قوله تعالى : { تَكَادُ السماوات يَتَفَطَّرْنَ } تقدم الكلام فيه مُشْبعاً في مريم{[49027]} ، وإلا أن الزمخشري زاد هنا وروى يونس عن أبي عمرو قراءةً غريبةً تتفطَّرن بتاءين مع النون . ونظيرها حرف نادر ، رُوِيَ في نوادر ابن الأعرابي : «الإِبل تتشمَّمْنَ »{[49028]} .
قال أبو حيان : والظاهر أن هذا وهمٌ ، لأن ابن خالويه قال في شاذِّ القرآن ما نصه «تَنْفَطِرْنَ » بالتاء والنون يُونسُ عن أبي عمرو{[49029]} .
قال ابن خالويه : وهذا حرف نادر ؛ لأن العرب لا تجمع بين علامتي التأنيث{[49030]} لا يقال : النساء تقُمْنَ ، ولكن يَقُمْنَ ، والوالِدَاتُ يُرْضِعنَ ولا يقال : تُرضِعن . وقد كان أبو عمر الزَّاهِدُ{[49031]} روى في نوادر ابن الأعرابي : الإبل تتشمَّمْنَ{[49032]} فأنكرناه ، فقد قواه الآن هذا{[49033]} .
قال أبو حيان : فإن كانت نسخُ الزمخشري متفقةً على قوله : بتاءين مع النون فهو وهم ، وإن كان في بعضها بتاء مع النون كان موافقاً لقول ابن خالويه وكان بتاءين تحريفاً من النساخ وكذلك كتبهم تتفطَّرن وتَتشمَّمْنَ بتاءين . انتهى{[49034]} .
قال شهاب الدين : كيف يستقيم أن يكو( ن ){[49035]} كتبهم تتشمَّمن بتاءين وهماً وذلك لأن ابن خالويه أورده في معرض الندرة والإنكار حتى يقوى عنده بهذه القراءة ، وإنما يكون نادراً منكراً بتاءين ، فإنه حينئذ يكون مضارعاً مسنداً لضمير الإبل ، فكان من حقه أن يكون حرف مضارعته ياء منقوطة من أسفل ، نحو : النِّساءُ يقُمن فكان ينبغي أن يقال : الإبل يتشمَّمن بالياء من تحت ثم بالتاء من فوق ، فلما جاء بتاءين كلاهما من فوق ظهر نُدُوره وإنكاره ، ولو كان على ما قال أبو حيان : إن كتبهم بتاءين وهماً بل كان ينبغي كتبه بتاء واحدة لما كان فيه شذوذ ولا إنكار ، لأنه نظير : النِّسوة تدحرجْنَ فإنه ماض مسندٌ لضمير الإناث ، وكذا لو كتبت بياء من تحت وتاء من فوق لم يكن فيه شذوذ ، ولا إنكار .
وإنما يجيء الشذوذ والإنكار إذا كان بتاءين منقوطتين من فوق ، ثم إنه سواء قرئ تتفطَّرن بتاءين أو بياء ونون ، فإنه نادر لما ذكر ابن خالويه ، وهذه القراءة لم يقرأ بها في نظيرتها في سورة مريم{[49036]} .
قوله : { مِنْ فَوْقِهِنَّ } في هذا الضمير ثلاثة أوجه :
أحدها : أنه عائد على السموات ، أي كل واحدة منها تتفطَّرُ فوق التي تليها{[49037]} من قول المشركين : { اتخذ الله وَلَداً } [ الكهف : 4 ] كما في سورة مريم ، أي يبتدئ انفطارهُنَّ من هذه الجهة «فِمَنْ » لابتداء الغاية متعلقة بما قبلها{[49038]} .
الثاني : أنه يعود على الأرضين ؛ لتقدم ذكر الأرض{[49039]} .
الثالث : أنه يعود على فرق{[49040]} الكفار والجماعات الملحدين{[49041]} . قاله الأخفش الصغير{[49042]} . وأنكره مكي وقال لا يجوز ذلك في المذكور من بني آدم{[49043]} ، وهذا لا يلزم الأخفش فإنه قال على الفرق والجماعات فراعى ذلك المعنى .
