التفسير الشامل لأمير عبد العزيز - أمير عبد العزيز  
{وَإِن طَآئِفَتَانِ مِنَ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ ٱقۡتَتَلُواْ فَأَصۡلِحُواْ بَيۡنَهُمَاۖ فَإِنۢ بَغَتۡ إِحۡدَىٰهُمَا عَلَى ٱلۡأُخۡرَىٰ فَقَٰتِلُواْ ٱلَّتِي تَبۡغِي حَتَّىٰ تَفِيٓءَ إِلَىٰٓ أَمۡرِ ٱللَّهِۚ فَإِن فَآءَتۡ فَأَصۡلِحُواْ بَيۡنَهُمَا بِٱلۡعَدۡلِ وَأَقۡسِطُوٓاْۖ إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلۡمُقۡسِطِينَ} (9)

قوله تعالى : { وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله فإن فاءت فأصلحوا بينهما بالعدل وأقسطوا إن الله يحب المقسطين 9 إنما المؤمنون إخوة فأصلحوا بين أخويكم واتقوا الله لعلكم ترحمون } .

ذلك أمر من الله لعباده المؤمنين بالإصلاح بين الفئتين المقتتلتين منهم ، فدين الإسلام رحمة من الله للعالمين ، يرسخ فيهم المودة والتعاون والإخاء ويحذرهم العداوة والبغضاء وسوء الخصام ويوجب أن يغيض كل أسباب الشقاق والنزاع والمباغضة وإذا وقع شيء من ذلك بين فئتين من المؤمنين أن يبادروا سراعا للتوفيق والإصلاح بين الفئتين المتخاصمتين المقتتلتين . لا جرم أن الإصلاح بين المسلمين عمل جليل ومبارك يكتب الله فيه حسن الجزاء للأبرار الذين يصلحون بين إخوانهم المسلمين ، فقد ثبت في صحيح البخاري عن أبي بكر ( رضي الله عنه ) قال : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم خطب يوما ومعه على المنبر الحسن بن علي ( رضي الله عنه ) فجعل ينظر إليه مرة وإلى الناس أخرى ويقول : " إن ابني هذ سيد ولعل الله تعالى أن يصلح به بين فئتين عظيمتين من المسلمين " فكان كما قال صلى الله عليه وسلم ، إذ أصلح الله تعالى به بين أهل الشام وأهل العراق بعد الذي وقع بينهم من حرب تثير في النفس الألم والحزن .

أما في سبب نزول الآية : فقد روي عن أنس قال : يا نبي الله لو أتيت عبد الله بن أبي ، فانطلق إليه النبي صلى الله عليه وسلم فركب حمارا وانطلق المسلمون يمشون وهي أرض سبخة ، فلما أتاه النبي صلى الله عليه وسلم قال : إليك عني ، فوالله لقد آذاني نتن حمارك ، فقال رجل من الأنصار : لحمار رسول الله صلى الله عليه وسلم أطيب ريحا منك ، فغضب لعبد الله رجل من قومه . وغضب لكل واحد منهما أصحابه ، وكان بينهم ضرب بالجريد والأيدي والنعال فبلغنا أنه أنزلت فيهم : { وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما } {[4290]} وقيل غير ذلك من الأسباب .

والمستفاد : وجوب الإصلاح بين المسلمين إذا ما وقع بينهم نزاع أو شقاق أو اقتتال . والطائفة : تعني الواحد فما فوقه ، والطائفة من الشيء : القطعة منه{[4291]} .

قوله : { فأصلحوا بينهما } أمر بالإصلاح بين الطائفتين المقتتلتين بدعوتهما إلى الاحتكام إلى كتاب الله فهو يقضي لهما أو عليهما .

قوله : { فإن بغت إحداهما على الأخرى } بغت من البغي وهو العدول عن القصد . بغى على الناس بغيا ، أي ظلمهم واعتدى عليهم فهو باغ ، وجمعه بغاة . وبغى : سعى بالفساد{[4292]} . والمراد : إذا اعتدت إحدى الطائفتين ولم تستجب لنداء الحق أو حكم الله فأبت إلا التطاول والفساد { فقاتلوا التي تبغى حتى تفيء إلى أمر الله } أي قاتلوا هؤلاء البغاة حتى يثوبوا إلى الحق والصواب ويقبلوا بحكم الله في كتابه الكريم .

قوله : { فإن فاءت فأصلحوا بينهما بالعدل } { فاءت } من الفيء وهو الرجوع ، أي إن رجعت الفئة المتعدية المتجاوزة عن بغيها ورضيت بالاحتكام إلى كتاب الله ، فأصلحوا بين الطائفتين بتحري الحق والصواب والأخذ للطائفة المظلومة من الظالمة حتى يزول ما أصابها من حيف وبغي .


[4290]:أسباب النزول للنيسابوري ص 263.
[4291]:مختار الصحاح ص 400.
[4292]:المصباح المنير جـ 1 ص 64.