في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{تَكَادُ ٱلسَّمَٰوَٰتُ يَتَفَطَّرۡنَ مِن فَوۡقِهِنَّۚ وَٱلۡمَلَـٰٓئِكَةُ يُسَبِّحُونَ بِحَمۡدِ رَبِّهِمۡ وَيَسۡتَغۡفِرُونَ لِمَن فِي ٱلۡأَرۡضِۗ أَلَآ إِنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلۡغَفُورُ ٱلرَّحِيمُ} (5)

ثم يعرض مظهراً لخلوص الملكية لله في الكون ، وللعلو والعظمة كذلك . يتمثل في حركة السماوات تكاد تتفطر من روعة العظمة التي تستشعرها لربها ، ومن زيغ بعض من فى الأرض عنها . كما يتمثل في حركة الملائكة يسبحون بحمد ربهم ، ويستغفرون لأهل الأرض من انحرافهم وتطاولهم :

والسماوات هي هذه الخلائق الضخمة الهائلة التي نراها تعلونا حيثما كنا على ظهر هذه الأرض ، والتي لا نعلم إلا أشياء قليلة عن جانب منها صغير . وقد عرفنا حتى اليوم أن بعض ما في السماوات نحو من مئة ألف مليون مجموعة من الشموس . في كل منها نحو مئة ألف مليون شمس كشمسنا هذه ، التي مبلغ حجمها أكثر من مليون ضعف من حجم أرضنا الصغيرة ! وهذه المجموعات من الشموس التي أمكن لنا - نحن البشر - أن نرصدها بمراصدنا الصغيرة ، متناثرة في فضاء السماء مبعثرة ، وبينها مسافات شاسعة تحسب بمئات الألوف والملايين من السنوات الضوئية . أي المحسوبة بسرعة الضوء ، التي تبلغ 168 . 000 ميل في الثانية !

هذه السماوات التي عرفنا منها هذا الجانب الصغير المحدود يكدن يتفطرن من فوقهن . . من خشية الله وعظمته وعلوه ، وإشفاقاً من انحراف بعض أهل الأرض ونسيانهم لهذه العظمة التي يحسها ضمير الكون ، فيرتعش ، وينتفض ، ويكاد ينشق من أعلى مكان فيه !

( والملائكة يسبحون بحمد ربهم ويستغفرون لمن في الأرض ) . .

والملائكة أهل طاعة مطلقة ، فقد كانوا أولى الخلق بالطمأنينة . ولكنهم دائبون في تسبيح ربهم ، لما يحسون من علوه وعظمته ، ولما يخشون من التقصير في حمده وطاعته . ذلك بينما أهل الأرض المقصرون الضعاف ينكرون وينحرفون ؛ فيشفق الملائكة من غضب الله ؛ ويروحون يستغفرون لأهل الأرض مما يقع في الأرض من معصية وتقصير . ويجوز أن يكون المقصود هو استغفار الملائكة للذين آمنوا ، كالذى جاء فى سورة غافر : ( الذين يحملون العرش ومن حوله يسبحون بحمد ربهم ، ويؤمنون به ، ويستغفرون للذين آمنوا ) . . وفي هذه الحالة يبدو : كم يشفق الملائكة من أية معصية تقع في الأرض ، حتى من الذين آمنوا ، وكم يرتاعون لها ، فيستغفرون ربهم وهم يسبحون بحمده استشعاراً لعلوه وعظمته ؛ واستهوالاً لأية معصية تقع في ملكه ؛ واستدرارا لمغفرته ورحمته ؛ وطمعاً فيهما :

( ألا إن الله هو الغفور الرحيم ) . .

فيجمع إلى العزة والحكمة ، العلو والعظمة ، ثم المغفرة والرحمة . . ويعرف العباد ربهم بشتى صفاته .

 
صفوة البيان لحسين مخلوف - حسنين مخلوف [إخفاء]  
{تَكَادُ ٱلسَّمَٰوَٰتُ يَتَفَطَّرۡنَ مِن فَوۡقِهِنَّۚ وَٱلۡمَلَـٰٓئِكَةُ يُسَبِّحُونَ بِحَمۡدِ رَبِّهِمۡ وَيَسۡتَغۡفِرُونَ لِمَن فِي ٱلۡأَرۡضِۗ أَلَآ إِنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلۡغَفُورُ ٱلرَّحِيمُ} (5)

{ تكاد السموات يتفطرن } أي يتشققن فيسقطن من عظمهن{ من فوقهن } من أعلاهن ، من علو شأنه تعالى وعظمته ، وهيبته وجلاله .

{ والملائكة } في السموات العلا{ يسبحون بحمد ربهم } ينزهونه عما لا ينبغي له من الشريك والولد وسائر النقائص ، متلبسين بحمده تعالى والثناء عليه ؛ إيمانا وإذعانا لعظمته . { ويستغفرون لمن في الأرض } يطلبونه للمؤمنين من أهل الأرض عفو الله وغفرانه ؛ خوفا عليهم من سطوة جبروته .

