في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَإِن طَآئِفَتَانِ مِنَ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ ٱقۡتَتَلُواْ فَأَصۡلِحُواْ بَيۡنَهُمَاۖ فَإِنۢ بَغَتۡ إِحۡدَىٰهُمَا عَلَى ٱلۡأُخۡرَىٰ فَقَٰتِلُواْ ٱلَّتِي تَبۡغِي حَتَّىٰ تَفِيٓءَ إِلَىٰٓ أَمۡرِ ٱللَّهِۚ فَإِن فَآءَتۡ فَأَصۡلِحُواْ بَيۡنَهُمَا بِٱلۡعَدۡلِ وَأَقۡسِطُوٓاْۖ إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلۡمُقۡسِطِينَ} (9)

( وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما . فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله . فإن فاءت فأصلحوا بينهما بالعدل وأقسطوا . إن الله يحب المقسطين . إنما المؤمنون إخوة فأصلحوا بين أخويكم ، واتقوا الله لعلكم ترحمون ) . .

وهذه قاعدة تشريعية عملية لصيانة المجتمع المؤمن من الخصام والتفكك ، تحت النزوات والاندفاعات . تأتي تعقيبا على تبين خبر الفاسق ، وعدم العجلة والاندفاع وراء الحمية والحماسة ، قبل التثبت والاستيقان .

وسواء كان نزول هذه الآية بسبب حادث معين كما ذكرت الروايات ، أم كان تشريعا لتلافي مثل هذه الحالة ، فهو يمثل قاعدة عامة محكمة لصيانة الجماعة الإسلامية من التفكك والتفرق . ثم لإقرار الحق والعدل والصلاح . والارتكان في هذا كله إلى تقوى الله ورجاء رحمته بإقرار العدل والصلاح .

والقرآن قد واجه - أو هو يفترض - إمكان وقوع القتال بين طائفتين من المؤمنين . ويستبقي لكلتا الطائفتين وصف الإيمان مع اقتتالهما ، ومع احتمال أن إحداهما قد تكون باغية على الأخرى ، بل مع احتمال أن تكون كلتاهما باغية في جانب من الجوانب .

وهو يكلف الذين آمنوا - من غير الطائفتين المتقاتلتين طبعا - أن يقوموا بالإصلاح بين المتقاتلين . فإن بغت إحداهما فلم تقبل الرجوع إلى الحق - ومثله أن تبغيا معا برفض الصلح أو رفض قبول حكم الله في المسائل المتنازع عليها - فعلى المؤمنين أن يقاتلوا البغاة إذن ، وأن يظلوا يقاتلونهم حتى يرجعوا إلى أمر الله . وأمر الله هو وضع الخصومة بين المؤمنين ، وقبول حكم الله فيما اختلفوا فيه ، وأدى إلى الخصام والقتال . فإذا تم قبول البغاة لحكم الله ، قام المؤمنون بالإصلاح القائم على العدل الدقيق طاعة لله وطلبا لرضاه . . ( إن الله يحب المقسطين ) . .

 
صفوة البيان لحسين مخلوف - حسنين مخلوف [إخفاء]  
{وَإِن طَآئِفَتَانِ مِنَ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ ٱقۡتَتَلُواْ فَأَصۡلِحُواْ بَيۡنَهُمَاۖ فَإِنۢ بَغَتۡ إِحۡدَىٰهُمَا عَلَى ٱلۡأُخۡرَىٰ فَقَٰتِلُواْ ٱلَّتِي تَبۡغِي حَتَّىٰ تَفِيٓءَ إِلَىٰٓ أَمۡرِ ٱللَّهِۚ فَإِن فَآءَتۡ فَأَصۡلِحُواْ بَيۡنَهُمَا بِٱلۡعَدۡلِ وَأَقۡسِطُوٓاْۖ إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلۡمُقۡسِطِينَ} (9)

{ وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا . . . } أي تقاتلوا{ فأصلحوا بينهما } وجوبا بالنصح وإزالة الشبهة وأسباب الخصام ، والدعاء إلى حكم الله تعالى .

