بحر العلوم لعلي بن يحيى السمرقندي - السمرقندي  
{وَإِن طَآئِفَتَانِ مِنَ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ ٱقۡتَتَلُواْ فَأَصۡلِحُواْ بَيۡنَهُمَاۖ فَإِنۢ بَغَتۡ إِحۡدَىٰهُمَا عَلَى ٱلۡأُخۡرَىٰ فَقَٰتِلُواْ ٱلَّتِي تَبۡغِي حَتَّىٰ تَفِيٓءَ إِلَىٰٓ أَمۡرِ ٱللَّهِۚ فَإِن فَآءَتۡ فَأَصۡلِحُواْ بَيۡنَهُمَا بِٱلۡعَدۡلِ وَأَقۡسِطُوٓاْۖ إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلۡمُقۡسِطِينَ} (9)

قوله عز وجل : { وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ المؤمنين اقتتلوا فَأَصْلِحُواْ بَيْنَهُمَا } وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج إلى الأنصار ليكلمهم في أمر من الأمور وهو على حماره ، فبال الحمار وهو راكب عليه يكلم الأنصار . فقال عبد الله بن أُبيّ المنافق : خل للناس سبيل الريح من نتن هذا الحمار ، ثم قال : أف . وأمسك على أنفه فشق على النبي صلى الله عليه وسلم قوله ، فانصرف عبد الله بن رواحة . فقال : اتقوا هذا لحمار رسول الله صلى الله عليه وسلم ، والله لبوله أطيب ريحاً منك . فاقتتلا فاجتمع قوم ابن رواحة وهم الأوس ، وقوم عبد الله بن أبي وهم الخزرج ، فكان بينهم ضرب النعال ، والأيدي ، والسعف ، ورجع النبي صلى الله عليه وسلم فأصلح بينهم . فأنزل الله تعالى : { وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ المؤمنين اقتتلوا فَأَصْلِحُواْ بَيْنَهُمَا } بالعدل فكره بعضهم الصلح ، فأنزل قوله : { فَإِن بَغَتْ إِحْدَاهُمَا على الأخرى } يعني : استطالت فلم ترجع إلى الصُّلح { فقاتلوا التي تَبْغِي } يعني : تظلم { حتى تَفيء إلى أَمْرِ الله } يعني : ترجع إلى ما أمر الله عز وجل . وروى أسباط عن السدي قال : كانت امرأة من الأنصار يقال لها أم زيد ، فأبغضت زوجها ، وأرادت أن تلحق بأهلها ، وكان قد جعلها في غرفة له ، وأمر أهله أن يحفظوها ، وخرج إلى حاجة له ، فأرسلت إلى أهلها ، فجاء ناس من أهلها ، وأرادوا أن يذهبوا بها ، فاقتتلوا بالنعال ، والتلاطم . فنزل قوله تعالى : { وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ المؤمنين اقتتلوا } الآية . ثم صارت الآية عامة في جميع المسلمين . إذا اقتتل فريقان من المسلمين ، وجب على المؤمنين الإصلاح بين الفريقين . فإن ظهر أن أحد الفريقين ظالم ، فإنه يقاتل ذلك الفريق حتى يرجع إلى حكم الله .

ثم قال : { فَإِن فَاءتْ } يعني : رجعت إلى الصلح { فَأَصْلِحُواْ بَيْنَهُمَا بالعدل } يعني : بالحق { وَأَقْسِطُواْ } يعني : اعدلوا بين الفريقين ، ولا تميلوا { إِنَّ الله يُحِبُّ المقسطين } يعني : العادلين .