في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{إِنَّ ٱللَّهَ عِندَهُۥ عِلۡمُ ٱلسَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ ٱلۡغَيۡثَ وَيَعۡلَمُ مَا فِي ٱلۡأَرۡحَامِۖ وَمَا تَدۡرِي نَفۡسٞ مَّاذَا تَكۡسِبُ غَدٗاۖ وَمَا تَدۡرِي نَفۡسُۢ بِأَيِّ أَرۡضٖ تَمُوتُۚ إِنَّ ٱللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرُۢ} (34)

وفي ختام الجولة الرابعة وختام السورة ، وفي ظل هذا المشهد المرهوب يجيء الإيقاع الأخير في السورة قويا عميقا مرهوبا ، يصور علم الله الشامل وقصور الإنسان المحجوب عن الغيوب . ويقرر القضية التي تعالجها السورة بكل أجزائها ، ويخرج هذا كله في مشهد من مشاهد التصوير القرآني العجيب .

( إن الله عنده علم الساعة ، وينزل الغيث ، ويعلم ما في الأرحام ، وما تدري نفس ماذا تكسب غدا ، وما تدري نفس بأي أرض تموت . إن الله عليم خبير ) . .

والله - سبحانه - قد جعل الساعة غيبا لا يعلمه سواه ؛ ليبقى الناس على حذر دائم ، وتوقع دائم ، ومحاولة دائمة أن يقدموا لها ، وهم لا يعلمون متى تأتي ، فقد تأتيهم بغتة في أية لحظة ، ولا مجال للتأجيل في اتخاذ الزاد ، وكنز الرصيد .

والله ينزل الغيث وفق حكمته ، بالقدر الذي يريده ؛ وقد يعرف الناس بالتجارب والمقاييس قرب نزوله ؛ ولكنهم لا يقدرون على خلق الأسباب التي تنشئه . والنص يقرر أن الله هو الذي ينزل الغيث ، لأنه سبحانه هو المنشىء للأسباب الكونية التي تكونه والتي تنظمه . فاختصاص الله في الغيث هو اختصاص القدرة . كما هو ظاهر من النص . وقد وهم الذين عدوه في الغيبيات المختصة بعلم الله . و إن كان علم الله وحده هو العلم في كل أمر وشأن . فهو وحده العلم الصحيح الكامل الشامل الدائم الذي لا يلحق به زيادة ولا نقصان .

( ويعلم ما في الأرحام ) . . اختصاص بالعلم كالاختصاص في أمر( الساعة )فهو سبحانه الذي يعلم وحده . علم يقين . ماذا في الأرحام في كل لحظة وفي كل طور . من فيض وغيض . ومن حمل حتى حين لا يكون للحمل حجم ولا جرم . ونوع هذا الحمل ذكرا أم أنثى ، حين لا يملك أحد أن يعرف عن ذلك شيئا في اللحظة الأولى لاتحاد الخلية والبويضة . وملامح الجنين وخواصه وحالته واستعداداته . . فكل أولئك مما يختص به علم الله تعالى .

( وما تدري نفس ماذا تكسب غدا ) . . ماذا تكسب من خير وشر ، ومن نفع وضر ، ومن يسر وعسر ، ومن صحة ومرض ، ومن طاعة ومعصية . فالكسب أعم من الربح المالي وما في معناه ؛ وهو كل ما تصيبه النفس في الغداة . و هو غيب مغلق ، عليه الأستار . والنفس الإنسانية تقف أمام سدف الغيب ، لا تملك أن ترى شيئا مما وراء الستار .

وكذلك : ( وما تدري نفس بأي أرض تموت )فذلك أمر وراء الستر المسبل السميك الذي لا تنفذ منه الأسماع والأبصار .

وإن النفس البشرية لتقف أمام هذه الأستار عاجزة خاشعة ، تدرك بالمواجهة حقيقة علمها المحدود ، وعجزها الواضح ، ويتساقط عنها غرور العلم والمعرفة المدعاة . وتعرف أمام ستر الغيب المسدل أن الناس لم يؤتوا من العلم إلا قليلا ؛ وأن وراء الستر الكثير مما لم يعلمه الناس . ولو علموا كل شيء آخر فسيظلون واقفين أمام ذلك الستر لا يدرون ماذا يكون غدا ! بل ماذا يكون اللحظة التالية . وعندئذ تطامن النفس البشرية من كبريائها وتخشع لله .

والسياق القرآني يعرض هذه المؤثرات العميقة التأثير في القلب البشري في رقعة فسيحة هائلة . .

رقعة فسيحة في الزمان والمكان ، وفي الحاضر الواقع ، والمستقبل المنظور ، والغيب السحيق . وفي خواطر النفس ، و وثبات الخيال : ما بين الساعة البعيدة المدى ، والغيث البعيد المصدر ، وما في الأرحام الخافي عن العيان . والكسب في الغد ، وهو قريب في الزمان ومغيب في المجهول . . وموضع الموت والدفن ، وهو مبعد في الظنون .