والخطاب لأولى الأمر . { فإن بغت إحداهما على الأخرى } تعدت عليها بغير حق ، وأبت الصلح والإجابة إلى حكم الله{ فقاتلوا التي تبغي حتى تفئ إلى أمر الله } أي ترجع إلى حكمه{ فإن فاءت فأصلحوا بينهما بالعدل } بفصل ما بينهما على حكم الله ، ولا تكتفوا بمجرد متاركتهما ؛ عسى أن يكون بينهما قتال فيما بعد{ وأقسطوا } اعدلوا في كل أمر ؛ وهو تأكيد ؛ وهو تأكيد لقوله " بالعدل " . { إن الله يحب المقسطين } العادلين ؛ فيجازيهم أحسن الجزاء .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{وَإِن طَآئِفَتَانِ مِنَ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ ٱقۡتَتَلُواْ فَأَصۡلِحُواْ بَيۡنَهُمَاۖ فَإِنۢ بَغَتۡ إِحۡدَىٰهُمَا عَلَى ٱلۡأُخۡرَىٰ فَقَٰتِلُواْ ٱلَّتِي تَبۡغِي حَتَّىٰ تَفِيٓءَ إِلَىٰٓ أَمۡرِ ٱللَّهِۚ فَإِن فَآءَتۡ فَأَصۡلِحُواْ بَيۡنَهُمَا بِٱلۡعَدۡلِ وَأَقۡسِطُوٓاْۖ إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلۡمُقۡسِطِينَ} (9)

{ 9-10 } { وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ * إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ }

هذا متضمن لنهي المؤمنين ، [ عن ] أن يبغي بعضهم على بعض ، ويقاتل{[798]}  بعضهم بعضًا ، وأنه إذا اقتتلت طائفتان من المؤمنين ، فإن على غيرهم من المؤمنين أن يتلافوا هذا الشر الكبير ، بالإصلاح بينهم ، والتوسط بذلك على أكمل وجه يقع به الصلح ، ويسلكوا الطريق الموصلة إلى ذلك ، فإن صلحتا ، فبها ونعمت ، وإن { بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ } أي : ترجع إلى ما حد الله ورسوله ، من فعل الخير وترك الشر ، الذي من أعظمه ، الاقتتال ، [ وقوله ] { فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ } هذا أمر بالصلح ، وبالعدل في الصلح ، فإن الصلح ، قد يوجد ، ولكن لا يكون بالعدل ، بل بالظلم والحيف على أحد الخصمين ، فهذا ليس هو الصلح المأمور به ، فيجب أن لا يراعى أحدهما ، لقرابة ، أو وطن ، أو غير ذلك من المقاصد والأغراض ، التي توجب العدول عن العدل ، { إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ } أي : العادلين في حكمهم بين الناس وفي جميع الولايات ، التي تولوها ، حتى إنه ، قد يدخل في ذلك عدل الرجل في أهله ، وعياله ، في أدائه حقوقهم ، وفي الحديث الصحيح : " المقسطون عند الله ، على منابر من نور الذين يعدلون في حكمهم وأهليهم ، وما ولوا "


[798]:- في ب: ويقتل.
 
معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{وَإِن طَآئِفَتَانِ مِنَ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ ٱقۡتَتَلُواْ فَأَصۡلِحُواْ بَيۡنَهُمَاۖ فَإِنۢ بَغَتۡ إِحۡدَىٰهُمَا عَلَى ٱلۡأُخۡرَىٰ فَقَٰتِلُواْ ٱلَّتِي تَبۡغِي حَتَّىٰ تَفِيٓءَ إِلَىٰٓ أَمۡرِ ٱللَّهِۚ فَإِن فَآءَتۡ فَأَصۡلِحُواْ بَيۡنَهُمَا بِٱلۡعَدۡلِ وَأَقۡسِطُوٓاْۖ إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلۡمُقۡسِطِينَ} (9)

قوله عز وجل : { وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما } الآية . أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي ، أنبأنا أحمد بن عبد الله النعيمي ، أنبأنا محمد بن يوسف ، حدثنا محمد بن إسماعيل حدثنا مسدد ، حدثنا معمر قال سمعت أبي يقول : إن أنسا قال : قيل للنبي صلى الله عليه وسلم : لو أتيت عبد الله بن أبي ، فانطلق إليه النبي صلى الله عليه وسلم وركب حماراً وانطلق المسلمون يمشون معه ، وهي أرض سبخة ، فلما أتاهم النبي صلى الله عليه وسلم فقال : إليك عني ، والله لقد آذاني نتن حمارك ، فقال رجل من الأنصار منهم : والله لحمار النبي صلى الله عليه وسلم أطيب ريحاً منك ، فغضب لعبد الله رجل من قومه فتشاتما ، فغضب لكل واحد منهما أصحابه ، فكان بينهما ضرب بالجريد والأيدي والنعال ، فبلغنا أنها نزلت : { وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما } . ويروى أنها لما نزلت قرأها النبي صلى الله عليه وسلم ( فاصطلحوا ) وكف بعضهم عن بعض . وقال قتادة : نزلت في رجلين من الأنصار كانت بينهما مماراة في حق بينهما ، فقال أحدهما للآخر : لآخذن حقي منك عنوة ، لكثرة عشيرته ، وإن الآخر دعاه ليحاكمه إلى نبي الله صلى الله عليه وسلم فأبى أن يتبعه ، فلم يزل الأمر بينهما حتى تدافعوا وتناول بعضهم بعضاً بالأيدي والنعال ، ولم يكن بينهما قتال بالسيوف . وقال سفيان عن السدي : كانت امرأة من الأنصار يقال لها أم زيد تحت رجل ، وكان بينها وبين زوجها شيء فرقي بها إلى علية وحبسها ، فبلغ ذلك قومها فجاؤوا ، وجاء قومه فاقتتلوا بالأيدي والنعال ، فأنزل الله عز وجل : { وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما } بالدعاء إلى حكم كتاب الله والرضا بما فيه لهما وعليهما ، { فإن بغت إحداهما } تعدت إحداهما ، { على الأخرى } وأبت الإجابة إلى حكم كتاب الله ، { فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء } ترجع { إلى أمر الله } في كتابه وحكمه ، { فإن فاءت } رجعت إلى الحق ، { فأصلحوا بينهما بالعدل } بحملهما على الإنصاف والرضا بحكم الله ، { وأقسطوا } اعدلوا . { إن الله يحب المقسطين* }

 
الوجيز في تفسير الكتاب العزيز للواحدي - الواحدي [إخفاء]  
{وَإِن طَآئِفَتَانِ مِنَ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ ٱقۡتَتَلُواْ فَأَصۡلِحُواْ بَيۡنَهُمَاۖ فَإِنۢ بَغَتۡ إِحۡدَىٰهُمَا عَلَى ٱلۡأُخۡرَىٰ فَقَٰتِلُواْ ٱلَّتِي تَبۡغِي حَتَّىٰ تَفِيٓءَ إِلَىٰٓ أَمۡرِ ٱللَّهِۚ فَإِن فَآءَتۡ فَأَصۡلِحُواْ بَيۡنَهُمَا بِٱلۡعَدۡلِ وَأَقۡسِطُوٓاْۖ إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلۡمُقۡسِطِينَ} (9)

{ وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا } نزلت في جمعين من الأنصار كان بينهما قتال بالأيدي والنعال { فأصلحوا بينهما } بالدعاء إلى حكم كتاب الله فإن بغت إحداهما على الأخرى أي تعدت إحداهما على الأخرى وعدلت عن الحق { فقاتلوا } الباغية حتى ترجع إلى أمر الله في كتابه { فإن فاءت } رجعت إلى الحق { فأصلحوا بينهما } بحملهما على الإنصاف { وأقسطوا } واعدلوا { إن الله يحب المقسطين }

