في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{فَمَا بَكَتۡ عَلَيۡهِمُ ٱلسَّمَآءُ وَٱلۡأَرۡضُ وَمَا كَانُواْ مُنظَرِينَ} (29)

17

ثم ماذا ? ثم ذهب هؤلاء الطغاة الذين كانوا ملء الأعين والنفوس في هذه الأرض : ذهبوا فلم يأس على ذهابهم أحد ، ولم تشعر بهم سماء ولا أرض ؛ ولم ينظروا أو يؤجلوا عند ما حل الميعاد :

( فما بكت عليهم السماء والأرض وما كانوا منظرين ) . .

وهو تعبير يلقي ظلال الهوان ، كما يلقي ظلال الجفاء . . فهؤلاء الطغاة المتعالون لم يشعر بهم أحد في أرض ولا سماء . ولم يأسف عليهم أحد في أرض ولا سماء . وذهبوا ذهاب النمال ، وهم كانوا جبارين في الأرض يطأون الناس بالنعال ! وذهبوا غير مأسوف عليهم فهذا الكون يمقتهم لانفصالهم عنه ، وهو مؤمن بربه ، وهم به كافرون ! وهم أرواح خبيثة شريرة منبوذة من هذا الوجود وهي تعيش فيه !

ولو أحس الجبارون في الأرض ما في هذه الكلمات من إيحاء لأدركوا هوانهم على الله وعلى هذا الوجود كله . ولأدركوا أنهم يعيشون في الكون منبوذين منه ، مقطوعين عنه ، لا تربطهم به آصرة ، وقد قطعت آصرة الإيمان .

 
تيسير التفسير لإبراهيم القطان - إبراهيم القطان [إخفاء]  
{فَمَا بَكَتۡ عَلَيۡهِمُ ٱلسَّمَآءُ وَٱلۡأَرۡضُ وَمَا كَانُواْ مُنظَرِينَ} (29)

فما بكتْ عليهم السماء : لم تكترث لهلاكهم .

مُنظِرين : مهملين ومؤخرين .

فما حزنتْ عليهم السماءُ ولا الأرض عندما أخذهم العذابُ ولا أُمهلوا لتوبةٍ

أو تداركِ تقصير .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{فَمَا بَكَتۡ عَلَيۡهِمُ ٱلسَّمَآءُ وَٱلۡأَرۡضُ وَمَا كَانُواْ مُنظَرِينَ} (29)

{ فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ } أي : لما أتلفهم الله وأهلكهم لم تبك عليهم السماء والأرض أي : لم يحزن عليهم ولم يؤس على فراقهم ، بل كل استبشر بهلاكهم وتلفهم حتى السماء والأرض لأنهم ما خلفوا من آثارهم إلا ما يسود وجوههم ويوجب عليهم اللعنة والمقت من العالمين .

{ وَمَا كَانُوا مُنْظَرِينَ } أي : ممهلين عن العقوبة بل اصطلمتهم في الحال .

 
معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{فَمَا بَكَتۡ عَلَيۡهِمُ ٱلسَّمَآءُ وَٱلۡأَرۡضُ وَمَا كَانُواْ مُنظَرِينَ} (29)

قوله تعالى : { فما بكت عليهم السماء والأرض } وذلك أن المؤمن إذا مات تبكي عليه السلام والأرض أربعين صباحاً ، وهؤلاء لم يكن يصعد لهم عمل صالح ، فتبكي السماء على فقده ، ولا لهم على الأرض عمل صالح فتبكي الأرض عليه .

أخبرنا أبو سعيد الشريحي ، أنبأنا أبو إسحاق الثعلبي ، أنبأنا أبو عبد الله الفنجوي ، حدثنا أبو علي المقري ، حدثنا أبو يعلى الموصلي ، حدثنا أحمد بن إسحاق البصري ، حدثنا مكي بن إبراهيم ، حدثنا موسى بن عبيدة الزيدي ، أخبرني يزيد الرقاشي ، عن أنس بن مالك ، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " ما من عبد إلا له في السماء بابان باب يخرج منه رزقه ، وباب يدخل فيه عمله ، فإذا مات فقداه وبكيا عليه " ثم تلا : { فما بكت عليهم السماء والأرض } . قال عطاء : بكاء السماء حمرة أطرافها . قال السدي : لما قتل الحسين بن علي بكت عليه السماء ، وبكاؤها : حمرتها . { وما كانوا منظرين } لم ينظروا حين أخذهم العذاب لتوبة ولا لغيرها .