إنها رقعة فسيحة الآماد والأرجاء . ولكن اللمسات التصويرية العريضة بعد أن تتناولها من أقطارها تدق في أطرافها ، وتجمع هذه الأطراف كلها عند نقطة الغيب المجهول ؛ ونقف بها جميعا أمام كوة صغيرة مغلقة ، لو انفتح منها سم الخياط لاستوى القريب خلفها بالبعيد ، ولانكشف القاصي منها والدان . . ولكنها تظل مغلقة في وجه الإنسان ، لأنها فوق مقدور الإنسان ، و وراء علم الإنسان . تبقى خالصة لله لا يعلمها غيره ، إلا بإذن منه وإلا بمقدار . ( إن الله عليم خبير )وليس غيره بالعليم ولا بالخبير . .

ختام السورة:

وهكذا تنتهي السورة ، كما لو كانت رحلة هائلة بعيدة الآماد والآفاق والأغوار والأبعاد . ويؤوب القلب من هذه الرحلة المديدة البعيدة ، الشاملة الشاسعة ، وئيد الخطى لكثرة ما طوف ، ولجسامة ما يحمل ، ولطول ما تدبر وما تفكر ، في تلك العوالم والمشاهد والحيوات !

وهي بعد سورة لا تتجاوز الأربع والثلاثين آية . فتبارك الله خالق القلوب ، ومنزل هذا القرآن شفاء لما في الصدور ، وهدى ورحمة للمؤمنين . .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{إِنَّ ٱللَّهَ عِندَهُۥ عِلۡمُ ٱلسَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ ٱلۡغَيۡثَ وَيَعۡلَمُ مَا فِي ٱلۡأَرۡحَامِۖ وَمَا تَدۡرِي نَفۡسٞ مَّاذَا تَكۡسِبُ غَدٗاۖ وَمَا تَدۡرِي نَفۡسُۢ بِأَيِّ أَرۡضٖ تَمُوتُۚ إِنَّ ٱللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرُۢ} (34)

هذه مفاتيح الغيب التي استأثر الله تعالى بعلمها ، فلا يعلمها أحد إلا بعد إعلامه تعالى بها ؛ فعلم وقت الساعة لا يعلمه نبي مرسل ولا ملك مقرب ، { لا يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلا هُوَ } [ الأعراف : 187 ] ، وكذلك إنزال الغيث لا يعلمه إلا الله ، ولكن إذا أمر به علمته الملائكة الموكلون بذلك ومَنْ شاء الله من خلقه . وكذلك لا يعلم ما في الأرحام مما يريد أن يخلقه [ الله ]{[22996]} تعالى سواه ، ولكن إذا أمر بكونه ذكرا أو أنثى ، أو شقيا أو سعيدا علم الملائكة الموكلون بذلك ، ومَنْ شاء الله من خلقه . وكذلك لا تدري نفس ماذا تكسب غدا في دنياها وأخراها ، { وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ } في بلدها أو غيره من أي بلاد الله كان ، لا علم لأحد بذلك . وهذه شبيهة بقوله تعالى : { وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُهَا إِلا هُوَ } الآية [ الأنعام : 59 ] . وقد وردت السنة بتسمية هذه الخمس : مفاتيح الغيب .

قال الإمام أحمد : حدثنا زيد بن الحباب ، حدثني حسين بن واقد ، حدثني عبد الله بن بُرَيدة ، سمعت أبي - بُرَيدة -{[22997]} يقول : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " خمس لا يعلمهن إلا الله عز وجل : { إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنزلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الأرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ }{[22998]} .

هذا حديث صحيح الإسناد ، ولم يخرجوه .

حديث ابن عمر : قال الإمام أحمد : حدثنا وَكِيع ، حدثنا سفيان ، عن عبد الله بن دينار ، عن ابن عمر{[22999]} قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم {[23000]} مفاتيح الغيب خمس لا يعلمهن إلا الله : { إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنزلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الأرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ } .

انفرد بإخراجه البخاري ، فرواه في " كتاب الاستسقاء " من صحيحه ، عن محمد بن يوسف الفريابي ، عن سفيان بن سعيد الثوري ، به{[23001]} . ورواه في التفسير من وجه آخر فقال :

حدثنا يحيى بن سليمان ، حدثنا ابن وهب ، حدثني عمر بن محمد بن زيد بن عبد الله بن عمر : أن أباه حدثه أن عبد الله بن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " مفاتيح الغيب خمس " . ثم قرأ : { إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنزلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الأرْحَامِ } انفرد به أيضا {[23002]} .

ورواه الإمام أحمد عن غُنْدَر ، عن شعبة ، عن عمر بن محمد ؛ أنه سمع أباه يحدث ، عن ابن عمر ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " أوتيت مفاتيح كل شيء إلا الخمس : { إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنزلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الأرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ }{[23003]} .