 
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي [إخفاء]  
{وَإِن طَآئِفَتَانِ مِنَ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ ٱقۡتَتَلُواْ فَأَصۡلِحُواْ بَيۡنَهُمَاۖ فَإِنۢ بَغَتۡ إِحۡدَىٰهُمَا عَلَى ٱلۡأُخۡرَىٰ فَقَٰتِلُواْ ٱلَّتِي تَبۡغِي حَتَّىٰ تَفِيٓءَ إِلَىٰٓ أَمۡرِ ٱللَّهِۚ فَإِن فَآءَتۡ فَأَصۡلِحُواْ بَيۡنَهُمَا بِٱلۡعَدۡلِ وَأَقۡسِطُوٓاْۖ إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلۡمُقۡسِطِينَ} (9)

ولما كانت النميمة ونقل الأخبار الباطلة الذميمة ربما جرت فتناً وأوصلت إلى القتال ، وكان {[60803]}العليم الحكيم{[60804]} لا ينصب سبباً إلا ذكر مسببه وأشار إلى دوائه{[60805]} ، وكان لا ينهى عن الشيء إلا من كان متهيئاً له لما في جبلته من الداعي إليه ، فكان قد يواقعه ولو في وقت ، قال تعالى معلماً لنا طريق الحكمة{[60806]} في دفع ما جرت إليه{[60807]} الأخبار الباطلة من القتال ، معبراً بأداة الشك إشارة إلى أن ما-{[60808]} في حيزها لا ينبغي أن يقع بينهم ، ولا أن يذكروه إلا على سبيل الفرض : { وإن طائفتان } أي جماعتان بالفعل أو القوة جدير كل جماعة منهما بأن يجتمع على ما-{[60809]} دهمها{[60810]} من الأمير بحيث تصير من شدة مراعاته كالطائفة حوله والمتحلقة به ، بحيث لا يدرى من شدة اجتماعها على ذلك أولها من آخرها { من المؤمنين } أي ممن هو معدود في عداد العريقين في الإيمان سواء كان هو عريقاً أو فاعلاً ما يطلق{[60811]} عليه به الاسم فقط .

ولما كانت الشناعة والفساد في قتال الجماعة أكثر ، عبر بضمير الجمع دون {[60812]}التثنية تصويراً{[60813]} لذلك بأقبح صورة فقال : { اقتتلوا } أي-{[60814]} فاختلطوا بسبب القتال حتى كانوا كالفرقة الواحدة { فأصلحوا } أي فأوقعوا الإصلاح ليحصل الصلح . ولما كانت{[60815]} العبرة في الصلح إذا وقع بين الطائفتين ما يسكن به الشر وإن تخلف شذان من الجانبين لا يعبأ بهم ، عبر بالتثنية دون الجمع فقال : { بينهما } أي بالوعظ والإرشاد الدنيوي والأخروي ، ولا تظنوا أن الباغي غير مؤمن فتتجاوزوا فيه أمر الله .

ولما كان البغي من أشنع الأمور فكان ينبغي أن لا يلم به أحد ، عبر بأداة الشك إرشاداً إلى ذلك فقال : { فإن بغت } أي أوقعت الإرادة السيئة الكائنة من النفوس التي لا تأمر بخير { إحداهما } أي الطائفتين { على الأخرى } فلم ترجع إلى حكم الله الذي{[60816]} خرجت عنه ولم تقبل الحق . ولما كان الإضمار هنا ربما أوهم لبساً فتمسك به متعنت في أمر فساد ، أزال بالإظهار كل لبس فقال : { فقاتلوا } أي أوجدوا واطلبوا مقاتلة { التي } .

