في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{۞فَلَمَّآ أَحَسَّ عِيسَىٰ مِنۡهُمُ ٱلۡكُفۡرَ قَالَ مَنۡ أَنصَارِيٓ إِلَى ٱللَّهِۖ قَالَ ٱلۡحَوَارِيُّونَ نَحۡنُ أَنصَارُ ٱللَّهِ ءَامَنَّا بِٱللَّهِ وَٱشۡهَدۡ بِأَنَّا مُسۡلِمُونَ} (52)

33

ومن بشارة الملائكة لمريم بابنها المنتظر ، وصفاته ورسالته ومعجزاته وكلماته ، هذه التي ذكرت ملحقة بالبشارة . . ينتقل السياق مباشرة إلى إحساسه - عليه السلام - بالكفر من بني إسرائيل ، وإلى طلبه الأنصار لإبلاغ دين الله :

( فلما أحس عيسى منهم الكفر قال : من أنصاري إلى الله ؟ قال الحواريون : نحن أنصار الله ، آمنا بالله ، واشهد بأنا مسلمون . ربنا آمنا بما أنزلت واتبعنا الرسول فاكتبنا مع الشاهدين ) .

وهنا فجوة كبيرة في السياق . فإنه لم يذكر أن عيسى قد ولد بالفعل ؛ ولا أن أمه واجهت به القوم فكلمهم في المهد ؛ ولا أنه دعا قومه وهو كهل ؛ ولا أنه عرض عليهم هذه المعجزات التي ذكرت في البشارة لأمه [ كما جاء في سورة مريم ] . . وهذه الفجوات ترد في القصص القرآني ، لعدم التكرار في العرض من جهة ، وللاقتصار على الحلقات والمشاهد المتعلقة بموضوع السورة وسياقها من جهة أخرى . .

والأن لقد أحس عيسى الكفر من بني إسرائيل - بعد ما أراهم كل تلك المعجزات التي لا تتهيأ لبشر ؛ والتي تشهد بأن الله وراءها ، وأن قوة الله تؤيدها ، وتؤيد من جاءت على يده . ثم على الرغم من أن المسيح جاء ليخفف عن بني إسرائيل بعض القيود والتكاليف . .

عندئذ دعا دعوته :

( قال : من أنصاري إلى الله ) ؟ . .

من أنصاري إلى دين الله ودعوته ومنهجه ونظامه ؟ من أنصاري إلى الله لأبلغ إليه ، وأؤدي عنه ؟

ولا بد لكل صاحب عقيدة ودعوة من أنصار ينهضون معه ، ويحملون دعوته ، ويحامون دونها ، ويلغونها إلى من يليهم ، ويقومون بعده عليها . .

( قال الحواريون : نحن أنصار الله آمنا بالله واشهد بأنا مسلمون ) .

فذكروا الإسلام بمعناه الذي هو حقيقة الدين ، وأشهدوا عيسى - عليه السلام - على إسلامهم هذا وانتدابهم لنصرة الله . . أي نصرة رسوله ودينه ومنهجه في الحياة .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{۞فَلَمَّآ أَحَسَّ عِيسَىٰ مِنۡهُمُ ٱلۡكُفۡرَ قَالَ مَنۡ أَنصَارِيٓ إِلَى ٱللَّهِۖ قَالَ ٱلۡحَوَارِيُّونَ نَحۡنُ أَنصَارُ ٱللَّهِ ءَامَنَّا بِٱللَّهِ وَٱشۡهَدۡ بِأَنَّا مُسۡلِمُونَ} (52)

يقول تعالى : { فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسَى } أي : استشعر منهم التصميم على الكفر والاستمرار على الضلال قال : { مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ } قال مجاهد : أي من يَتبعني إلى الله ؟ وقال سفيان الثوري وغيره : من أنصاري مع الله ؟ وقول{[5059]} مجاهد أقربُ .

والظاهر أنه أراد من أنصاري في الدعوة إلى الله ؟ كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول في مواسم الحج ، قبل أن يهاجر : " مَنْ رَجُل يُؤْوِيني عَلى [ أن ]{[5060]} أبلغ كلامَ رَبِّي ، فإنَّ قُرَيْشًا قَدْ مَنَعُونِي أنْ أُبَلِّغَ كَلامَ رَبِّي " {[5061]} حتى وجد الأنصار فآووه ونصروه ، وهاجر إليهم فآسوه{[5062]} ومنعوه من الأسود والأحمر . وهكذا{[5063]} عيسى ابن مريم ، انْتدَبَ له طائفة من بني إسرائيل فآمنوا به وآزروه ونصروه واتبعوا النور الذي أنزل معه . ولهذا قال تعالى مخبرًا عنهم : { قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصَارُ اللَّهِ آمَنَّا بِاللَّهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ . رَبَّنَا آمَنَّا بِمَا أَنزلْتَ وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ } الحواريون ، قيل : كانوا قَصّارين وقيل : سموا بذلك لبياض ثيابهم ، وقيل : صيادين . والصحيح أن الحواري الناصر ، كما ثبت في الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما نَدبَ الناس يوم الأحزاب ، فانتدب الزبير ، ثم ندبهم فانتدَبَ الزبير [ ثم ندبهم فانتدب الزبير ]{[5064]} فقال : " إنَّ لِكُلِّ نَبِيٍّ حَوَاريًا وَحَوَارِيي الزُّبَيْرُ " {[5065]} .

وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبو سعيد الأشَجّ ، حدثنا وكيع ، حدثنا إسرائيل ، عن سماك ، عن عكرمة ، عن ابن عباس في قوله : { فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ } قال مع أمة محمد صلى الله عليه وسلم . وهذا إسناد جيد .


[5059]:في أ: "وقال".
[5060]:زيادة من ر، وفي جـ، أ، و: "يؤويني حتى أبلغ".
[5061]:رواه أحمد في المسند (3/322) من حديث جابر رضي الله عنه.
[5062]:في أ: "فآمنوه".
[5063]:في أ: "وكذا".
[5064]:زيادة من أ، و.
[5065]:صحيح البخاري برقم (3719) وصحيح مسلم برقم (2415) من حديث جابر رضي الله عنه.