[ حديث ابن مسعود ، رضي الله عنه : قال الإمام أحمد : حدثنا يحيى ، عن شعبة ، حدثني عمرو بن مُرَّة ، عن عبد الله بن سلمة قال : قال عبد الله{[23004]} : أوتي نبيكم صلى الله عليه وسلم مفاتيح كل شيء غير خمس : { إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنزلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الأرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ } ] {[23005]} {[23006]} .

وكذا رواه عن محمد بن جعفر ، عن شعبة ، عن عمرو بن مرة ، به . وزاد في آخره : قال : قلت له : أنت سمعته من عبد الله ؟ قال : نعم . أكثر من خمسين مرة{[23007]} .

ورواه أيضا عن وَكِيع ، عن مِسْعَر ، عن عمرو بن مرة به{[23008]} .

وهذا إسناد حسن على شرط أصحاب السنن ولم يخرجوه .

حديث أبي هريرة : قال البخاري عند تفسير هذه الآية : حدثنا إسحاق ، عن جرير ، عن أبي حيان ، عن أبي زُرْعَةَ ، عن أبي هريرة ، رضي الله عنه{[23009]} ؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يوما بارزا للناس ، إذ أتاه رجل يمشي ، فقال : يا رسول الله ، ما الإيمان ؟ قال : «الإيمان : أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله ولقائه ، وتؤمن بالبعث الآخر » . قال : يا رسول الله ، ما الإسلام ؟ قال : «الإسلام : أن تعبد الله ولا تشرك به شيئًا ، وتقيم الصلاة ، وتؤتي الزكاة المفروضة ، وتصوم رمضان » . فقال : يا رسول الله ، ما الإحسان ؟ قال : «الإحسان : أن تعبد الله كأنك تراه ، فإن لم تكن تراه فإنه يراك » . قال : يا رسول الله ، متى الساعة ؟ قال : «ما المسؤول عنها بأعلم من السائل ، ولكن سأحدثك عن أشراطها : إذا ولدت الأمَةُ رَبَّتَهَا ، فذاك من أشراطها . وإذا كان الحفاة العُرَاة رؤوس الناس ، فذاك من أشراطها ، في خمس لا يعلمهن{[23010]} إلا الله . { إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنزلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الأرْحَامِ } ، ثم انصرف الرجل فقال : «ردُّوه عَلَيَّ » . فأخذوا ليردوه ، فلم يروا شيئًا ، فقال : «هذا جبريل ، جاء ليعلم الناس دينهم »{[23011]} .

ورواه البخاري أيضا في " كتاب الإيمان " ، ومسلم من طرق ، عن أبي حيان ، به{[23012]} . وقد تكلمنا عليه في أول شرح البخاري . وذكرنا ثم حديث أمير المؤمنين عمر بن الخطاب في ذلك بطوله ، وهو من أفراد مسلم{[23013]} .

حديث ابن عباس : قال الإمام أحمد : حدثنا أبو النضر ، حدثنا عبد الحميد ، حدثنا شَهْر ، حدثنا عبد الله بن عباس ، رضي الله عنهما ، قال : جلس رسول الله صلى الله عليه وسلم مجلسا له ، فأتاه جبريل فجلس بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم{[23014]} واضعا كفيه على ركبتي النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال : يا رسول الله ، [ حدثني ]{[23015]} ما الإسلام ؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : الإسلام أن تسلم وجهك لله عز وجل ، وتشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأن محمدا عبده ورسوله " . قال : فإذا فعلت ذلك فقد أسلمت ؟ قال : " إذا فعلت ذلك فقد أسلمت " . قال : يا رسول الله ، فحدِّثني ما الإيمان ؟ قال : " الإيمان : أن تؤمن بالله ، واليوم الآخر ، والملائكة ، والكتاب ، والنبيين ، وتؤمن بالموت ، وبالحياة بعد الموت ، وتؤمن بالجنة والنار ، والحساب والميزان ، وتؤمن بالقدر كله خيره وشره " . قال : فإذا فعلت ذلك فقد آمنت ؟ قال : " إذا {[23016]} فعلت ذلك فقد آمنت " . قال : يا رسول الله ، حدثني ما الإحسان ؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " الإحسان أن تعمل لله كأنك تراه ، فإن كنت لا تراه فإنه يراك " . قال : يا رسول الله ، فحدثني متى الساعة ؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " سبحان الله . في خمس لا يعلمهن إلا هو :{[23017]} { إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنزلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الأرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ } ، ولكن إن شئت حدثتك بمعالم لها دون ذلك ؟ " . قال : أجل ، يا رسول الله ، فحدثني . قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إذا رأيت الأمَة ولدت رَبَّتَها - أو : ربها - ورأيت أصحاب الشاء يتطاولون في البنيان ، ورأيت الحفاة الجياع العالة [ كانوا رؤوس الناس ، فذلك من معالم الساعة وأشراطها " . قال : يا رسول الله ، ومَنْ أصحاب الشاء والحفاة الجياع العالة ؟ قال : " العرب " ]{[23018]} {[23019]}( 10 ) .

