطار بالنعمة ، ويجزع من الشدة ، ويتجاوز حده فيكفر من الضيق :

( وإنا إذا أذقنا الإنسان منا رحمة فرح بها ، وإن تصبهم سيئة بما قدمت أيديهم فإن الإنسان كفور ) . .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{فَإِنۡ أَعۡرَضُواْ فَمَآ أَرۡسَلۡنَٰكَ عَلَيۡهِمۡ حَفِيظًاۖ إِنۡ عَلَيۡكَ إِلَّا ٱلۡبَلَٰغُۗ وَإِنَّآ إِذَآ أَذَقۡنَا ٱلۡإِنسَٰنَ مِنَّا رَحۡمَةٗ فَرِحَ بِهَاۖ وَإِن تُصِبۡهُمۡ سَيِّئَةُۢ بِمَا قَدَّمَتۡ أَيۡدِيهِمۡ فَإِنَّ ٱلۡإِنسَٰنَ كَفُورٞ} (48)

وقوله : { فَإِنْ أَعْرَضُوا } يعني : المشركين { فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا } أي : لست عليهم بمصيطر . وقال تعالى : { لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ } [ البقرة : 272 ] ، وقال تعالى : { فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلاغُ وَعَلَيْنَا الْحِسَابُ } [ الرعد : 40 ] وقال هاهنا : { إِنْ عَلَيْكَ إِلا الْبَلاغُ } أي : إنما كلفناك أن تبلغهم رسالة الله إليهم .

ثم قال تعالى : { وَإِنَّا إِذَا أَذَقْنَا الإنْسَانَ مِنَّا رَحْمَةً فَرِحَ بِهَا } أي : إذا أصابه رخاء ونعمة فرح بذلك ، { وَإِنْ تُصِبْهُمْ } يعني الناس { سيئة } أي : جدب ونقمة وبلاء وشدة ، { فَإِنَّ الإنْسَانَ كَفُورٌ } أي : يجحد ما تقدم من النعمة{[25967]} ولا يعرف إلا الساعة الراهنة ، فإن أصابته نعمة أشر وبطر ، وإن أصابته محنة يئس وقنط ، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم [ للنساء ] {[25968]} يا معشر النساء ، تصدقن فإني رأيتكن أكثر أهل النار " فقالت امرأة : ولِمَ يا رسول الله ؟ قال : " لأنكن تُكثرن الشكاية ، وتكفرن العشير ، لو أحسنت إلى إحداهن الدهر ثم تركت يوما قالت : ما رأيت منك خيرا قط " {[25969]} وهذا حال أكثر الناس{[25970]} إلا من هداه الله وألهمه رشده ، وكان من الذين آمنوا وعملوا الصالحات ، فالمؤمن كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إن أصابته سراء شكر فكان خيرا له ، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له ، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن " {[25971]} .


[25967]:- (1) في ت، م: "النعم".
[25968]:- (2) زيادة من ت، م، أ.
[25969]:- (3) رواه مسلم في صحيحه برقم (79) من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنه، وبرقم (80) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
[25970]:- (4) في ت، م: "النساء".
[25971]:- (5) رواه مسلم في صحيحه برقم (299) من حديث صهيب رضي الله عنه.
 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{فَإِنۡ أَعۡرَضُواْ فَمَآ أَرۡسَلۡنَٰكَ عَلَيۡهِمۡ حَفِيظًاۖ إِنۡ عَلَيۡكَ إِلَّا ٱلۡبَلَٰغُۗ وَإِنَّآ إِذَآ أَذَقۡنَا ٱلۡإِنسَٰنَ مِنَّا رَحۡمَةٗ فَرِحَ بِهَاۖ وَإِن تُصِبۡهُمۡ سَيِّئَةُۢ بِمَا قَدَّمَتۡ أَيۡدِيهِمۡ فَإِنَّ ٱلۡإِنسَٰنَ كَفُورٞ} (48)

{ فإن أعرضوا فما أرسلناك عليهم حفيظا } رقيبا أو محاسبا . { إن عليك إلا البلاغ } وقد بلغت . { وإنا أذقنا الإنسان منا رحمة فرح بها } أراد بالإنسان الجنس لقوله : { وإن تصبهم سيئة بما قدمت أيديهم فإن الإنسان كفور } بليغ الكفران ينسى النعمة رأسا ويذكر البلية ويعظمها ولا يتأمل سببها ، وهذا وإن اختص بالمجرمين جاز إسناده إلى الجنس لغلبتهم واندراجهم فيه ، وتصدير الشرطية الأولى ب { إذا } والثانية ب { إن } لأن إذاقة النعمة محققة من حيث أنها عادة مقتضاة بالذات بخلاف إصابة البلية ، وإقامة علة الجزاء مقامه ووضع الظاهر موضع المضمر في الثانية للدلالة على أن هذا الجنس مرسوم بكفران النعمة .