ولما كان العلو مستلزماً للقدرة قال تعالى : { وهو العلي } على كل شيء علو رتبة وعظمة ومكانة لا علو مكان وملابسة { العظيم } بالقدرة والقهر والاستعلاء .
وقوله تعالى : { تكاد السماوات } قرأه نافع والكسائي بالياء التحتية ، والباقون بالفوقية وقوله تعالى { يتفطرن } أي : يشققن قرأه شعبة وأبو عمرو بعد الياء بنون ساكنة وكسر الطاء مخففة ، والباقون بعد الياء بتاء فوقية مفتوحة وفتح الطاء مشددة وقوله تعالى : { من فوقهن } في ضميره ثلاثة أوجه ؛ أحدها : أنه عائد على السماوات أي : كل واحدة منهن تنفطر فوق التي تليها من عظمة الله تعالى أو من قول المشركين : { اتخذ الله ولداً } ( الكهف : 4 ) كما في سورة مريم أي : يبتدئ انفطارهن من هذه الجهة فمن : لابتداء الغاية متعلقة بما قبلها ، الثاني : أنه يعود على الأرضين لتقدم ذكر الأرض ، الثالث : أنه يعود على فرق الكفار والجماعات الملحدين قاله الأخفش الصغير ، وقال الزمخشري : كلمة الكفر أي : على التفسير الثاني إنما جاءت من الذين تحت السماوات فكان القياس أن يقال : ينفطرن من تحتهن أي : من الجهة التي جاءت منها الكلمة ولكنه بولغ في ذلك فجعلت مؤثرة في جهة الفوق ، كأنه قيل : يكدن ينفطرن أي : من الجهة التي فوقهن دون الجهة التي تحتهن ، ونظيره في المبالغة قوله عز وجل { يُصبّ من فوق رؤوسهم الحميم ( 19 ) يُصهر به ما في بطونهم } ( الحج : 19 20 ) فجعل الحميم مؤثراً في أجزائهم الباطنة ا . ه .
ولما بين تعالى أن سبب كيدودة انفطارهن جلال العظمة التي منها كثرة الملائكة وشناعة الكفر ، بين لها سبباً آخر وهو عظم قول الملائكة فقال تعالى : { والملائكة يسبّحون } أي : يوقعون التنزيه لله تعالى متلبسين { بحمد ربهم } أي : بإثبات الكمال للمحسن إليهم تسبيحاً يليق بحالهم فلهم بذلك زجل وأصوات لا تحملها العقول ولا تثبت لها الجبال .
تنبيه : عدل عن التأنيث ولم يقل يسبحن مراعاة للفظ التذكير وضمير الجمع ، إشارة إلى قوة التسبيح وكثرة المسبحين ، فإن قيل : قوله تعالى : { ويستغفرون لمن في الأرض } عام فيدخل فيه الكفار ولقد لعنهم الله تعالى فقال سبحانه : { أولئك عليهم لعنة الله والملائكة والناس أجمعين } ( البقرة : 161 ) فكيف يكونون لاعنين لهم ومستغفرين لهم ؟ أجيب : بوجوه ؛ الأول : أنه عام مخصوص بآية غافر { ويستغفرون للذين آمنوا } ( غافر : 7 ) ، الثاني : أن قوله تعالى : { لمن في الأرض } لا يفيد العموم لأنه يصح أن يقال استغفروا لبعض من في الأرض دون البعض ولو كان صريحاً في العموم لما صح ذلك ، الثالث : يجوز أن يكون المراد بالاستغفار أن لا يعاجلهم بالعقاب كما في قوله تعالى : { إن الله يمسك السماوات والأرض أن تزولا } إلى أن قال تعالى { إنه كان حليماً غفوراً } ( فاطر : 41 ) الرابع : يجوز أن يقال إنهم يستغفرون لكل من في الأرض أما في حق الكفار فبطلب الإيمان لهم ، وأما في حق المؤمنين فبالتجاوز عن سيئاتهم ، فإنا نقول اللهم اهد الكفار وزين قلوبهم بنور الإيمان وأزل عن خواطرهم وحشة الكفر ، وهذا استغفار في الحقيقة وقوله تعالى : { ألا إن الله } أي : الذي له الإحاطة بصفات الكمال { هو } أي : وحده { الغفور الرحيم } تنبيه على أن الملائكة وإن كانوا يستغفرون للبشر إلا أن المغفرة المطلقة لله تعالى ، وهذا يدل على أنه تعالى يعطي المغفرة التي طلبوها ويضم إليها الرحمة .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.