 
تيسير التفسير لإبراهيم القطان - إبراهيم القطان [إخفاء]  
{تَكَادُ ٱلسَّمَٰوَٰتُ يَتَفَطَّرۡنَ مِن فَوۡقِهِنَّۚ وَٱلۡمَلَـٰٓئِكَةُ يُسَبِّحُونَ بِحَمۡدِ رَبِّهِمۡ وَيَسۡتَغۡفِرُونَ لِمَن فِي ٱلۡأَرۡضِۗ أَلَآ إِنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلۡغَفُورُ ٱلرَّحِيمُ} (5)

يتفطّرن : يتشقّقْن من خشية الله وعظمته .

من فوقهن : من جهتهن الفوقانية .

وأن السمواتِ والأرض على عِظَمِها تكاد تتشقّق فَرَقاً من هيبته وجلاله ، وأن الملائكة يسبّحون بحمد ربهم وينزهونه عما لا يليق به ، ويطلبون المغفرة لعباده المؤمنين . وبين بوضوح { إِنَّ الله هُوَ الغفور الرحيم }

 
الوجيز في تفسير الكتاب العزيز للواحدي - الواحدي [إخفاء]  
{تَكَادُ ٱلسَّمَٰوَٰتُ يَتَفَطَّرۡنَ مِن فَوۡقِهِنَّۚ وَٱلۡمَلَـٰٓئِكَةُ يُسَبِّحُونَ بِحَمۡدِ رَبِّهِمۡ وَيَسۡتَغۡفِرُونَ لِمَن فِي ٱلۡأَرۡضِۗ أَلَآ إِنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلۡغَفُورُ ٱلرَّحِيمُ} (5)

{ تكاد السماوات يتفطرن من فوقهن } تكاد كل واحدة منها تتفطر فوق التي تليها من قول المشركين اتخذ الله ولدا { والملائكة يسبحون بحمد ربهم } ينزهون الله تعالى عن السوء { ويستغفرون } الله { لمن في الأرض } من المؤمنين

 
الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي [إخفاء]  
{تَكَادُ ٱلسَّمَٰوَٰتُ يَتَفَطَّرۡنَ مِن فَوۡقِهِنَّۚ وَٱلۡمَلَـٰٓئِكَةُ يُسَبِّحُونَ بِحَمۡدِ رَبِّهِمۡ وَيَسۡتَغۡفِرُونَ لِمَن فِي ٱلۡأَرۡضِۗ أَلَآ إِنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلۡغَفُورُ ٱلرَّحِيمُ} (5)

قوله تعالى : " تكاد السماوات " قراءة العامة بالتاء . وقرأ نافع وابن وثاب والكسائي بالياء . " يتفطرن " قرأ نافع وغيره بالياء والتاء والتشديد في الطاء ، وهي قراءة العامة . وقرأ أبو عمرو وأبو بكر والمفضل وأبو عبيد " ينفطرن " من الانفطار ، كقوله تعالى : " إذا السماء انفطرت " [ الانفطار : 1 ] وقد مضى في سورة " مريم " بيان هذا{[13461]} . وقال ابن عباس : " تكاد السماوات يتفطرن " أي تكاد كل واحدة منها تنفطر فوق التي تليها ، من قول المشركين : " اتخذ الله ولدا " {[13462]} [ البقرة : 116 ] . وقال الضحاك والسدي : " يتفطرن " أي يتشقق من عظمة الله وجلاله فوقهن . وقيل : " فوقهن " : فوق الأرضين من خشية الله لو كن مما يعقل .

قوله تعالى : " والملائكة يسبحون بحمد ربهم " أي ينزهونه عما لا يجوز في وصفه ، وما لا يليق بجلال . وقيل : يتعجبون من جرأة المشركين ، فيذكر التسبيح في موضع التعجب . وعن علي رضي الله عنه : أن تسبيحهم تعجب مما يرون من تعرضهم لسخط الله . وقال ابن عباس : تسبيحهم خضوع لما يرون من عظمة الله . ومعنى " بحمد ربه " : بأمر ربهم ، قاله السدي . " ويستغفرون لمن في الأرض " قال الضحاك : لمن في الأرض من المؤمنين . وقاله السدي . بيانه في سورة غافر : " ويستغفرون للذين آمنوا " {[13463]} [ غافر : 7 ] . وعلى هذا تكون الملائكة هنا حملة العرش . وقيل : جميع ملائكة السماء ، وهو الظاهر من قول الكلبي . وقال وهب بن منبه : هو منسوخ بقوله : " ويستغفرون للذين آمنوا " . قال المهدوي : والصحيح أنه ليس بمنسوخ ؛ لأنه خبر ، وهو خاص للمؤمنين . وقال أبو الحسن الماوردي عن الكلبي : إن الملائكة لما رأت الملكين اللذين اختبرا وبعثا إلى الأرض ليحكما بينهم ، فافتتنا بالزهرة وهربا إلى إدريس - وهو جد أبي نوح عليهما السلام - وسألاه أن يدعو لهما ، سبحت الملائكة بحمد ربهم واستغفرت لبني آدم . قال أبو الحسن بن الحصار : وقد ظن بعض من جهل أن هذه الآية نزلت بسبب هاروت وماروت ، وأنها منسوخة بالآية التي في المؤمن ، وما علموا أن حملة العرش مخصوصون بالاستغفار للمؤمنين خاصة ، ولله ملائكة أخر يستغفرون لمن في الأرض . الماوردي : وفي استغفارهم لهم قولان : أحدهما : من الذنوب والخطايا ، وهو ظاهر قول مقاتل . الثاني : أنه طلب الرزق لهم والسعه عليهم . قاله الكلبي .

