فتح الرحمن في تفسير القرآن لتعيلب - تعيلب  
{تَكَادُ ٱلسَّمَٰوَٰتُ يَتَفَطَّرۡنَ مِن فَوۡقِهِنَّۚ وَٱلۡمَلَـٰٓئِكَةُ يُسَبِّحُونَ بِحَمۡدِ رَبِّهِمۡ وَيَسۡتَغۡفِرُونَ لِمَن فِي ٱلۡأَرۡضِۗ أَلَآ إِنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلۡغَفُورُ ٱلرَّحِيمُ} (5)

{ تكاد السماوات يتفطرن من فوقهن } .

توشك السماوات أن تتشقق من عظمة الله وجلاله فوقهن ؛ أو الانفطار يبتدئ من أعلى السماوات أو ما فوقها إلى أن ينتهي إلى السفلى .

يقول بعض المفسرين : وفي الابتداء من جهة الفوق تفظيع وتهويل .

{ والملائكة يسبحون بحمد ربهم } .

عامة الملائكة يقرنون تنزيه المولى عما لا يليق بجلاله بمدحه والثناء عليه بكامل عليائه وسابغ أفضاله ؛ وفي سورة أخرى بينت آيات كريمات أن أشراف الملأ الأعلى ينزهون الله العلي الكبير ويحمدونه { الذين يحملون العرش ومن حوله يسبحون بحمد ربهم . . }{[4226]} وهذه الآية شملت كافة الملائكة .

{ ويستغفرون لمن في الأرض } .

يسألون الله الغفران للناس . يقول بعض المفسرين : يحتمل أن يقصدوا بالاستغفار طلب الحلم والغفران في قوله تعالى : { إن الله يمسك السماوات والأرض أن تزولا }{[4227]} إلى أن قال : { إنه كان حليما غفورا }{[4228]} وقوله تعالى : { . . وإن ربك لذو مغفرة للناس على ظلمهم . . }{[4229]} والمراد الحلم عنهم ، وأن لا يعاجلهم بالانتقام فيكون عاما .

أقول : معنى الغفران في اللغة والشرع ظاهر فهو الستر ومحو الذنوب ، والله سبحانه علّم نبيه الكريم لمن تكون المغفرة فقال عز من قائل : { . . واستغفر لذنبك وللمؤمنين وللمؤمنات . . }{[4230]} كما بيّن ماذا على أهل الإيمان حيال الاستغفار للجاحدين بقول الله الحكيم : { وما كان استغفار إبراهيم لأبيه إلا عن موعدة وعدها إياه فلما تبين له أنه عدو لله تبرأ منه . . }{[4231]} وما يرضى القرآن الكريم بغير هذا : { ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولي قربى من بعد ما تبين لهم أنهم أصحاب الجحيم }{[4232]} . فاتضح بعد الذي قدمنا أن العموم المستفاد من قوله : { ويستغفرون لمن في الأرض } مخصوص بما مر ، . . أي يستغفرون للمؤمنين منهم .

{ ألا إن الله هو الغفور الرحيم( 5 ) } .

الغفور لذنوب مؤمني عباده { الرحيم } بهم أن يعاقبهم بعد توبتهم منها .

قال بعض العلماء : هيّب وعظم جل وعز في الابتداء وألطف وبشر في الانتهاء ؛ يشيرون إلى قول الله الكريم في الآية السابقة : { وهو العلي العظيم } وبدء هذه الآية : { تكاد السماوات يتفطرن . . } ثم ختمت باللطف والبشرى : { . . ويستغفرون لمن في الأرض ألا إن الله هو الغفور الرحيم } .


[4226]:سورة غافر. من الآية 7.
[4227]:سورة فاطر. من الآية 41.
[4228]:سورة الرعد. من الآية 6.
[4229]:سورة محمد. من الآية 19.
[4230]:سورة التوبة. من الآية 114.
[4231]:سورة التوبة الآية 113.
[4232]:?????