ولما كان القتال لا يجوز إلا بالاستمرار على البغي ، عبر بالمضارع إفهاماً لأنه متى زال البغي ولو بالتوبة{[60817]} من غير شوكة حرم القتال فقال : { تبغي } أي توقع الإرادة وتصر عليها ، وأديموا القتال لها { حتى تفيء } أي ترجع مما صارت إليه من جر القطيعة الذي كأنه حر الشمس حين نسخه الظل إلى ما كانت فيه{[60818]} من البر والخير الذي هو كالظل الذي ينسخ الشمس ، وهو معنى قوله تعالى : { إلى أمر الله } أي التزام{[60819]} ما أمر{[60820]} به الملك الذي لا يهمل الظالم ، بل لا بد أن يقاصصه وأمره ما {[60821]}كانت عليه{[60822]} من العدل قبل البغي . ولما كانت مقاتلة الباغي جديرة بترجيعه ، أشار إلى ذلك بقوله : { فإن فاءت } أي رجعت إلى ما كانت عليه من التمسك بأمر الله الذي هو العدل { فأصلحوا } أي أوقعوا الإصلاح { بينهما } .

ولما كان الخصام يجر في الغالب من القول والفعل ما يورث للمصلحين إحنة على بعض المتخاصمين ، فيحمل ذلك على الميل مع بعض على بعض ، قال : { بالعدل } ولا يحملكم القتال على الحقد على المتقاتلين فتحيفوا . ولما كان العدل في مثل ذلك شديداً على النفوس لما تحملت من الضغائن قال تعالى : { وأقسطوا } أي وأزيلوا القسط - بالفتح وهو الجور - بأن تفعلوا القسط بالكسر وهو العدل العظيم الذي لا جور فيه ، في ذلك وفي جميع أموركم ، ثم علله ترغيباً فيه بقوله مؤكداً تنبيهاً على أنه من أعظم ما يتمادح به{[60823]} ، وردّاً على من لعله يقول : إنه لا يلزم نفسه الوقوف عنده إلا ضعيف : { إن الله } أي الذي بيده النصر والخذلان { يحب المقسطين * } أي يفعل مع أهل العدل من الإكرام فعل المحب .


[60803]:في مد:الحكيم العليم.
[60804]:في مد: الحكيم العليم.
[60805]:من مد، وفي الأصل: رواية.
[60806]:من مد، وفي الأصل: الحق.
[60807]:من مد، وفي الأصل: به.
[60808]:زيد من مد.
[60809]:زيد من مد.
[60810]:زيد من مد.
[60811]:من مد، وفي الأصل: دهمهما.
[60812]:من مد، وفي الأصل: ينطلق.
[60813]:من مد، وفي الأصل: التبنية.
[60814]:من مد، وفي الأصل: التبنية.
[60815]:في مد: كان.
[60816]:من مد، وفي الأصل: التي.
[60817]:من مد، وفي الأصل: بالنوصيه.
[60818]:من مد، وفي الأصل: إليه.
[60819]:زيد من مد.
[60820]:من مد، وفي الأصل: أراد.
[60821]:من مد، وفي الأصل: كان.
[60822]:من مد، وفي الأصل: كان.
[60823]:من مد، وفي الأصل: فيه.
 
التفسير الشامل لأمير عبد العزيز - أمير عبد العزيز [إخفاء]  
{وَإِن طَآئِفَتَانِ مِنَ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ ٱقۡتَتَلُواْ فَأَصۡلِحُواْ بَيۡنَهُمَاۖ فَإِنۢ بَغَتۡ إِحۡدَىٰهُمَا عَلَى ٱلۡأُخۡرَىٰ فَقَٰتِلُواْ ٱلَّتِي تَبۡغِي حَتَّىٰ تَفِيٓءَ إِلَىٰٓ أَمۡرِ ٱللَّهِۚ فَإِن فَآءَتۡ فَأَصۡلِحُواْ بَيۡنَهُمَا بِٱلۡعَدۡلِ وَأَقۡسِطُوٓاْۖ إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلۡمُقۡسِطِينَ} (9)

قوله تعالى : { وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله فإن فاءت فأصلحوا بينهما بالعدل وأقسطوا إن الله يحب المقسطين 9 إنما المؤمنون إخوة فأصلحوا بين أخويكم واتقوا الله لعلكم ترحمون } .