قلت : وهو أظهر ، لأن الأرض تعم الكافر وغيره ، وعلى قول مقاتل لا يدخل فيه الكافر . وقد روي في هذا الباب خبر رواه عاصم الأحول عن أبي عثمان عن سلمان قال : إن العبد إذا كان يذكر الله في السراء فنزلت به الضراء قالت الملائكة : صوت معروف من آدمي ضعيف ، كان يذكر الله تعالى في السراء فنزلت به الضراء ، فيستغفرون له . فإذا كان لا يذكر الله في السراء فنزلت به الضراء . قالت الملائكة : صوت منكر من آدمي كان لا يذكر الله في السراء فنزلت به الضراء فلا يستغفرون الله له . وهذا يدل على أن الآية في الذاكر لله تعالى في السراء والضراء ، فهي خاصة ببعض من في الأرض من المؤمنين . والله أعلم . ويحتمل أن يقصدوا بالاستغفار طلب الحلم والغفران في قوله تعالى : " إن الله يمسك السموات والأرض أن تزولا " {[13464]} [ فاطر : 41 ] - إلى أن قال إن كان حليما غفورا " ، وقوله تعالى : " وإن ربك لذو مغفرة للناس على ظلمهم " {[13465]} [ الرعد : 6 ] . والمراد الحلم عنهم وألا يعالجهم بالانتقام ، فيكون عاما . قاله الزمخشري . وقال مطرف : وجدنا أنصح عباد الله لعباد الله الملائكة ، ووجدنا أغش عباد الله لعباد الله الشياطين . وقد تقدم{[13466]} . " ألا إن الله هو الغفور الرحيم " قال بعض العلماء : هيَّب وعظم جل وعز في الابتداء ، وألطف وبشر في الانتهاء .


[13461]:راجع ج 11 ص 156.
[13462]:آية 116 سورة البقرة.
[13463]:آية 7.
[13464]:آية 41 سورة فاطر.
[13465]:آية 6 سورة الرعد.
[13466]:راجع ج 15 ص 295.
 
التسهيل لعلوم التنزيل، لابن جزي - ابن جزي [إخفاء]  
{تَكَادُ ٱلسَّمَٰوَٰتُ يَتَفَطَّرۡنَ مِن فَوۡقِهِنَّۚ وَٱلۡمَلَـٰٓئِكَةُ يُسَبِّحُونَ بِحَمۡدِ رَبِّهِمۡ وَيَسۡتَغۡفِرُونَ لِمَن فِي ٱلۡأَرۡضِۗ أَلَآ إِنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلۡغَفُورُ ٱلرَّحِيمُ} (5)

{ تكاد السموات يتفطرن } أي : يتشققن من خوف الله وعظيم جلاله ، وقيل : من قول الكفار اتخذ الله ولدا ، فهي كالآية التي في مريم قال ابن عطية : وما وقع للمفسرين هنا من ذكر الثقل ونحوه مردود لأن الله تعالى لا يوصف به .

{ من فوقهن } الضمير للسماوات والمعنى : يتشققن من أعلاهن . وذلك مبالغة في التهويل ، وقيل : الضمير للأرضين وهذا بعيد ، وقيل : الضمير للكفار كأنه قال : من فوق الجماعات الكفارة التي من أجل أقوالها تكاد السموات يتفطرن ، وهذا أيضا بعيد .

{ ويستغفرون لمن في الأرض } عموم يراد به الخصوص لأن الملائكة إنما يستغفرون للمؤمنين من أهل الأرض ، فهي كقوله : { ويستغفرون للذين آمنوا } [ غافر : 7 ] ، وقيل : إن يستغفرون للذين آمنوا نسخ هذه الآية ، وهذا باطل لأن النسخ لا يدخل في الأخبار ، ويحتمل أن يريد بالاستغفار طلب الحلم عن أهل الأرض مؤمنهم وكافرهم ، ومعناه : الإمهال ، لهم وأن لا يعاجلوا بالعقوبة فيكون عاما ، فإن قيل : ما وجه اتصال قوله : { والملائكة يسبحون } الآية : بما قبلها ؟ فالجواب : أنا إن فسرنا تفطر السموات بأنه من عظمة الله فإنه يكون تسبيح الملائكة أيضا تعظيما له فينتظم الكلام ، وإن فسرنا تفطرها بأنه من كفر بني آدم فيكون تسبيح الملائكة تنزيها لله تعالى عن كفر بني آدم وعن أقوالهم القبيحة .