في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{قُلِ ٱللَّهُ أَعۡلَمُ بِمَا لَبِثُواْۖ لَهُۥ غَيۡبُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۖ أَبۡصِرۡ بِهِۦ وَأَسۡمِعۡۚ مَا لَهُم مِّن دُونِهِۦ مِن وَلِيّٖ وَلَا يُشۡرِكُ فِي حُكۡمِهِۦٓ أَحَدٗا} (26)

( قل : الله أعلم بما لبثوا له غيب السماوات والأرض . أبصر به وأسمع ) . .

فهذا هو فصل الخطاب في أمرهم ، يقرره عالم غيب السماوات والأرض . ما أبصره ، وما أسمعه ! سبحانه . فلا جدال بعد هذا ولا مراء .

ويعقب على القصة بإعلان الوحدانية الظاهرة الأثر في سير القصة وأحداثها : ( ما لهم من دونه من ولي . ولا يشرك في حكمه أحدا ) . .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{قُلِ ٱللَّهُ أَعۡلَمُ بِمَا لَبِثُواْۖ لَهُۥ غَيۡبُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۖ أَبۡصِرۡ بِهِۦ وَأَسۡمِعۡۚ مَا لَهُم مِّن دُونِهِۦ مِن وَلِيّٖ وَلَا يُشۡرِكُ فِي حُكۡمِهِۦٓ أَحَدٗا} (26)

وقوله : { قُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثُوا } أي : إذا سئلت عن لبثهم وليس عندك [ علم ]{[18105]} في ذلك وتوقيف{[18106]} من الله ، عز وجل{[18107]} فلا تتقدم فيه بشيء ، بل قل في مثل هذا : { اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثُوا لَهُ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ } أي : لا يعلم ذلك إلا هو أو من أطلعه الله عليه من خَلْقه ، وهذا الذي قلناه ، عليه غير واحد من علماء التفسير كمجاهد ، وغير واحد من السلف والخلف .

/خ26

وقوله : { أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ } أي : إنه لبصير بهم سميع لهم .

قال ابن جرير : وذلك في معنى المبالغة في المدح ، كأنه قيل : ما أبصره وأسمعه ، وتأويل الكلام : ما أبصر الله لكل موجود ، وأسمعه لكل مسموع ، لا يخفى عليه من ذلك شيء .

ثم روي عن قتادة في قوله : { أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ } فلا أحد أبصر{[18108]} من الله ولا أسمع .

وقال ابن زيد : { أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ } يرى أعمالهم ، ويسمع ذلك منهم سميعًا بصيرًا .

وقوله : { مَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَدًا } أي : أنه تعالى هو الذي له الخلق والأمر ، الذي لا معقب لحكمه ، وليس له وزير ولا نصير ولا شريك ولا مشير ، تعالى وتقدس .


[18105]:زيادة من ف.
[18106]:في ت: "توفيق".
[18107]:في ت، ف: "تعالى".
[18108]:في ت: "أنصر".
 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{قُلِ ٱللَّهُ أَعۡلَمُ بِمَا لَبِثُواْۖ لَهُۥ غَيۡبُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۖ أَبۡصِرۡ بِهِۦ وَأَسۡمِعۡۚ مَا لَهُم مِّن دُونِهِۦ مِن وَلِيّٖ وَلَا يُشۡرِكُ فِي حُكۡمِهِۦٓ أَحَدٗا} (26)

القول في تأويل قوله تعالى : { وَلَبِثُواْ فِي كَهْفِهِمْ ثَلاثَ مِئَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُواْ تِسْعاً * قُلِ اللّهُ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثُواْ لَهُ غَيْبُ السّمَاوَاتِ وَالأرْضِ أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ مَا لَهُم مّن دُونِهِ مِن وَلِيّ وَلاَ يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَداً } .

اختلف أهل التأويل في معنى قوله وَلَبَثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلاثَ مِئَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعا فقال بعضهم : ذلك خبر من الله تعالى ذكره عن أهل الكتاب أنهم يقولون ذلك كذلك ، واستشهدوا على صحة قولهم ذلك بقوله : قُلِ اللّهُ أعْلَمُ بِمَا لَبِثُوا وقالوا : لو كان ذلك خبرا من الله عن قدر لبثهم في الكهف ، لم يكن لقوله قُلِ اللّهُ أعْلَمُ بِمَا لَبِثُوا وجه مفهوم ، وقد أعلم الله خلقه مبلغ لبثهم فيه وقدره . ذكر من قال ذلك :

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثلاثَ مِئَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعا هذا قول أهل الكتاب ، فردّه الله عليهم فقال : قُلِ اللّهُ أعْلَمُ بِمَا لَبِثُوا لَهُ غَيْبُ السّمَواتِ والأرْضِ .

حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة في قوله وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ قال : في حرف ابن مسعود : «وَقالُوا وَلَبِثُوا » يعني أنه قال الناس ، ألا ترى أنه قال : قُلِ اللّهُ أعْلَمُ بِمَا لَبِثُوا .

حدثنا عليّ بن سهل ، قال : حدثنا ضمرة بن ربيعة ، عن ابن شوذب عن مطر الورّاق ، في قول الله : وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلاثَ مِئَةٍ سِنِينَ قال : إنما هو شيء قالته اليهود ، فردّه الله عليهم وقال : قُلِ اللّهُ أعْلَمُ بِمَا لَبِثُوا .

وقال آخرون : بل ذلك خبر من الله عن مبلغ ما لبثوا في كهفهم . ذكر من قال ذلك :

حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحرث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلاثَ مِئَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعا قال : عدد ما لبثوا .

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد بنحوه ، وزاد فيه قُلِ اللّهُ أعْلَمُ بِمَا لَبِثُوا .

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا سلمة ، عن عبد العزيز بن أبي رواد ، عن عبد الله بن عبيد بن عمير ، قال : ولَبَثُوا في كْهفِهْم ثَلاثَ مِئَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعا قال : وتسع سنين .

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق بنحوه .

حدثنا موسى بن عبد الرحمن المسروقي ، قال : حدثنا أبو أسامة ، قال : ثني الأجلح ، عن الضحاك بن مزاحم ، قال : نزلت هذه الاَية وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلاثَ مِئَةٍ فقالوا : أياما أو أشهرا أو سنين ؟ فأنزل الله : سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعا .

حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحرث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد وَلَبِثُوا في كَهْفِهِمْ قال : بين جبلين .

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد ، مثله .

وأولى الأقوال في ذلك بالصواب أن يقال كما قال الله عزّ ذكره : ولبث أصحاب الكهف في كهفهم رقودا إلى أن بعثهم الله ، ليتساءلوا بينهم ، وإلى أن أعثر عليهم من أعثر ، ثلاث مئة سنين وتسع سنين ، وذلك أن الله بذلك أخبر في كتابه . وأما الذي ذُكر عن ابن مسعود أنه قرأ «وَقالُوا : وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِم » وقول من قال : ذلك من قول أهل الكتاب ، وقد ردّ الله ذلك عليهم ، فإن معناه في ذلك : إن شاء الله كان أن أهل الكتاب قالوا فيما ذكر على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن للفتية من لدن دخلوا الكهف إلى يومنا ثلاث مئة سنين وتسع سنين ، فردّ الله ذلك عليهم ، وأخبر نبيه أن ذلك قدر لبثهم في الكهف من لدن أوَوا إليه أن بعثهم ليتساءلوا بينهم ثم قال جلّ ثناؤه لنبيه صلى الله عليه وسلم : قل يا محمد : الله أعلم بما لبثوا بعد أن قبض أرواحهم ، من بعد أن بعثهم من رقدتهم إلى يومهم هذا ، لا يعلم بذلك غير الله ، وغير من أعلمه الله ذلك .