حديث غريب ، ولم يخرجوه .

حديث رجل من بني عامر : روى الإمام أحمد : حدثنا محمد بن جعفر ، حدثنا شعبة ، عن منصور ، عن رِبْعي بن حِرَاش ، عن رجل من بني عامر ؛ أنه استأذن على النبي صلى الله عليه وسلم فقال : أألج ؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم لخادمه : " اخرُجي إليه ، فإنه لا يحسن الاستئذان فقولي له : فليقل : " السلام عليكم ، أأدخل ؟ " قال : فسَمعتهُ يقول ذلك ، فقلت : السلام عليكم ، أأدخل ؟ فأذن ، فدخلت ، فقلت : بم أتيتنا به ؟ قال : " لم آتكم إلا بخير ، أتيتكم أن تعبدوا الله وحده لا شريك له ، وأن تَدَعوا اللات والعزى ، وأن تصلوا بالليل والنهار خمس صلوات ؛ وأن تصوموا من السنة شهرًا ، وأن تحجوا البيت ، وأن تأخذوا الزكاة من مال أغنيائكم فتردوها على فقرائكم " . قال : فقال : فهل بقي من العلم شيء لا تعلمه ؟ قال : " قد عَلم الله عز وجل خيرًا ، وإن من العلم ما لا يعلمه إلا الله عز وجل : الخمس : { إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنزلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الأرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ } . {[23020]} وهذا إسناد صحيح .

وقال ابن أبي نَجِيِح ، عن مجاهد : جاء رجل من أهل البادية فقال : إن امرأتي حبلى ، فأخبرني ما تلد ؟ وبلادنا جَدبَةٌ ، فأخبرني متى ينزل الغيث ؟ وقد عَلمتُ متى وُلدتُ فأخبرني متى أموت ؟ فأنزل الله عز وجل : { إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ [ وَيُنزلُ الْغَيْثَ ] } {[23021]} ، إلى قوله : { إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ } . قال مجاهد : وهي{[23022]} مفاتيح الغيب التي قال الله تعالى : { وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُهَا إِلا هُوَ } [ الأنعام : 59 ] . رواه ابن أبي حاتم ، وابن جرير .

وقال الشعبي ، عن مسروق ، عن عائشة ، رضي الله عنها ، أنها قالت : مَنْ حدثك أنه يعلم ما في غد فقد كذب ، ثم قرأت : { وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا }{[23023]} .

وقوله : { وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ } : قال قتادة : أشياء استأثر الله بهن ، فلم يُطلع عليهن مَلَكا مقربًا ، ولا نبيا مرسلا { إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ } ، فلا يدري أحد من الناس متى تقوم الساعة ، في أي سنة أو في أي شهر ، أو ليل أو نهار ، { وَيُنزلُ الْغَيْثَ } ، فلا يعلم أحد متى ينزل الغيث ، ليلا أو نهارًا ، { وَيَعْلَمُ مَا فِي الأرْحَامِ } ، فلا يعلم أحد ما في الأرحام ، أذكر أم أنثى ، أحمر أو أسود ، وما هو ، { وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا } ، أخير أم شر ، ولا تدري يا ابن آدم متى تموت ؟ لعلك الميت غدا ، لعلك المصاب غدا ، { وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ } ليس أحد من الناس يدري أين مضجعه من الأرض ، أفي بحر أم بر ، أو سهل أو جبل ؟

وقد جاء في الحديث : " إذا أراد الله قبض عبد بأرض ، جعل له إليها حاجة " ، فقال الحافظ أبو القاسم الطبراني في معجمه الكبير ، في مسند أسامة بن زيد :

حدثنا إسحاق بن إبراهيم ، أخبرنا عبد الرزاق ، أخبرنا مَعْمَر ، عن أيوب ، عن أبي المليح ، عن أسامة{[23024]} بن زيد قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ما جعل الله ميتَة{[23025]} عبد بأرض إلا جعل له فيها حاجة " {[23026]} .

وقال عبد الله بن الإمام أحمد : حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ، حدثنا أبو داود الحَفَريّ ، عن سفيان ، عن أبي إسحاق ، عن مَطَر بن عُكَامِس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم{[23027]} : إذا قضى الله ميتة عبد بأرض ، جعل له إليها حاجة " .

وهكذا رواه الترمذي في " القدر " ، من حديث سفيان الثوري ، به{[23028]} . ثم قال : " حسن غريب ، ولا يعرف لمطر عن النبي صلى الله عليه وسلم غير هذا الحديث . وقد رواه أبو داود في " المراسيل " ، {[23029]} فالله أعلم .

وقال الإمام أحمد : حدثنا إسماعيل ، حدثنا أيوب ، عن أبي المليح بن أسامة{[23030]} عن أبي عزة {[23031]} قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إذا أراد الله قبض روح عبد بأرض جعل له فيها - أو قال : بها - حاجة " .

وأبو عزة هذا هو : يَسَار{[23032]} بن عبد الله ، ويقال : ابن عبد الهُذَلي .

