فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{تَكَادُ ٱلسَّمَٰوَٰتُ يَتَفَطَّرۡنَ مِن فَوۡقِهِنَّۚ وَٱلۡمَلَـٰٓئِكَةُ يُسَبِّحُونَ بِحَمۡدِ رَبِّهِمۡ وَيَسۡتَغۡفِرُونَ لِمَن فِي ٱلۡأَرۡضِۗ أَلَآ إِنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلۡغَفُورُ ٱلرَّحِيمُ} (5)

{ تَكَادُ السَّمَوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْ فَوْقِهِنَّ } قرأ الجمهور تكاد بالفوقية وكذلك تتفطرن قرؤوه بالفوقية مع تشديد الطاء وقرأ نافع والكسائي وابن وثاب يكاد يتفطرن بالتحتية فيهما ، وقرأ أبو عمرو والمفضل وأبو بكر وأبو عبيد ينفطرن بالنون من الانفطار كقوله تعالى { إِذَا السَّمَاءُ انْفَطَرَتْ } والتفطر التشقق ، قال الضحاك والسدي : يتفطرن يتشققن من عظمة الله وجلاله ، وقيل : المعنى يكاد كل واحدة منها ينفطر فوق التي تليها من قول المشركين اتخذ الله ولدا ، وقيل : معنى من فوقهن من فوق الأرضين والأول أولى .

وقيل : يتشققن لكثرة ما على السماوات من الملائكة ، وقيل : يكدن يتفطرن من علو شأن الله وعظمته ، ويدل عليه مجيئه بعد قوله { العلي العظيم } ومن لابتداء الغاية يبتدئ التفطر من جهة الفوق ، وقال الأخفش الصغير إن الضمير يعود إلى جماعات الكفار ، أي من فوقهم وهو بعيد جدا ووجه تخصيص جهة الفوق أنها أقرب إلى الآيات العظيمة ، والمصنوعات الباهرة أو على طريق المبالغة كأن كلمة الكفار مع كونها جاءت من جهة التحت أثرت في جهة الفوق ، فتأثيرها في جهة التحت بالأولى .

{ وَالْمَلَائِكَةُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ } كلام مستأنف أي ينزهونه عما لا يليق به ولا يجوز عليه متلبسين بحمده وقيل : إن التسبيح موضوع موضع التعجب ، أي يتعجبون من جرأة المشركين على الله ، وقيل ؛ المعنى يصلون بأمر ربهم قاله السدي .

{ وَيَسْتَغْفِرُونَ } أي يشفعون { لِمَنْ فِي الْأَرْضِ } من عباد الله المؤمنين ، كما في قوله : { وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آَمَنُوا } ويطلبون هدايتهم ، وقيل الاستغفار منهم بمعنى السعي فيما يستدعي المغفرة لهم وتأخير عقوبتهم طمعا في إيمان الكافر ، وتوبة الفاسق ، فتكون الآية عامة كما هو ظاهر اللفظ غير خاصة بالمؤمنين ، وإن كانوا داخلين فيها دخولا أوليا ، وإليه ذهب البيضاوي بل ولو فسر الاستغفار بالسعي فيما يدفع الخلل المتوقع لعم الحيوان بل الجماد .

قال الضحاك لمن في الأرض من المؤمنين . وقال السدي : بيانه في سورة المؤمن { وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آَمَنُوا } وعلى هذا يكون المراد بالملائكة هنا حملة العرش ، وقيل جميع الملائكة وهو الظاهر من قول الكلبي وقيل هو منسوخ بقوله { وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آَمَنُوا } وقال المهدوي والصحيح أنه ليس بمنسوخ لأنه خبر وهو خاص بالمؤمنين .

وقال أبو الحسن بن الحصار إن حملة العرش مخصوصون بالاستغفار للمؤمنين ولله ملائكة أخر يستغفرون لمن في الأرض قال الماوردي وفي استغفارهم لهم قولان أحدهما من الذنوب والخطايا ، وهو ظاهر قول مقاتل ، والثاني أنه طلب الرزق لهم والسعة عليهم ، قاله الكلبي وهو الأظهر ، لأن من في الأرض يعم الكافر وغيره ، وعلى قول مقاتل لا يدخل الكافر وقال مطرف وجدنا أنصح عباد الله لعباد الله الملائكة ، ووجدنا أغش عباد الله لعباد الله الشياطين .

{ أَلَا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ } أي كثير المغفرة والرحمة لأهل طاعته وأوليائه أو الجميع عباده ، فإن تأخير عقوبة الكفار والعصاة نوع من أنواع مغفرته ورحمته .