فإن قال قائل : وما يدلّ على أن ذلك كذلك ؟ قيل : الدالّ على ذلك أنه جلّ ثناؤه ابتدأ الخبر عن قدر لبثهم في كهفهم ابتداء ، فقال : وَلِبثُوا في كَهْفِهِمْ ثَلاثَ مئَةٍ سنينَ وَازْدَادُوا تسْعا ولم يضع دليلاً على أن ذلك خبر منه عن قول قوم قالوه ، وغير جائز أن يضاف خبره عن شيء إلى أنه خبر عن غيره بغير برهان ، لأن ذلك لو جاز جاز في كلّ أخباره ، وإذا جاز ذلك في أخباره جاز في أخبار غيره أن يضاف إليه أنها أخباره ، وذلك قلب أعيان الحقائق وما لا يخيل فساده .

فإن ظنّ ظانّ أن قوله : قُلِ اللّهُ أعْلَمُ بِمَا لَبِثُوا دليل على أن قوله : وَلِبثُوا فِي كَهْفِهِمْ خبر منه عن قوم قالوه ، فإن ذلك كان يجب أن يكون كذلك لو كان لا يحتمل من التأويل غيره فأما وهو محتمل ما قلنا من أن يكون معناه : قل الله أعلم بما لبثوا إلى يوم أنزلنا هذه السورة ، وما أشبه ذلك من المعاني فغير واجب أن يكون ذلك دليلاً على أن قوله : وَلِبِثُوا في كَهْفِهِمْ خبر من الله عن قوم قالوه ، وإذا لم يكن دليلاً على ذلك ، ولم يأت خبر بأن قوله : وَلِبِثُوا في كَهْفِهِمْ خَبر من الله عن قوم قالوه ، ولا قامت بصحة ذلك حجة يجب التسليم لها ، صحّ ما قلنا ، وفسَد ما خالفه .

واختلفت القرّاء في قراءة قوله : ثَلاثَ مِئَةٍ سِنِينَ فقرأت ذلك عامة قرّاء المدينة والبصرة وبعض الكوفين ثَلاثِ مِئَةٍ سِنِينَ بتنوين : ثلاث مئةٍ ، بمعنى : ولبثوا في كهفهم سنين ثلاث مئة . وقرأته عامة قرّاء أهل الكوفة : «ثَلاثَ مِئَةِ سِنِينَ » بإضافة ثلاث مئة إلى السنين ، غير منوّن .

وأولى القراءتين في ذلك عندي بالصواب قراة من قرأه : ثلاثَ مِئَةٍ بالتنوين سِنِينَ ، وذلك أن العرب إنما تضيف المئة إلى ما يفسرها إذا جاء تفسيرها بلفظ الواحد ، وذلك كقولهم ثلاث مئة درهم ، وعندي مئة دينار ، لأن المئة والألف عدد كثير ، والعرب لا تفسر ذلك إلا بما كان بمعناه في كثرة العدد ، والواحد يؤدّي عن الجنس ، وليس ذلك للقليل من العدد ، وإن كانت العرب ربما وضعت الجمع القليل موضع الكثير ، وليس ذلك بالكثير . وأما إذا جاء تفسيرها بلفظ الجمع ، فإنها تنوّن ، فتقول : عندي ألفٌ دراهمُ ، وعندي مئةٌ دنانير ، على ما قد وصفت .

وقوله : لَهُ غَيْبُ السّمَوَاتِ والأرْضِ يقول تعالى ذكره : لله علم غيب السموات والأرض ، لا يعزب عنه علم شيء منه ، ولا يخفى عليه شيء ، يقول : فسلموا له علم مبلغ ما لبثت الفتية في الكهف إلى يومكم هذا ، فإن ذلك لا يعلمه سوى الذي يعلم غيب السموات والأرض ، وليس ذلك إلا الله الواحد القهار .