ذلك أمر من الله لعباده المؤمنين بالإصلاح بين الفئتين المقتتلتين منهم ، فدين الإسلام رحمة من الله للعالمين ، يرسخ فيهم المودة والتعاون والإخاء ويحذرهم العداوة والبغضاء وسوء الخصام ويوجب أن يغيض كل أسباب الشقاق والنزاع والمباغضة وإذا وقع شيء من ذلك بين فئتين من المؤمنين أن يبادروا سراعا للتوفيق والإصلاح بين الفئتين المتخاصمتين المقتتلتين . لا جرم أن الإصلاح بين المسلمين عمل جليل ومبارك يكتب الله فيه حسن الجزاء للأبرار الذين يصلحون بين إخوانهم المسلمين ، فقد ثبت في صحيح البخاري عن أبي بكر ( رضي الله عنه ) قال : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم خطب يوما ومعه على المنبر الحسن بن علي ( رضي الله عنه ) فجعل ينظر إليه مرة وإلى الناس أخرى ويقول : " إن ابني هذ سيد ولعل الله تعالى أن يصلح به بين فئتين عظيمتين من المسلمين " فكان كما قال صلى الله عليه وسلم ، إذ أصلح الله تعالى به بين أهل الشام وأهل العراق بعد الذي وقع بينهم من حرب تثير في النفس الألم والحزن .

أما في سبب نزول الآية : فقد روي عن أنس قال : يا نبي الله لو أتيت عبد الله بن أبي ، فانطلق إليه النبي صلى الله عليه وسلم فركب حمارا وانطلق المسلمون يمشون وهي أرض سبخة ، فلما أتاه النبي صلى الله عليه وسلم قال : إليك عني ، فوالله لقد آذاني نتن حمارك ، فقال رجل من الأنصار : لحمار رسول الله صلى الله عليه وسلم أطيب ريحا منك ، فغضب لعبد الله رجل من قومه . وغضب لكل واحد منهما أصحابه ، وكان بينهم ضرب بالجريد والأيدي والنعال فبلغنا أنه أنزلت فيهم : { وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما } {[4290]} وقيل غير ذلك من الأسباب .

والمستفاد : وجوب الإصلاح بين المسلمين إذا ما وقع بينهم نزاع أو شقاق أو اقتتال . والطائفة : تعني الواحد فما فوقه ، والطائفة من الشيء : القطعة منه{[4291]} .

قوله : { فأصلحوا بينهما } أمر بالإصلاح بين الطائفتين المقتتلتين بدعوتهما إلى الاحتكام إلى كتاب الله فهو يقضي لهما أو عليهما .

قوله : { فإن بغت إحداهما على الأخرى } بغت من البغي وهو العدول عن القصد . بغى على الناس بغيا ، أي ظلمهم واعتدى عليهم فهو باغ ، وجمعه بغاة . وبغى : سعى بالفساد{[4292]} . والمراد : إذا اعتدت إحدى الطائفتين ولم تستجب لنداء الحق أو حكم الله فأبت إلا التطاول والفساد { فقاتلوا التي تبغى حتى تفيء إلى أمر الله } أي قاتلوا هؤلاء البغاة حتى يثوبوا إلى الحق والصواب ويقبلوا بحكم الله في كتابه الكريم .

قوله : { فإن فاءت فأصلحوا بينهما بالعدل } { فاءت } من الفيء وهو الرجوع ، أي إن رجعت الفئة المتعدية المتجاوزة عن بغيها ورضيت بالاحتكام إلى كتاب الله ، فأصلحوا بين الطائفتين بتحري الحق والصواب والأخذ للطائفة المظلومة من الظالمة حتى يزول ما أصابها من حيف وبغي .


[4290]:أسباب النزول للنيسابوري ص 263.
[4291]:مختار الصحاح ص 400.
[4292]:المصباح المنير جـ 1 ص 64.