الهداية إلى بلوغ النهاية لمكي بن ابي طالب - مكي ابن أبي طالب  
{وَإِن طَآئِفَتَانِ مِنَ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ ٱقۡتَتَلُواْ فَأَصۡلِحُواْ بَيۡنَهُمَاۖ فَإِنۢ بَغَتۡ إِحۡدَىٰهُمَا عَلَى ٱلۡأُخۡرَىٰ فَقَٰتِلُواْ ٱلَّتِي تَبۡغِي حَتَّىٰ تَفِيٓءَ إِلَىٰٓ أَمۡرِ ٱللَّهِۚ فَإِن فَآءَتۡ فَأَصۡلِحُواْ بَيۡنَهُمَا بِٱلۡعَدۡلِ وَأَقۡسِطُوٓاْۖ إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلۡمُقۡسِطِينَ} (9)

قوله : { وإن طائفتين من المؤمنين اقتتلوا } إلى قوله : { تواب رحيم } الآيات [ 9-12 ] .

طائفتان عند البصريين/رفع بفعلهم ، والتقدير : وإن اقتتل طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما {[64366]} .

وهما رفع بالابتداء عند الكوفيين ، والخبر : اقتتلوا {[64367]} ، وله نظائر ( كثيرة في القرآن {[64368]} ) وقد تقدم ذكرها ، وسيأتي {[64369]} نظائرها فيما بعد إن شاء الله والمعنى : أصلحوا بينهما أيها المؤمنون بالدعاء إلى كتاب {[64370]} الله وسنة رسوله .

{ فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله } .

أي : فإن أبت إحداهما الرضا بحكم الله عز وجل {[64371]} وحكم رسوله {[64372]} فقاتلوا الفئة التي أبت وبغت حتى ترجع إلى أمر الله {[64373]} ، فإن رجعت الباغية إلى حكم الله بعد قتالكم إياها ، فأصلحوا بينها وبين الطائفة الأخرى بالإنصاف والعدل بينهما قال ابن زيد لا يقاتل الفئة الباغية إلا الولاة {[64374]} .

وروي أن هذه الآية نزلت في طائفتين من الأوس والخزرج اقتتلا في أمر تنازعا فيه {[64375]} .

وروي عن أنس أنه قال : قيل للنبي عليه السلام {[64376]} لو أتيت عبد الله {[64377]} بن أبي ، قال : فانطلق النبي صلى الله عليه وسلم {[64378]} إليه وركب حمارا وانطلق معه المسلمون ، فلما أتاه النبي صلى الله عليه وسلم {[64379]} قال عبد الله المنافق : إليك عني ، فوالله لقد آتاني نتن حمارك ، فقال رجل من الأنصار : والله لحمار رسول الله صلى الله عليه وسلم أطيب ريحا منك فغضب لعبد الله بن أبي رجل من قومه فرد عليه {[64380]}وغضب لكل واحد منهما أصحابه فكان بينهما {[64381]} ضرب بالجريد والأيدي والنعال فنزلت هذه الآية فيهم {[64382]} .

وقال السدي : كانت امرأة {[64383]} من الأنصار يقال : لها أم زيد {[64384]} تحت رجل من غيرهم فكان بينها وبين زوجها خصومة ، فبلغ قومها فجاؤوا وجاء قومه ، فاقتتلوا بالأيدي [ وبالنعال ] {[64385]} ، فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم {[64386]} فجاء ليصلح بينهم فنزل القرآن في ذلك {[64387]} .

وعن قتادة أنه قال : ذكر لنا أنها نزلت في رجلين من الأنصار كانت بينهما ، خصومة وكان أحدهما أكثر عشيرة من الآخر فأبى أن يحاكمه إلى النبي صلى الله عليه وسلم فتدافعا وتقاتلا بالأيدي والنعال فنزلت الآية فيهما {[64388]} .

قوله {[64389]} : { وأقسطوا إن الله يحب المقسطين } .

[ أي : أعدلوا في حكمكم بينهم إن الله يحب المقسطين ] {[64390]} العادلين في أحكامهم . يقال قسط الرجل : إذا جار ، وأقسط إذا عدل {[64391]} .


[64366]:انظر: إعراب النحاس 4/212.
[64367]:انظر: مشكل إعراب القرآن 680، والبيان في غريب إعراب القرآن 2/383.
[64368]:ع: "في القرآن كثير".
[64369]:ع: "وستأتي".
[64370]:ع: "كتب".
[64371]:ساقط من ع.
[64372]:ع: "الرسول".
[64373]:انظر: غريب القرآن وتفسيره 165.
[64374]:انظر: جامع البيان 26/81.
[64375]:انظر: تفسير القرطبي 16/315، والدر المنثور 7/560، وأحكام ابن العربي 4/1716.
[64376]:ع: "صلى الله عليه وسلم".
[64377]:عبد الله بن أبي بن مالك بن الحارث بن عبيد الخزرجي، أبو الحباب المشهور بابن سلول، وسلول جدته لأبيه، رأس المنافقين في الإسلام من أهل المدينة، أظهر الإسلام بعد وقعة بدر، ولما مات تقدم النبي صلى الله عليه وسلم فصلى عليه ولم يكن ذلك من رأي عمر، فنزلت... {ولا تصل على أحد منهم مات أبدا}. انظر: كتاب المحبر 233 وجمهرة الأسباب 335، والأعلام 4/65.
[64378]:ع: "عليه السلام".
[64379]:ساقط من ع.
[64380]:ح: "عليهم".
[64381]:ع: "بينهم".
[64382]:انظر: معاني الفراء 3/71، وجامع البيان 26/81 وزاد المسير 7/462، وأسباب النزول 294، وتفسير الخازن وبهامشه معالم التنزيل 6/223، وأحكام ابن العربي 4/1717، وتفسير القرطبي 16/315، وابن كثير 4/212، والدر المنثور 7/560، ولباب النقول 202.
[64383]:ح: "في امرأة".
[64384]:أم زيد غير منسوبة ذكرت في سبب نزول قوله تعالى: {وإن طائفتين من المؤمنين اقتتلوا} وقع ذلك في رواية أسباط بن نصر عن السدي وقالت كانت امرأة من الأنصار يقال لها أم زيد اختصمت مع زوجها فأقبل أهلها مع زوجها فنزل قوله تعالى: {وإن طائفتين} ... الآية قال ابن الأثير: لعلها واحدة من المتقدمات. انظر: ترجمتها في الإصابة 4/454 (ت 1281).
[64385]:ع: "بالنعال" وح: "النعال".
[64386]:ساقط من ع.
[64387]:انظر: جامع البيان 26/81، وتفسير القرطبي 16/316، وابن كثير 4/212، والدر المنثور 7/561.
[64388]:انظر: جامع البيان 26/81، وتفسير القرطبي 16/316، والدر المنثور 7/560، ولباب النقول 202.
[64389]:ع: "وقوله".
[64390]:ساقط من ح.
[64391]:انظر: الكامل للمبرد 3/388، والصحاح 3/1152، واللسان 3/85، والقاموس المحيط 2/379.