وقوله : أبْصرْ بِهِ وأسمِعْ يقول : أبصر بالله وأسمع ، وذلك بمعنى المبالغة في المدح ، كأنه قيل : ما أبصره وأسمعه .

وتأويل الكلام : ما أبصر الله لكلّ موجود ، وأسمعه لكلّ مسموع ، لا يخفى عليه من ذلك شيء ، كما :

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة أبْصرْ بِهِ وأسمِعْ فلا أحد أبصر من الله ولا أسمع ، تبارك وتعالى .

حدثنا يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : أبْصرْ بِهِ وأسمِعْ ما لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيّ قال : يرى أعمالهم ، ويسمع ذلك منهم سميعا بصيرا .

وقوله : ما لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيّ يقول جلّ ثناؤه : ما لخلقه دون ربهم الذي خلقهم وليّ ، يلي أمرهم وتدبيرهم ، وصرفهم فيما هم فيه مصرفون . وَلا يُشْرِكُ فِي حُكمِهِ أحَدا يقول : ولا يجعل الله في قضائه ، وحكمه في خلقه أحدا سواه شريكا ، بل هو المنفرد بالحكم والقضاء فيهم ، وتدبيرهم وتصريفهم فيما شاء وأحبّ .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{قُلِ ٱللَّهُ أَعۡلَمُ بِمَا لَبِثُواْۖ لَهُۥ غَيۡبُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۖ أَبۡصِرۡ بِهِۦ وَأَسۡمِعۡۚ مَا لَهُم مِّن دُونِهِۦ مِن وَلِيّٖ وَلَا يُشۡرِكُ فِي حُكۡمِهِۦٓ أَحَدٗا} (26)

{ قل الله أعلم بما لبثوا له غيب السماوات والأرض } له ما غاب فيهما وخفي من أحوال أهلهما ، فلا خلق يخفى عليه علما . { أبصر به وأسمع } ذكر بصيغة التعجب للدلالة على أن أمره في الإدراك خارج عما عليه إدراك السامعين والمبصرين ، إذ لا يحجبه شيء ولا يتفاوت دونه لطيف وكثيف وصغير وكبير وخفي وجلي ، والهاء تعود إلى الله ومحله الرفع على الفاعلية والباء مزيدة عند سيبويه وكان أصله أبصر أي صار ذا بصر ، ثم نقل إلى صيغة الأمر بمعنى الإنشاء ، فبرز الضمير لعدم لياق الصيغة له أو لزيادة الباء كما في قوله تعالى { وكفى به } والنصب على المفعولية عند الأخفش والفاعل ضمير المأمور وهو كل أحد والباء مزيدة إن كانت الهمزة للتعدية ومعدية إن كانت للصيرورة . { ما لهم } الضمير لأهل السماوات والأرض . { من دونه من وليّ } من يتولى أمورهم . { ولا يشرك في حكمه } في قضائه . { أحدا } منهم ولا يجعل له فيه مدخلا . وقرأ ابن عامر وقالون عن يعقوب بالتاء والجزم على نهي كل أحد عن الإشراك .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{قُلِ ٱللَّهُ أَعۡلَمُ بِمَا لَبِثُواْۖ لَهُۥ غَيۡبُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۖ أَبۡصِرۡ بِهِۦ وَأَسۡمِعۡۚ مَا لَهُم مِّن دُونِهِۦ مِن وَلِيّٖ وَلَا يُشۡرِكُ فِي حُكۡمِهِۦٓ أَحَدٗا} (26)

قال قتادة ومطر الوراق وغيرهما { ولبثوا في كهفهم } الآية حكاية عن بني إسرائيل أنهم قالوا ذلك ، واحتجا بأن قراءة عبد الله بن مسعود ، وفي مصحفه : «وقالوا لبثوا في كهفهم » ، وذلك عند قتادة ، على غير قراءة عبد الله ، عطف على { ويقولون سبعة } [ الكهف : 22 ] ، ذكر الزهراوي ، ثم أمر الله نبيه بأن يرد العلم إليه رداً على مقالهم وتقييداً له ، قال الطبري : وقال بعضهم : لو كان ذلك خبراً من الله ، لم يكن لقوله { قل الله أعلم بما لبثوا } وجه مفهوم .

