{ وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله فإن فاءت فأصلحوا بينهما بالعدل وأقسطوا إن الله يحب المقسطين 9 } .
{ وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا } أي تقاتلوا { فأصلحوا بينهما } قال ابن جرير :{[6673]} أي بالدعاء إلى حكم كتاب الله ، والرضا بما فيه ، لهما وعليهما ، وذلك هو الإصلاح بينهما بالعدل .
{ فإن بغت إحداهما على الأخرى } أي فإن أبت إحدى هاتين الطائفتين الإجابة إلى حكم كتاب الله ، له وعليه ، وتعدت ما جعل الله عدلا بين خلقه ، وأجابت الأخرى منهما ، { فقاتلوا التي تبغي } أي تعتدي وتأبى الإجابة إلى حكم الله { حتى تفيء إلى أمر الله } أي ترجع إلى حكم الله الذي حكم في كتابه بين خلقه { فإن فاءت } أي رجعت الباغية ، بعد قتالكم إياهم ، إلى الرضا بحكم الله في كتابه { فأصلحوا بينهما بالعدل } أي بالإنصاف بينهما ، وذلك حكم الله في كتابه الذي جعله عدلا بين خلقه { وأقسطوا } أي اعدلوا في كل ما تأتون وتذرون . { إن الله يحب المقسطين } أي فيجازيهم أحسن الجزاء .
الأول – قال القاشانيّ : الاقتتال لا يكون إلا للميل إلى الدنيا ، والركون إلى الهوى ، والانجذاب إلى الجهة السفلية ، والتوجه إلى المطالب الجزئية . والإصلاح إنما يكون من / لزوم العدالة في النفس التي هي ظل المحبة ، التي هي ظل الوحدة . فلذلك أمر المؤمنون الموحدون بالإصلاح بينهما ، على تقدير بغيهما . والقتال مع الباغية على تقدير بغي إحداهما ، حتى ترجع . لكون الباغية مضادة للحق ، دافعة له .
وقد روي أن هذه الآية نزلت في طائفتين من الأوس والخزرج اقتتلتا في بعض ما تنازعتا فيه بالنعال والأيدي ، لا بالسيوف ، فذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأتاهم فحجز بينهم وأصلح ، روي ذلك من طرق عديدة ، مما يقوي أن القتال الذي نزلت فيه كان حقيقيا .
ويروى عن الحسن أن الاقتتال بمعنى الخصومة ، والقتال بمعنى الدفع مجازا . قال- فيما رواه الطبري {[6674]} عنه - : كانت تكون الخصومة بين الحيين ، فيدعوهم إلى الحكم ، فيأبون أن يجيبوا ، فأنزل الله { وإن طائفتان } إلى قوله { فقاتلوا التي تبغي . . . } الآية . يقول : ادفعوا إلى الحكم ، فكان قتالهم الدفع . انتهى .
ولا يخفى أن المادة قد تحمل على حقيقتها ومجازها فتتسع لهما . وقد قال اللغويون : ليس كل قتال قتلا . وقد يفضي الخصام إلى القتل ، فلا مانع أن يراد من الآية ما هو أعم ، لتكون الفائدة أشمل – والله أعلم
الثاني – في ( الإكليل ( : في الآية وجوب الصلح بين أهل العدل والبغي ، وقتال البغاة وهو شامل لأهل مكة كغيرهم ، وأن من رجع منهم وأدبر لا يقاتل ، لقوله : { حتى تفيء } . انتهى .
وقد روى سعيد عن مروان قال : ( صرخ صارخ لعليّ يوم الجمل : لا يقتل مدبر ولا يذفف على جريح ، ومن أغلق بابه فهو آمن ، ومن ألقى السلاح فهو آمن ) .
وقد اتفق الفقهاء على حرمة قتل مدبرهم وجريحهم ، وأنه لا يغنم لهم مال ، ولا تسبى لهم ذرية ، لأنهم لم يكفروا ببغيهم ولا قتالهم . وعصمة الأموال تابعة لدينهم ، ولذا يجب رد ذلك إليهم إن أخذ منهم . ولا يضمنوا ما أتلفوه حال الحرب من نفس أو مال . ومن قتل من أهل / البغي غسل وكفن وصلي عليه ، فإن قتل العادل كان شهيدا ، فلا يغسل ولا يصلى عليه ، لأنه قتل في قتال أمره الله تعالى به ، كشهيد معركة الكفار .
وإن أظهر قوم رأي الخوارج . مثل تكفير من ارتكب كبيرة ، وترك الجماعة ، واستحلال دماء المسلمين وأموالهم ، ولم يجتمعوا لحرب ، لم يتعرّض لهم . وإن جنوا جناية وأتوا حدّا ، أقامه عليهم .
وإن اقتتلت طائفتان لعصبية ، أو طلب رئاسة ، فهما ظالمتان . لأن كل واحدة منهما باغية على الأخرى ، وتضمن كل واحدة منهما ما أتلف على الأخرى .
هذه شذرة مما جاء في ( الإقناع ) و ( شرحه ) وتفصيله ثمة .
الثالث- قال في ( شرح الإقناع ( : في الآية فوائد : منها أنهم لم يخرجوا بالبغي عن الإيمان . وأنه أوجب قتالهم . وأنه أسقط عنهم التبعة فيما أتلفوه في قتالهم . وإجازة كل من منع حقا عليه . والأحاديث بذلك مشهورة . منها ما روى عبادة بن الصامت قال : ( بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على السمع والطاعة ، في المنشط والمكره ، وأن لا ننازع الأمر أهله ) ( متفق عليه ( {[6675]} . وأجمع الصحابة على قتالهم ، فإن أبا بكر قاتل مانعي الزكاة ، وعليّا قاتل أهل الجمل ، وأهل صفّين . انتهى .
وتدل الآية أيضا على وجوب معاونة من بغي عليه ، لقوله : { فقاتلوا } ، وعلى وجوب تقديم النصح ، لقوله : { فأصلحوا بينهما } ، وعلى السعي في المصالحة ، وذلك ظاهر .
الرابع – وجه الجمع في { اقتتلوا } ، مع أنه قد يقال : مقتضى الظاهر ( اقتتلتا ) هو الحمل على المعنى دون اللفظ ، لأن الطائفتين في معنى القوم والناس . والنكتة في اعتبار المعنى أولا ، / واللفظ ثانيا عكس المشهور في الاستعمال ، ما قيل إنهم أولا في حال القتال مختلطون مجتمعون ، فلذا جمع أولا ضميرهم ، وفي حال الإصلاح متميزون متفارقون ، فلذا ثنى الضمير ثانيا . وسِرُّ قرن الإصلاح الثاني بالعدل ، دون الأول ، لأن الثاني لوقوعه بعد المقاتلة مظنة للتحامل عليهم بالإساءة ، أو لإيهام أنهم لما أحوجوهم للقتال استحقوا الحيف عليهم .
الخامس – ( أقسط ) الرباعيّ همزته للسلب . أي أزيلوا الجور ، واعدلوا . بخلاف ( قسط ) الثلاثي ، فمعناه جار . قال {[6676]} تعالى : { وأما القاسطون فكانوا لجهنم حطبا } وهذا هو المشهور – خلافا للزجاج – في جعلهما سواء – أفاده الكرخيّ - .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.