وأخرجه الترمذي من حديث إسماعيل [ بن إبراهيم - وهو ابن عُلَيّة{[23033]} ، وقال : صحيح .

وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أحمد بن عصام الأصفهاني ، حدثنا المؤمل بن إسماعيل ]{[23034]} ، حدثنا عبيد الله بن أبي حميد ، عن أبي المليح ، عن أبي عزة الهذلي قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إذا أراد الله قبض عبد بأرض ، جعل له إليها حاجة ، فلم ينته حتى يقدمها " . ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم : { إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنزلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الأرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ }{[23035]} .

حديث آخر : قال الحافظ أبو بكر البزار : حدثنا أحمد بن ثابت الجَحْدَري ومحمد بن يحيى القُطَعي قالا حدثنا عُمَر بن علي ، حدثنا إسماعيل ، عن قيس ، عن عبد الله قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إذا أراد الله قبض عبد بأرض جعل له إليها حاجة " . ثم قال البزار : وهذا الحديث لا نعلم أحدا يرفعه إلا عُمَر بن علي المُقَدميّ . {[23036]} ( 10 ) وقال ابن أبي الدنيا : حدثني سليمان بن أبي مسيح{[23037]} ( 11 ) قال : أنشدني محمد بن الحكم لأعشى هَمْدان :

فَمَا تَزَوّدَ ممَّا كَانَ يَجْمَعُه *** سِوَى حَنُوط غَدَاةَ البَيْن مَع خرَق . . .

وَغَيْرِ نَفْحة أعْوَاد تُشَبّ لَُه *** وَقلّ ذَلكَ مِنْ زَاد لمُنْطَلق !

لا تَأسَيَنّ عَلَى شَيْء فَكُلّ فَتَى *** إلَى مَنيّته سَيَّارُ في عَنَق{[23038]} ( 12 )

وَكُلّ مَنْ ظَنّ أنّ الموتَ يُخْطِئهُ *** مُعَلَّلٌ بأعَاليل مِنَ الحَمق

بأيّمَا بَلْدَة تُقْدَر منيته *** إنْ لا يُسَيَّرْ إلَيها طَائعًا يُسَق

أورده الحافظ ابن عساكر ، رحمه الله ، في ترجمة عبد الرحمن بن عبد الله بن الحارث ، {[23039]} وهو أعشى هَمْدَان ، وكان الشعبي زوجَ أخته ، وهو مُزَوّج بأخت الشعبي أيضا ، وقد كان ممن طلب العلم وتَفَقَّه ، ثم عدل إلى صناعة الشعر فعُرف به .

وقد رواه ابن ماجه عن أحمد بن ثابت وعُمَر بن شَبَّة ، كلاهما عن عمر بن علي{[23040]} مرفوعا : «إذا كان أجل أحدكم بأرض أوثَبَتْه{[23041]} إليها حاجة ، فإذا بلغ أقصى أثره {[23042]} ، قبضه الله عز وجل ، فتقول الأرض يوم القيامة : رب ، هذا ما أودعتني » {[23043]} .

قال الطبراني : حدثنا إسحاق بن إبراهيم ، حدثنا عبد الرزاق ، حدثنا معمر ، عن أيوب ، عن أبي المليح ، عن أسامة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : «ما جعل الله منية عبد بأرض ، إلا جعل له إليها حاجة »{[23044]} .

[ آخر تفسير سورة " لقمان " والحمد لله رب العالمين ، وهو حسبنا ونعم الوكيل ]{[23045]}