قال القاضي أبو محمد : أي ذهب بهذا القائل ، وما الوجه المفهوم البارع إلا أن تكون الآية خبراً عن لبثهم ، ثم قيل لمحمد صلى الله عليه وسلم { قل الله أعلم بما لبثوا } فخبره هذا هو الحق من عالم الغيب فليزل اختلافكم أيها المخرصون ، وقال المحققون : بل قوله تعالى : { ولبثوا في كهفهم } الآية خبر من الله تعالى عن مدة لبثهم ، ثم اختلف في معنى قوله بعد الإخبار { قل الله أعلم بما لبثوا } فقال الطبري : إن بني إسرائيل اختلفوا فيما مضى لهم من المدة بعد الإعثار عليهم إلى مدة النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال بعضهم إنهم لبثوا ثلاثمائة سنة وتسع سنين ، فأخبر الله نبيه أن هذه المدة في كونهم نياماً ، وأن ما بعد ذلك مجهول للبشر ، فأمره الله أن يرد علم ذلك إليه فقوله على هذا التأويل { لبثوا } الأول ، يريد في نوم الكهف ، و { لبثوا } الثاني : يريد بعد الإعثار موتى إلى مدة محمد عليه السلام ، إلى وقت عدمهم بالبلى ، على الاختلاف الذي سنذكره بعد ، وقال بعضها إنه لما قال : { وازدادوا تسعاً } لم يدر الناس أهي ساعات ، أم أيام ، أم جمع ، أم شهور ، أم أعوام . واختلف بنو إسرائيل بحسب ذلك ، فأمره الله برد العلم إليه ، يريد في التسع فهي على هذا مبهمة ، وظاهر كلام العرب والمفهوم منه أنها أعوام ، والظاهر من أمرهم أنهم قاموا ودخلوا الكهف بعد عيسى بيسير ، وقد بقيت من الحواريين بقية ، وحكى النقاش ما معناه : أنهم لبثوا ثلاثمائة سنة شمسية بحساب الأمم ، فلما كان الإخبار هنا للنبي العربي ذكرت التسع ، إذ المفهوم عنده من السنين القمرية ، فهذه الزيادة هي ما بين الحسابين ، وقرأ الجمهور «ثلاثمائةٍ سنينَ » بتنوين مائة ونصب «سنينَ » على البدل من «ثلاثمائةٍ » ، وعطف البيان ، وقيل على التفسير والتمييز{[7786]} وقرأ حمزة والكسائي ويحيى وطلحة والأعمش بإضافة «مائة » إلى «سنين » ، وترك التنوين ، وكأنهم جعلوا «سنين » بمنزلة سنة ، إذ المعنى بهما واحد قال أبو علي : إذ هذه الأعداد التي تضاف في المشهور إلى الآحاد نحو ثلاثمائة رجل وثوب ، قد تضاف إلى الجموع ، وأنحى أبو حاتم على هذه القراءة ، وفي مصحف عبد الله بن مسعود : «ثلاثمائة سنة » ، وقرأ الضحاك «ثلاثمائة سنون » ، بالواو ، وقرأ أبو عمرو بخلاف : «تَسعاً » بفتح التاء ، وقرأ الجمهور «تِسعاً » بكسر التاء .

وقوله { أبصر به وأسمع } أي ما أبصره وأسمعه .

