الآية 5 وقوله تعالى : { تكاد السماوات يتفطّرن من فوقهن } يحتمل هذا وجهين :
أحدهما : { تكاد السماوات يتفطّرن } لذنوب أهل الأرض وفسادهم وعِظم ما قالت الملاحدة في الله من الولد والشريك والصاحبة ، كادت تتشقّق لذلك ، وتتساقط ، كقوله في آية أخرى : { تكاد السماوات يتفطّرن منه وتنشق الأرض وتخرّ الجبال هكذا } { أن دعوا للرحمن ولدا } [ مريم : 90و91 ] .
بيّن في هذه الآية أنها كادت تتفطّر وتنشق لماذا ؟ وهو دعواهم للرحمن ولدا . فلذلك يحتمل ههنا هذا المعنى ، والله أعلم .
والثاني : كادت تنشق لبكاء أهلها عليها وإشفاقك ورحمتك{[18649]} على أهل الأرض .
ويحتمل تكاد تنشق لعظمة الرب وجلاله وعِظم سلطانه كقوله تعالى : { لو أنزلنا هذا القرآن على جبل لرأيته خاشعا متصدّعا من خشية الله } [ الحشر : 21 ] أخبر أنه لو جعل في الجبال والأرض والسماء من المعنى والتمييز ما جعل في البشر لكانت هذه الأشياء بالوصف الذي ذكر من الخضوع{[18650]} لربها ، وهو كما ذكر في آية أخرى : { وإن من الحجارة لما يتفجّر منه الأنهار وإن منها لما يشّقّق فيخرج منه الماء وإن منها لما يهبط من خشية الله } [ البقرة : 74 ] يخبر عن شدة خضوع هذه الأشياء وخشوعها لربها وتذلّلها له وعناد الكفرة واستكبارهم وقلة خضوعهم وخشوعهم لربهم ، والله أعلم .
ويحتمل أن يكون قوله تعالى : { تكاد السماوات يتفطّرن } لكثرة أهلها وازدحامهم فيها وعبادتهم لربهم على ما ذُكر في الخبر عن النبي صلى الله عليه وسلم : ( أطّت السماء وحق لها أن تئطّ ما من موضع قدم فيها إلا وملك فيها ساجد أو راكع أو قائم ، يسبّح الله تعالى ، ويصلي له ) [ الترمذي 2312 ] والله أعلم .
وقوله تعالى : { والملائكة يسبّحون بحمد ربهم } هذا يدل على أن ما ذكر من تفطّر السماء لعظم ما يقول الملاحدة فيه من الشريك والولد والصاحبة حين{[18651]} قال على إثره : { والملائكة يسبّحون بحمد ربهم } أي الملائكة ينزهونه ، ويُبرئونه ، عما يقولون فيه ، ويُثنون عليه بالثناء الذي يليق به/488-ب/ ويصفونه بما هو أهله ، والله أعلم .
وقوله تعالى : { ويستغفرون لمن في الأرض } امتحنهم ، جل ، وعلا ، بالتسبيح له والثناء عليه والاستغفار لأهل الأرض [ على ]{[18652]} ما ذكر .
ثم قال بعضهم : إن قوله { ويستغفرون لمن في الأرض } منسوخ بقوله تعالى : { فاغفر للذين تابوا } [ غافر : 7 ] لأن الأول عام لجميع أهل الأرض ، والثاني خاص . لكن هذا بعيد محال : أن يستغفر الملائكة ، ويطلبوا التجاوز من ربهم لمن يقول له بالشريك والولد والصاحبة .
وإذا كان كذلك كان استغفارهم يرجع إلى المؤمنين خاصة على ما ذكر في آية أخرى : { ويستغفرون للذين آمنوا } وبقوله : { فاغفر للذين تابوا واتبعوا سبيلك } [ غافر : 7 ] فكان المراد منه العموم ، ثم صار منسوخا بورود الخاص متراخيا ، والله أعلم .
ثم إن كان استغفارهم لجملة أهل الأرض على ما يقولون فهو عبارة عن طلب السبب الذي به تقع لهم المغفرة ، وهو التوبة عن الشرك ، والتوحيد . فيكون هذا سؤال التوحيد والهداية لتقع المغفرة لهم بذلك التجاوز ، ويصيروا لذلك [ أهلا ]{[18653]} .
وعلى ذلك يُخرّج استغفار إبراهيم عليه السلام لأبيه أنه سؤال وطلب السبب الذي به تقع المغفرة ، وأن يجعله أهلا لذلك . وكذلك أمر الرسل عليهم السلام قومهم بالاستغفار ربهم ، وهو ما قال هود عليه السلام : { ويا قوم استغفروا ربكم ثم توبوا إليه } [ هود : 52 ] وقول نوح : { استغفروا ربكم إنه كان غفارا } [ نوح : 10 ] لا يحتمل أن يقولوا لهم : اطلبوا واسألوا ربكم السبب الذي به تقع المغفرة لكم ، وهو التوبة عما هم فيه ، واختيار الهداية والرشد لأنفسهم ليكونوا لذلك أهلا .
فعلى ذلك يُخرّج استغفار الملائكة إن كان لجملة أهل الأرض على ما يقول بعض أهل التأويل .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.