[22996]:- زيادة من ت، ف، أ.
[22997]:- في ت: "وروى الإمام أحمد بإسناده عن بريدة".
[22998]:- المسند (5/353) وقال الهيثمي في المجمع (7/90) "رجال أحمد رجال الصحيح".
[22999]:- في ت: "وروى البخاري عن عبد الله بن عمر"
[23000]:- في ت: "النبي".
[23001]:- المسند (2/24) وصحيح البخاري برقم (1035).
[23002]:- صحيح البخاري برقم (4697).
[23003]:- المسند (2/85).
[23004]:- في ت: "وروى الإمام أحمد عن ابن مسعود قال".
[23005]:- زيادة من ف، أ.
[23006]:- المسند (1/386)
[23007]:- المسند (1/438)
[23008]:- المسند (1/445).
[23009]:- في ت: "وروى البخاري".
[23010]:- في ت: "لا يعلمهم".
[23011]:- صحيح البخاري برقم (4777).
[23012]:- صحيح البخاري برقم (50) وصحيح مسلم برقم .
[23013]:- صحيح مسلم برقم .
[23014]:- في ف، أ: "بين يديه".
[23015]:- زيادة من ت، ف، أ، والمسند
[23016]:- في ف: "فإذا".
[23017]:- في أ: "الله".
[23018]:- زيادة من ت، ف، أ، والمسند.
[23019]:- (10) المسند (1/318).
[23020]:- المسند (5/368).
[23021]:- زيادة من ت، ف، أ.
[23022]:- في أ: "وهن".
[23023]:- تفسير الطبري (21/56).
[23024]:- في ت: "فروى أبو القاسم الطبراني في معجمه الكبير في مسند أسامة".
[23025]:- في ت، ف، أ: "منية".
[23026]:- المعجم الكبير (1/178) وقال الهيثمي في المجمع (7/196) "ورجاله رجال الصحيح" وفيها: "منية" بدل "ميتة"
[23027]:- في ت: "روى عبد الله بن الإمام أحمد بإسناده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال".
[23028]:- زوائد المسند (5/227) وسنن الترمذي برقم (2146).
[23029]:- لم أجده في المطبوع من المراسيل.
[23030]:- في ت: "وروى الإمام أحمد".
[23031]:- في أ: "عن أبي عزة الهذلي".
[23032]:- في ف: "بشار".
[23033]:- المسند (3/429) وسنن الترمذي برقم (2147).
[23034]:- زيادة من ت، ف، أ.
[23035]:- ورواه الطبراني في الأوسط برقم (3248) "مجمع البحرين" من طريق عباد بن صهيب، عن عبيد الله بن أبي حميد به، وعباد ابن صهيب متروك.
[23036]:- (10) ورواه الحاكم في المستدرك (1/367) من طريق محمد بن خالد الوهبي، عن إسماعيل بن أبي خالد بنحوه.
[23037]:- (11) في ت، ف، أ: "شيخ".
[23038]:- (12) في ت: "يسير في غنق"
[23039]:- لم أجد الأبيات فيما بين يدي من تاريخ دمشق ولا في المختصر لابن منظور.
[23040]:- في ت، ف: "عكرمة".
[23041]:- في ف: "أتت".
[23042]:- في ت، ف: "أمره".
[23043]:- سنن ابن ماجه برقم (4263) وقال البوصيري في الزوائد (2/264): "هذا إسناد صحيح ورجاله ثقات". والكلام هنا متعلق برواية البزار ولم أستسغ تقديمها؛ لورودها هكذا في النسخ.
[23044]:- المعجم الكبير (1/178) وقد مر ذكره.
[23045]:- زيادة من ت، ف، أ.
 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{إِنَّ ٱللَّهَ عِندَهُۥ عِلۡمُ ٱلسَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ ٱلۡغَيۡثَ وَيَعۡلَمُ مَا فِي ٱلۡأَرۡحَامِۖ وَمَا تَدۡرِي نَفۡسٞ مَّاذَا تَكۡسِبُ غَدٗاۖ وَمَا تَدۡرِي نَفۡسُۢ بِأَيِّ أَرۡضٖ تَمُوتُۚ إِنَّ ٱللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرُۢ} (34)

القول في تأويل قوله تعالى : { إِنّ اللّهَ عِندَهُ عِلْمُ السّاعَةِ وَيُنَزّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الأرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مّاذَا تَكْسِبُ غَداً وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنّ اللّهَ عَلَيمٌ خَبِيرٌ } .

يقول تعالى ذكره : يا أيّها النّاسُ اتّقُوا رَبّكُمْ ، وَاخْشَوْا يَوْما لا يَجْزِي وَالدٌ عَنْ وَلَدِهِ ، وَلا مَوْلُودٌ هُوَ جازٍ عَنْ وَالِدِهِ شَيْئا هو آتيكم علم إتيانه إياكم عند ربكم ، لا يعلم أحد متى هو جائيكم ، لا يأتيكم إلاّ بغتة ، فاتقوه أن يفجأكم بغتة ، وأنتم على ضلالتكم لم تنيبوا منها ، فتصيروا من عذاب الله وعقابه إلى ما لا قِبل لكم به وابتدأ تعالى ذكره الخبر عن علمه بمجيء الساعة . والمعنى : ما ذكرت لدلالة الكلام على المراد منه ، فقال : إنّ اللّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السّاعَةِ التي تقوم فيها القيامة ، لا يعلم ذلك أحد غيره وينزّلُ الغَيْثَ من السماء ، لا يقدر على ذلك أحد غيره وَيَعْلَمُ ما في الأرْحامِ أرحام الإناث وَما تَدْرِي نَفْسٌ ماذَا تَكْسِبُ غَدا يقول : وما تعلم نفس حيّ ماذا تعمل في غد ، وَما تَدْرِي نَفْسٌ بأيّ أرْض تَمُوتُ يقول : وما تعلم نفس حيّ بأيّ أرض تكون منيتها إنّ اللّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ يقول : إن الذي يعلم ذلك كله ، هو الله دون كلّ أحد سواه ، إنه ذو علم بكلّ شيء ، لا يخفى عليه شيء ، خبير بما هو كائن ، وما قد كان . وبنحو الذي قلنا في تأويل ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن قال : حدثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد إنّ اللّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السّاعَةِ قال : جاء رجل قال قال أبو جعفر : أحسبه أنا ، قال إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم فقال : إنّ امرأتي حُبلى ، فأخبرني ماذا تلد ؟ وبلادنا محل جدبة ، فأخبرني متى ينزل الغيث ؟ وقد علمت متى وَلدت ، فأخبرني متى أموت ، فأنزل الله : إنّ اللّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السّاعَةِ ، وَيُنَزّلُ الغَيْثَ . . . إلى آخر السورة ، قال : فكان مجاهد يقول : هنّ مفاتح الغيب التي قال الله وَعِنْدَهُ مَفاتِحُ الغَيْبِ لا يَعْلَمُها إلاّ هُوَ .