 
الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع [إخفاء]  
{فَمَا بَكَتۡ عَلَيۡهِمُ ٱلسَّمَآءُ وَٱلۡأَرۡضُ وَمَا كَانُواْ مُنظَرِينَ} (29)

تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :

{فما بكت عليهم السماء والأرض}؛ لأنهم لم يصلوا لله في الأرض، ولا كانت لهم أعمال صالحة تصعد إلى السماء؛ لكفرهم.

{وما كانوا منظرين}، لم يناظروا بعد الآيات التسع حتى عذبوا بالغرق...

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

فما بكت على هؤلاء الذين غرّقهم الله في البحر، وهم فرعون وقومه، السماء والأرض...

وقيل: إنما قيل:"فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السّماءُ والأرْضُ"؛ لأن المؤمن إذا مات بكت عليه السماء والأرض... ولم تبكيا على فرعون وقومه؛ لأنه لم يكن لهم عمل يَصْعد إلى الله صالح، فتبكي عليهم السماء، ولا مسجد في الأرض، فتبكي عليهم الأرض.

"وَما كانُوا مُنْظَرِينَ": وما كانوا مؤخرين بالعقوبة التي حلّت بهم، ولكنهم عوجلوا بها إذ أسخطوا ربهم عزّ وجلّ عليهم.

تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :

أي فما بكى عليهم أهل السماء وأهل الأرض بل سُرّوا بذلك، واستبشروا بهلاكهم. فيكون ذكر نفي البكاء لإثبات ضدّه، وهو السرور والفرح، لا لعينه، وذلك جائز في اللغة أن يُذكر نفي الشيء، ويراد به إثبات ضدّه لا عين النفي كقوله تعالى: {فما ربِحت تجارتهم} [البقرة: 16] {فما بكت عليهم السماء والأرض} أي ضحكت، وسُرّت، واستبشرت بهلاكهم لأنهم جميعا أبغضوهم، وعادوهم لادّعائهم ما ادّعوا من الألوهية لفرعون.

وقال بعضهم: {فما بكت عليهم السماء والأرض} يحتمل أن المراد به ما رُوي في الخبر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (ما من مؤمن إلا وله باب في السماء يصعد إليه عمله الصالح، وفي الأرض مُصلّى يصلّي فيه، فإذا مات بكى ذلك عليه كذا وكذا يوما] [بنحوه الترمذي 3255] وليس لهم ذلك، فلا يُبكى عليهم.

وجائز أن يكون أيضا قوله تعالى: {فما بكت عليهم السماء والأرض} أي لم يبق لهم أحد يبكي عليهم من الأولاد وغيرهم لأنهم استُؤصلوا جميعا الأولاد وغيرهم، فلم يبك عليهم أحد. فأما سائر الموتى فقد يبقى لهم من يبكي عليهم. لذلك كان ما ذكر والله أعلم.

ويحتمل أن يذكر بكاء السماء إذا عظُم الأمر على التمثيل من نحو موت الملوك والقادة ومن عظُم قدره عندهم، فيُخبر الله عز وجل أن موت فرعون وأتباعه لم يعظم على أهل السماء والأرض لما لا قدر لهم عندهم، والله أعلم.

لطائف الإشارات للقشيري 465 هـ :

لم يكن لهم من القَدْرِ والخَطَرِ ما يتحرك في العالَم بِسببَهم ساكنٌ، أو يسكن متحركٌ فلا الخضراء بسببهم اغبرَّتْ، ولا الغبراءُ لغيبتهم اخضَّرتْ. لم يبقَ منهم عينٌ ولا أثر، ولم يظهر مِنْ قِبَلِهم على قلبِ أحدٍ من عبادِنا أثرٌ. وكيف تبكي السماءُ لفقْدِ من لم تستبشر به من قَبْلُ؟ بعكس المؤمن الذي تُسَرُّ السماءُ بصعود ِعمله إليها، فإنها تبكي عند غيابه وفَقْدِه.

الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :

فيه تهكم بهم وبحالهم المنافية لحال من يعظم فقده: فيقال فيه: بكت عليه السماء والأرض.

وعن الحسن: فما بكى عليهم الملائكة والمؤمنون، بل كانوا بهلاكهم مسرورين، يعني فما بكى عليهم أهل السماء وأهل الأرض

{وَمَا كَانُواْ مُنظَرِينَ} لما جاء وقت هلاكهم لم ينظروا إلى وقت آخر، ولم يمهلوا إلى الآخرة، بل عجل لهم في الدنيا.

نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :

لما جرت العادة بأن العدو قد يستمهله عدوه في بعض الأوقات لمثل وصية وقضاء حاجة فيمهله، أخبر تتميماً لعدم الاكتراث بهم أنهم كانوا دون ذلك فقال: {وما كانوا} ولما كان هذا لكونه خيراً عنهم بعد مضيهم المقصود منه تحذير من بعدهم فقط، لم يذكر التقييد بذلك الوقت بإذن ونحوها دلالة على أن ما كانوا فيه من طويل الإمهال كان كأنه لم يكن لعظم هذا الأخذ بخلاف ما مر في الحجر من التخويف من إنزال الملائكة عليهم، فإن تقييد عدم الإنظار بذلك الوقت لرد السامعين عن طلب إنزالهم فقال تعالى: {منظرين} أي ممهلين عما أنزلنا بهم من المصيبة من ممهل ما لحظه فما فوقها ليتداركوا بعض ما فرطوا فيه وينظروا في شيء مما يهمهم بل كان أخذهم لسهولته علينا في أسرع من اللمح، لم يقدروا على دفاع، فنالهم عذاب الدنيا وصاروا إلى عذاب الآخرة فخسروا الدارين وما ضروا غير أنفسهم.

في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :

تعبير يلقي ظلال الهوان، كما يلقي ظلال الجفاء.. فهؤلاء الطغاة المتعالون لم يشعر بهم أحد في أرض ولا سماء. ولم يأسف عليهم أحد في أرض ولا سماء. وذهبوا ذهاب النمال، وهم كانوا جبارين في الأرض يطؤون الناس بالنعال! وذهبوا غير مأسوف عليهم فهذا الكون يمقتهم لانفصالهم عنه، وهو مؤمن بربه، وهم به كافرون! وهم أرواح خبيثة شريرة منبوذة من هذا الوجود وهي تعيش فيه! ولو أحس الجبارون في الأرض ما في هذه الكلمات من إيحاء؛ لأدركوا هوانهم على الله وعلى هذا الوجود كله ولأدركوا أنهم يعيشون في الكون منبوذين منه، مقطوعين عنه، لا تربطهم به آصرة، وقد قطعت آصرة الإيمان...

 
الوجيز في تفسير الكتاب العزيز للواحدي - الواحدي [إخفاء]  
{فَمَا بَكَتۡ عَلَيۡهِمُ ٱلسَّمَآءُ وَٱلۡأَرۡضُ وَمَا كَانُواْ مُنظَرِينَ} (29)

{ فما بكت عليهم السماء والأرض } لأنهم ماتوا كفارا والمؤمن يبكي عليه مصعد عمله ومصلاه من الأرض { وما كانوا منظرين } مؤخرين حين أخذناهم با لعذاب

 
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي [إخفاء]  
{فَمَا بَكَتۡ عَلَيۡهِمُ ٱلسَّمَآءُ وَٱلۡأَرۡضُ وَمَا كَانُواْ مُنظَرِينَ} (29)