قال قتادة : لا أحد أبصر من الله ولا أسمع ، وهذه عبارات عن الإدراك ، ويحتمل أن يكون المعنى : أبصر به أي بوحيه وإرشاده هداك وحججك والحق من الأمور . وأسمع به العالم ، فتكون أمرين ، لا على وجه التعجب ، وقوله { ما لهم من دونه من ولي } يحتمل أن يعود الضمير في { لهم } على أصحاب الكهف ، أي هذه قدرته وحده ، لم يواليهم غيره بتلطف لهم ، ولا اشترك معه أحد في هذا الحكم ، ويحتمل أن يعود الضمير في { لهم } على معاصري رسول الله صلى الله عليه وسلم من الكفار ومشاقيه ، وتكون الآية اعتراضاً بتهديد ، وقرأ الجمهور «ولا يشرك في حكمه أحداً » بالياء من تحت على معنى الخبر عن الله تعالى ، وقرأ ابن عامر والحسن وأبو رجاء وقتادة والجحدري «ولا تشرك » بالتاء من فوق ، على جهة النهي للنبي عليه السلام ، ويكون قوله «ولا تشرك » عطفاً على { أبصر } { وأسمع } ، وقرأ مجاهد «ولا يشركْ » بالياء من تحت وبالجزم ، قال يعقوب لا أعرف وجهه ، وحكى الطبري عن الضحاك بن مزاحم أنه قال : نزلت هذه الآية : { ولبثوا في كهفهم ثلاثمائة } فقط ، فقال الناس هي أشهر أم أيام أم أعوام ؟ فنزلت { سنين وازدادوا تسعاً } وأما هل دام أهل الكهف وبقيت أشخاصهم محفوظة بعد الموت ؟ فاختلفت الروايات في ذلك ، فروي عن ابن عباس أنه مر بالشام في بعض غزواته ، مع ناس على موضع الكهف وجبله ، فمشى الناس إليه ، فوجدوا عظاماً ، فقالوا هذه عظام أصحاب الكهف ، فقال لهم ابن عباس : أولئك قوم فنوا وعدموا منذ مدة طويلة فسمعه راهب ، فقال ما كنت أحسب أن أحداً من العرب يعرف هذا ، فقيل له هذا ابن عم نبينا فسكت ، وروت فرقة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم : قال «ليحجن عيسى ابن مريم ومعه أصحاب الكهف ، فإنهم لم يحجوا بعد » .

قال القاضي أبو محمد : وبالشام على ما سمعت من ناس كثير ، كهف كان فيه موتى ، يزعم مجاوروه أنهم أصحاب الكهف ، وعليهم مسجد وبناء يسمى الرقيم ، ومعهم كلب رمة ، وبالأندلس في جهة غرناطة بقرب قرية تسمى لوشة ، كهف فيه موتى ومعهم كلب رمة ، وأكثرهم قد انجرد لحمه ، وبعضهم متماسك ، وقد مضت القرون السالفة ولم نجد من علم شأنهم إشارة ، ويزعم ناس أنهم أصحاب الكهف ، دخلت إليهم فرأيتهم سنة أربع وخمسمائة ، وهم بهذه الحالة ، وعليهم مسجد ، وقريب منهم بناء رومي يسمى الرقيم ، كأنه قصر محلق قد بقي بعض جدرانه وهو في فلاة من الأرض حزنة وبأعلى حضرة غرناطة مما يلي القبلة آثار مدينة قديمة رومية يقال لها مدينة دقيوس ، وجدنا في آثارها غرائب في قبور ونحوها .

قال القاضي أبو محمد : وإنما استسهلت ذكر هذا مع بعده لأنه عجب يتخلد ذكره ما شاء الله عز وجل .


[7786]:وحكى أبو البقاء أن قوما أجازوا أن يكون [سنين] بدلا من [مائة]؛ لأن [مائة] في معنى (مئات). وقال أبو حيان الأندلسي في (البحر الوسيط): "فأما عطف البيان فلا يجوز على مذهب البصريين، وأما نصبه على التمييز فالمحفوظ من لسان العرب المشهور أن (مائة) لا يفسر إلا بمفرد مجرور، وأن ما سمع من قولهم: "إذا عاش الفتى مائتين عاما" من الضرورات، ولاسيما وقد انضاف إلى ذلك كون [سنين] جمعا".