البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{تَكَادُ ٱلسَّمَٰوَٰتُ يَتَفَطَّرۡنَ مِن فَوۡقِهِنَّۚ وَٱلۡمَلَـٰٓئِكَةُ يُسَبِّحُونَ بِحَمۡدِ رَبِّهِمۡ وَيَسۡتَغۡفِرُونَ لِمَن فِي ٱلۡأَرۡضِۗ أَلَآ إِنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلۡغَفُورُ ٱلرَّحِيمُ} (5)

وتقدم الكلام على { تكاد السموات يتفطرن } في سورة مريم قراءة وتفسيراً .

وقال الزمخشري : وروى يونس عن أبي عمر وقراءة عربية : تتفطرن بتاءين مع النون ، ونظيرها حرف نادر روي في نوادر ابن الأعرابي : الإبل تتشممن . انتهى .

والظاهر أن هذا وهم من الزمخشري في النقل ، لأن ابن خالويه ذكر في شواذ القراءات له ما نصب : تفطرن بالتاء والنون ، يونس عن أبي عمرو .

وقال ابن خالويه : هذا حرف نادر ، لأن العرب لا تجمع بين علامتي التأنيث .

لا يقال : النساء تقمن ، ولكن يقمن ، والوالدات يرضعن .

قد كان أبو عمر الزاهد روى في نوادر ابن الأعرابي : الإبل تتشممن ، فأنكرناه ، فقد قواه ، لأن هذا كلام ابن خالويه .

فإن كانت نسخ الزمخشري متفقة على قوله بتاءين مع النون فهو وهم ، وإن كان في بعضها بتاء مع النون ، كان موافقاً لقول ابن خالويه ، وكان بتاءين تحريفاً من النساخ .

وكذلك كتبهم تتفطرن وتتشممن بتاءين .

والظاهر عود الضمير في { فوقهن } على { السموات } .

قال ابن عطية : من أعلاهن .

وقال الزمخشري : ينفطرن من علو شأن الله تعالى وعظمته ، ويدل عليه مجيئه بعد { العلي العظيم } .

وقيل : من دعائهم له ولداً ، كقوله : تكاد الصمات يتفطرن منه ، فإن قلت : لم قال { من فوقهن } ؟ قلت : لأن أعظم الآيات وأدلها على الجلال والعظمة فوق السموات ، وهي العرض والكرسي وصفوف الملائكة المرتجة بالتسبيح والتقديس حول العرش ، وما لا يعلم كنهه إلا الله من آثار ملكوته العظمى ، فلذلك قال : { يتفطرن من فوقهن } : أي يبتدىء الانفطار من جهتهن الفوقانية .

وقال جماعة ، منهم الحوفي ، قال : { من فوقهن } ، والهاء والنون كناية عن الأرضين . انتهى .

{ من فوقهن } متعلق يتفطرن ، ويدل على هذا القول ذكر الأرض قبل .

وقال علي بن سليمان الأخفش : الضمير للكفار ، والمعنى : من فوق الفرق والجماعات الملحدة ، أي من أجل أقوالها . انتهى .

فهذه الآية كالذي في سورة مريم ، واستبعد مكي هذا القول ، قال : لا يجوز في الذكور من بني آدم ، يعني ضمير المؤنث والاستشعار ما ذكره مكي .

قال علي بن سليمان : من فوق الفرق والجماعات ، وظاهر الملائكة العموم .

وقال مقاتل : حملة العرش والتسبيح ، قيل : قولهم سبحان الله ، وقيل : يهللون ؛ والظاهر يستغفرون طلب الغفران ، ولأهل الأرض عام مخصوص بقوله : { ويستغفرون للذين آمنوا } قاله السدي ، وقيل : عام .

ومعنى الاستغفار : طلب الهداية المؤدية إلى المغفرة ، كأنهم يقولون : اللهم اهد أهل الأرض ، فاغفر لهم .

ويدل عليه وصفه بالغفران والحرمة والاستفتاح .

وقال الزمخشري : ويحتمل أن يقصدوا بالاستغفار لهم : طلب الحلم والغفران في قوله : { إن الله يمسك السموات والأرض أن تزولا } ، إلى أن قال : { إنه كان حليماً غفوراً } وقوله : { وإن ربك لذو مغفرة للناس على ظلمهم } والمراد : الحلم عنهم ، وأن لا يعاجلهم بالانتقام فيكون عاماً . انتهى .

وتكلم أبو عبد الله الرازي في قوله : { تكاد السموات } كلاماً خارجاً عن مناحي مفهومات العرب ، منتزعاً من كلام الفلاسفة ومن جرى مجراهم ، يوقف على ذلك فى كتابه .