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قَتادة إنّ اللّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السّاعَةِ . . . الاَية ، أشياء من الغيب ، استأثر الله بهنّ ، فلم يطلع عليهنّ ملَكا مقرّبا ، ولا نبيا مرسلاً إنّ اللّهَ عِندَهُ عِلْمُ السّاعَةِ فلا يدري أحد من الناس متى تقوم الساعة ، في أيّ سنة ، أو في أيّ شهر ، أو ليل ، أو نهار ويُنزّلُ الغَيْثَ فلا يعلم أحد متى ينزل الغيث ، ليلاً أو نهارا ينزل ؟ وَيَعْلَمُ ما فِي الأرْحامِ فلا يعلم أحد ما فِي الأرحام ، أذكر أو أنثى ، أحمر أو أسود ، أو ما هو ؟ وَما تَدْرِي نَفْسٌ ماذَا تَكْسِبُ غَدا خير أم شرّ ، ولا تدري يا ابن آدم متى تموت ؟ لعلك الميت غدا ، لعلك المصاب غدا وَما تَدْرِي نَفْسٌ بأيّ أرْضٍ تَمُوتُ ليس أحد من الناس يدري أين مضجعه من الأرض في بحر أو برّ أو سهل أو جبل ، تعالى وتبارك .

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا جرير ، عن مغيرة ، عن الشعبيّ ، قال : قالت عائشة : من قال : إن أحدا يعلم الغيب إلاّ الله فقد كذب ، وأعظمَ الفريةَ على الله . قال الله : لاَ يَعْلَمُ مَنْ فِي السّمَوَاتِ وَالأرْضِ الْغَيْبَ إلاّ اللّهُ .

حدثني يعقوب ، قال : حدثنا ابن علية ، عن يونس بن عبيد ، عن عمرو بن شُعيب أن رجلاً قال : يا رسول الله ، هل من العلم علم لم تؤته ؟ قال : «لَقَدْ أُوتِيتُ عِلْما كَثِيرا ، وَعِلْما حَسَنا » ، أو كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الاَية : إنّ اللّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السّاعَةِ وَيُنَزّلُ الغَيْثَ . . . إلى إنّ اللّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ «لا يَعْلَمُهُنّ إلاّ اللّهُ تَبارَكَ وَتَعالى » .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : ثني عمرو بن محمد ، عن أبيه ، عن عبد الله بن عمرو أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : «مَفاتِحُ الغَيْبِ خَمْسَةٌ ، ثم قرأ هؤلاء الاَيات إنّ اللّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السّاعَةِ . . . إلى آخرها » .

حدثني عليّ بن سهل ، قال : حدثنا مؤمل ، قال : حدثنا سفيان ، عن عبد الله بن دينار ، أنه سمع ابن عمر يقول : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «مَفاتِحُ الغَيْبِ خَمْسٌ لا يَعْلَمُهُنّ إلاّ اللّهُ ، إنّ اللّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السّاعَةِ ، ويُنزّلُ الغَيْثَ ، ويَعْلَمُ ما فِي الأرْحامِ . . . الاَية ، ثم قال : لا يَعْلَمُ ما فِي غَد إلاّ اللّهُ ، وَلا يَعْلَمُ أحَدٌ مَتى يَنْزِلُ الغَيْثَ إلاّ اللّهُ ، وَلا يَعْلَمُ أحَدٌ مَتى قِيامُ السّاعَةِ إلاّ اللّهُ ، وَلا يَعْلَمُ أحَدٌ ما فِي الأرْحامِ إلاّ اللّهُ ، وَلا تَدْرِي نَفْسٌ بأيّ أرْض تَمُوتُ .

حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا أبي ، عن سفيان ، عن عبد الله بن دينار ، عن ابن عمر ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «مَفاتِحُ الغَيْبِ خَمْسٌ لا يَعْلَمُها إلاّ اللّهُ : إنّ اللّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السّاعَةِ ، ويُنَزّلُ الغَيْثَ ، وَيَعْلَمُ ما فِي الأرْحامِ ، وَما تَدْرِي نَفْسٌ ماذَا تَكْسِبُ غَدا ، وَما تَدْرِي نَفْسٌ بأيّ أرْضٍ تَمُوتُ ، إنّ اللّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ » .

