إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود - أبو السعود  
{وَإِن طَآئِفَتَانِ مِنَ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ ٱقۡتَتَلُواْ فَأَصۡلِحُواْ بَيۡنَهُمَاۖ فَإِنۢ بَغَتۡ إِحۡدَىٰهُمَا عَلَى ٱلۡأُخۡرَىٰ فَقَٰتِلُواْ ٱلَّتِي تَبۡغِي حَتَّىٰ تَفِيٓءَ إِلَىٰٓ أَمۡرِ ٱللَّهِۚ فَإِن فَآءَتۡ فَأَصۡلِحُواْ بَيۡنَهُمَا بِٱلۡعَدۡلِ وَأَقۡسِطُوٓاْۖ إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلۡمُقۡسِطِينَ} (9)

{ وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ المؤمنين اقتتلوا } أي تقاتلُوا والجمعُ باعتبارِ المَعْنى { فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا } بالنُّصحِ والدعاءِ إلى حُكمِ الله تعالى { فَإِن بَغَتْ } أي تعدتْ { إِحْدَاهُمَا على الأخرى } وَلَمْ تتأثرْ بالنصيحةِ { فقاتلوا التي تَبْغِي حتى تَفيء } أيْ ترجعَ { إلى أَمْرِ الله } إِلى حُكمهِ أوْ إلى مَا أمرَ بهِ { فَإِن فَاءتْ } إليهِ وأقلعتْ عن القتالِ حذاراً من قتالِكم { فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بالعدل } بفصلِ ما بينَهما على حُكمِ الله تَعالى ولا تكتفُوا بمجردِ متاركتهِما عَسى يكونُ بينَهما قتالٌ في وقتٍ آخرَ ، وتقييدُ الإصلاحِ بالعدلِ لأنَّه مظِنةُ الحيفِ لوقوعِه بعدَ المقاتلةِ وقدْ أكَّد ذلكَ حيثُ قيلَ : { وَأَقْسِطُوا } أيْ واعدلُوا في كُلِّ ما تأتونَ وما تذرونَ { إِنَّ الله يُحِبُّ المقسطين } فيجازيهُم أحسنَ الجزاءِ والآيةُ نزلتْ في قتالٍ حدثَ بينَ الأوسِ والخزرجِ في عهدِه عليهِ الصلاةُ والسلامُ بالسَعَفِ{[741]} والنعالِ ، وفيهَا دلالةً على أنَّ الباغيَ لا يخرجُ بالبغِي عنِ الإيمانِ وأنَّه إذَا أمسكَ عنِ الحربِ تُركَ لأنَّه فيءٌ إلى أمرِ الله تعَالى وأنه يجبُ معاونةُ منْ بُغيَ عليهِ بعدَ تقديمِ النُّصحِ والسعْيِ في المصالحةِ .


[741]:السقف: جريد النخل. وردت (عسف).