ولما كان الإهلاك يوجب أسفاً على المهلكين ولو من بعض الناس ولا سيما إذا كانوا جمعاً{[57509]} فكيف إذا كانوا أهل مملكة{[57510]} ولا سيما إذا كانوا في نهاية الرئاسة ، أخبر بأنهم كانوا{[57511]} لهوانهم عنده{[57512]} سبحانه وتعالى على خلاف ذلك ، فسبب عما مضى قوله : { فما بكت عليهم } استعارة لعدم الاكتراث {[57513]}بهم لهوانهم{[57514]} { السماء والأرض } وإذا لم يبك السكن فما ظنك بالساكن الذي هو بعضه ، روى أبو يعلى في مسنده والترمذي{[57515]} في جامعه - وقال : غريب والربذي{[57516]} والرقاشي{[57517]} يضعفان في الحديث - عن أنس رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :

" ما من مسلم إلا وله في السماء بابان ، باب يصعد منه عمله وباب ينزل منه رزقه فإذا مات بكيا عليه " وتلا هذه الآية ، وقال علي{[57518]} رضي الله عنه : إن المؤمن إذا مات بكى{[57519]} مصلاه من الأرض ومصعد عمله من السماء .

ولما جرت العادة بأن العدو قد يستمهله عدوه في بعض الأوقات لمثل وصية وقضاء حاجة فيمهله ، أخبر تتميماً لعدم الاكتراث بهم أنهم كانوا دون ذلك فقال : { وما كانوا } ولما كان هذا لكونه{[57520]} خيراً عنهم بعد مضيهم المقصود منه تحذير{[57521]} من بعدهم فقط ، لم يذكر التقييد {[57522]}بذلك الوقت بإذن{[57523]} ونحوها دلالة على أن ما كانوا فيه من طويل الإمهال {[57524]}كان كأنه{[57525]} لم يكن لعظم{[57526]} هذا الأخذ بخلاف ما مر في الحجر من التخويف من إنزال الملائكة عليهم ، فإن تقييد{[57527]} عدم الإنظار بذلك الوقت لرد{[57528]} السامعين عن طلب إنزالهم فقال تعالى : { منظرين * } أي ممهلين عما أنزلنا بهم من المصيبة{[57529]} من ممهل ما{[57530]} لحظه فما فوقها ليتداركوا بعض ما فرطوا فيه وينظروا في شيء مما يهمهم بل كان أخذهم لسهولته علينا في أسرع من اللمح ، لم يقدروا على{[57531]} دفاع ، فنالهم{[57532]} عذاب الدنيا وصاروا {[57533]}إلى عذاب{[57534]} الآخرة فخسروا الدارين وما ضروا غير أنفسهم{[57535]} .


[57509]:من ظ ومد، وفي الأصل: جميعا.
[57510]:زيد في الأصل و ظ: كاملة، ولم تكن الزيادة في مد فحذفناها.
[57511]:في مد: أنهم.
[57512]:من مد، وفي الأصل و ظ: عندهم.
[57513]:من مد، وفي الأصل و ظ: بهوانهم.
[57514]:من مد، وفي الأصل و ظ: بهوانهم.
[57515]:راجع جامعه 2/108.
[57516]:من التهذيب، وفي الأصل: الزيدي، وهو موسى بن عبيدة.
[57517]:هو يزيد بن أبان.
[57518]:أورده السيوطي في الدر المنثور6/31..
[57519]:ليس في ظ ومد.
[57520]:من ظ ومد، وفي الأصل: الكون.
[57521]:من مد، وفي الأصل و ظ: يحذر.
[57522]:من ظ ومد، وفي الأصل: لوقت يأذن.
[57523]:من ظ ومد، وفي الأصل: لوقت يأذن.
[57524]:من ظ ومد، وفي الأصل: كأنه كان.
[57525]:من ظ ومد، وفي الأصل: كأنه كان.
[57526]:من مد، وفي الأصل و ظ: لعظيم.
[57527]:زيد من ظ ومد.
[57528]:من مد، وفي الأصل و ظ: كرر.
[57529]:من ظ ومد، وفي الأصل: المعصية.
[57530]:زيد من ظ ومد.
[57531]:من مد، وفي الأصل وظ: دفاعه ما لهم.
[57532]:من مد، وفي الأصل وظ: دفاعه ما لهم.
[57533]:من مد، وفي الأصل و ظ: في عتاب.
[57534]:من مد، وفي الأصل و ظ: في عتاب.
[57535]:زيد في الأصل: فقط، ولم تمكن الزيادة في ظ ومد فحذفناها.