قال الزمخشري : كلمة الكفر إنَّما جاءت من الذين تحت السموات ، وكان القياس أن يقال : ينفطِرن من تحتهن ( أي ){[49044]} من الجهة التي ( تحت ){[49045]} جاءت منها الكلمة ، ولكن بُولغ في ذلك فجعلت مؤثرة مِنْ جهة الفوقِ ، فكأنه قيل : يكون ينفطرن من الجهة التي فوقهنَّ ، دع الجهة التي تحتهن .
ونظيره في المبالغة ، قوله تعالى : { يُصَبُّ مِن فَوْقِ رُءُوسِهِمُ الحميم يُصْهَرُ بِهِ مَا فِي بُطُونِهِمْ والجلود } [ الحج : 19 ، 20 ] . فجعل مؤثراً في أجزائهم الباطنة{[49046]} .
وقال ابن الخطيب : يعني من فوقهن أي من فوق الجهة التي حصلت هذه السموات فيها ، وتلك الجهة هي فوق ، فقولهن : من فوقهن أي من الجهة الفوقانيَّة التي هُنَّ فيها{[49047]} .
قوله : { والملائكة يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ } فالتسبيح عبارة عن تنزيه الله تعالى عما لا ينبغي والتحميد عبارة عن وصفه بكونه مُفيضاً لكُلِّ الخيرات .
قوله : { وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَن فِي الأرض } أي من المؤمنين كما حكى عنهم في سورة المؤمن فقال : { وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُواْ } [ غافر : 7 ] .
فإن قيل : ( قوله ){[49048]} : ويستغفرون لمن في الأرض عام ، فيدخل فيهم الكفار وقد لعنهم الله تعالى فقال : { أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ الله والملائكة والناس أَجْمَعِينَ } [ البقرة : 161 ] فيكف ( يكونون ){[49049]} لاعنين لهم ومستغفرين لهم ؟ ! قال ابن الخطيب : والجواب من وجوه :
الأول : أنه عام مخصوص بآية المؤمن كما تقدم .
الثاني : أن قوله { لِمَن فِي الأرض } لا يفيد العموم ؛ لأنه ( لا ){[49050]} يصح أن يقال : إنهم استغفروا لكل من في الأرض وأن يقال : إنهم استغفروا لبعض من في الأرض دون البعض ولو كان صريحاً في العموم لما صحَّ ذلك .
الثالث : يجوز ن يكون المراد من الاستغفار أنه لا يُعاجلهم بالعقاب ، كما في قوله تعالى : { إِنَّ الله يُمْسِكُ السماوات والأرض أَن تَزُولاَ } [ فاطر : 41 ] إلى أن قال : { إِنَّهُ كَانَ حَلِيماً غَفُوراً } [ فاطر : 41 ] .
الرابع : يجوز أن يقال : إنهم يستغفرون لكل من في الأرض ، أما في حق الكفار فبطلب الإيمان لهم وأما في حق المؤمنين فبالتجاوز عن سيئاتهم فإنا نقول : اللهم أهد الكفار ، وزيِّن قلوبهم بنور الإيمان وأَزِل عن خواطرهم وحشة الكُفْرِ ، وهذا استغفار لهم في الحقيقة{[49051]} .
قال ابن الخطيب : قوله : «ويستغفرون لمن في الأرض » يدل على أنهم لا يستغفرون لأنفسهم ولو وجد منهم معصية لاستغفروا لأنفسهم قبل استغفارهم لمن في الأرض ، فحيث لم يذكر الله عزَّ وجلَّ استغفارهم لأنفسهم علمنا أنهم مُبرَّأُون عن كل الذنوب والأنبياء عليهم الصلاة والسلام لهم ذنوب ، والذين لا ذنب لهم ألبتة أفضل ممن له ذنب ، وأيضاً فقوله : «ويستغفرون لمن في الأرض » يدل على أنهم يستغفرون للأنبياء عليهم الصلاة والسلام لأنهم من جملة مَنْ في الأرض ، وإذا كانوا مستغفرين للأنبياء عليهم الصلاة والسلام كان الظاهر أنهم أفضل منهم . ثم قال تعالى : { أَلاَ إِنَّ الله هُوَ الغفور الرحيم } وهذا تنبيه على أن الملائكة وإن كانوا يستغفرون للبشر ، إلا أن المغفرة المُطْلَقة لله تعالى وهذا يدل على أنه تعالى يعطي المغفرة التي طلبوها ويضم إليها الرحمة{[49052]} .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.