حدثنا ابن وكيع ، قال : ثني أبي ، عن مسعر ، عن عمرو بن مرّة ، عن عبد الله بن سلمة ، عن ابن مسعود قال : كلّ شيء أوتيه نبيكم صلى الله عليه وسلم ، إلاّ علم الغيب الخمس : إنّ اللّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السّاعَةِ ، ويُنَزّلُ الغَيْثَ وَيَعْلَمُ ما في الأرْحامِ ، وَما تَدْرِي نَفْسٌ ماذَا تَكْسِبُ غَدا ، وَما تَدْرِي نَفْسٌ بأيّ أرْضٍ تَمُوتُ .

حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا أبي ، عن ابن أبي خالد ، عن عامر ، عن مسروق ، عن عائشة ، قالت : من حدّثك أنه يعلم ما في غد فقد كذب ، ثم قرأت : وَما تَدْرِي نَفْسٌ ماذَا تَكْسبُ غَدا .

قال : ثنا جرير وابن علية ، عن أبي خباب ، عن أبي زُرعة ، عن أبي هريرة ، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال : «خَمْسٌ لا يَعْلَمُهُنّ إلاّ اللّهُ : إنّ اللّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السّاعَةِ ، ويُنَزّلُ الغَيْثَ . . . الاَية » .

حدثني أبو شُرَحبيل ، قال : حدثنا أبو اليمان ، قال : حدثنا إسماعيل ، عن جعفر ، عن عمرو بن مرّة ، عن عبد الله بن سلمة ، عن ابن مسعود ، قال : كلّ شيء قد أوتي نبيكم غير مفاتح الغيب الخمس ، ثم قرأ هذه الاَية إنّ اللّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السّاعَةِ . . . إلى آخرها .

وقيل : بأيّ أرض تموت . وفيه لغة أخرى : «بأيّةِ أرْضٍ » فمن قال : بأيّ أرْضٍ اجتزأ بتأنيث الأرض من أن يظهر في أيّ تأنيث آخر ، ومن قال «بأيّة أرْضٍ » فأنث ، أي قال : قد تجتزىء بأي مما أضيف إليه ، فلا بدّ من التأنيث ، كقول القائل : مررت بامرأة ، فيقال له : بأية ، ومررت برجل ، فيقال له بأيّ ويقال : أيّ امرأة جاءتك وجاءك ، وأية امرأة جاءتك .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{إِنَّ ٱللَّهَ عِندَهُۥ عِلۡمُ ٱلسَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ ٱلۡغَيۡثَ وَيَعۡلَمُ مَا فِي ٱلۡأَرۡحَامِۖ وَمَا تَدۡرِي نَفۡسٞ مَّاذَا تَكۡسِبُ غَدٗاۖ وَمَا تَدۡرِي نَفۡسُۢ بِأَيِّ أَرۡضٖ تَمُوتُۚ إِنَّ ٱللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرُۢ} (34)

{ إن الله عنده علم الساعة } علم وقت قيامها . لما روي أن الحرث بن عمرو أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : متى قيام الساعة ؟ وإني قد ألقيت حباتي في الأرض فمتى السماء تمطر ؟ وحمل امرأتي أذكر أو أنثى ؟ وما أعمل غدا وأين أموت ؟ فنزلت . وعنه الصلاة والسلام " مفاتح الغيب خمس " وتلا هذه الآية . { وينزل الغيث } في إبانه المقدر له والمحل المعين له في علمه ، وقرأ نافع وابن عامر وعاصم بالتشديد . { ويعلم ما في الأرحام } أذكر أم أنثى أتام أم ناقص . { وما تدري نفس ماذا تكسب غدا } من خير أو شر وربما تعزم على شيء وتفعل خلافه . { وما تدري نفس بأي أرض تموت } كما لا تدري في أي وقت تموت . روي أن ملك الموت مر على سليمان فجعل ينظر إلى رجل من جلسائه يديم النظم إليه ، فقال الرجل من هذا ؟ قال : ملك الموت فقال كأنه يريدني فمر الريح أن تحملني وتلقيني بالهند ففعل فقال الملك : كان دوام نظري إليه تعجبا منه إذ أمرت أن أقبض روحه بالهند وهو عندك " ، وإنما جعل العلم لله تعالى والدراية للعبد لأن فيها معنى الحيلة فيشعر بالفرق بين العلمين ، ويدل على أنه إن أعمل حيلة وأنفذ فيها وسعه لم يعرف ما هو الحق به من كسبه وعاقبته فكيف بغيره مما لم ينصب له دليل عليه ، وقرئ " بأية أرض " وشبه سيبويه تأنيثها بتأنيث كل في { كلهن } . { إن الله عليم } يعلم الأشياء كلها . { خبير } يعلم بواطنها كما يعلم ظواهرها .

ختام السورة:

وعنه صلى الله عليه وسلم " من قرأ سورة لقمان كان له لقمان رفيقا يوم القيامة ، وأعطي من الحسنات عشرا عشرا بعدد من عمل بالمعروف ونهى عن المنكر " .